منذ سبع سنوات انطلقت مبادرة "اقرأ معي" تحت إشراف وفاء رياض وزملائها، في محاولة لإعادة الاعتبار للقراءة في مجتمع موريتاني بدأ يبتعد عن المطالعة، وهي تجربة تميزت بالعمل الدؤوب في مجال نشر ثقافة القراءة وتوفير الكتب في بيئة تراجع فيها الاهتمام بالكتب والمكتبات.
وتنطلق تجربة القائمين على هذه المبادرة الشبابية من منظور تحفيزي للقراء والكتاب معاً، فهي توفر بيئة ملائمة لمحبي المطالعة إذ تمتلك آلاف العناوين في مختلف أصناف المعرفة، وتضعها بين أيدي المهتمين من تلاميذ وطلاب، كما تمنح المؤلفين فرصة للقاء قرائهم ومناقشة كتبهم، وهذا ما يمنح المبادرة ميزة تحريك الساحة الثقافية الموريتانية التي يعتبر المعنيون في الشأن أنها "راكدة".
جيل قارئ
وتتذكر وفاء رياض كيف بدأت هي وأقرانها تجربتهم قائلة "في البدء كنا مجموعة من الشباب نتبادل الكتب بيننا ونبحث عن عناوين جديدة ومختلفة، ونوصي معارفنا القادمين من الخارج بإحضار الكتب لنا وآخر الإصدارات، وفي منتصف عام 2015 فتحنا صفحة على "فيسبوك" لاقت في فترة وجيزة إقبالاً كبيراً من طرف القراء والكتاب الموريتانيين والمهتمين بالشأن الثقافي".
وتحدد وفاء أهداف المبادرة بقولها "نهدف أساساً إلى نشر ثقافة المطالعة وخلق جيل قارئ، إضافة إلى توفير الكتب للقراء بالمجان".
الأهداف التي رسمها الشباب لمبادرتهم قطف ثمارها تلاميذ في الثانوية العامة، إذ يعتبر المصطفى سيدي وهو أحد المستفيدين من كتب المبادرة أن مكتبة "اقرأ معي" منحتهم "فرصة قراءة عشرات الكتب التي لم نكن لنحظى بقراءتها لو لم تكن هذه المبادرة موجودة، ففي زوايا مكتبتها حظينا بأوقات طيبة رفقة كتب حول مختلف المجالات".
وتضيف وفاء "في يناير (كانون الثاني) 2016 انتقلت تجربتنا إلى أرض الواقع، فقمنا بحملة أطلقنا عليها ’تبرع بكتاب‘ واستطعنا جمع قرابة 2000 كتاب، ثم بدأنا بمجموعة من الأنشطة الثقافية والتوعوية منها ’100 دقيقة نقاش‘ وتبادل الكتب، وفي المحصلة أصبحت مبادرة ’اقرأ معي‘ الآن أول جمعية ثقافية تضم مكتبة موريتانية عامة تقدم خدماتها بالمجان".
100 دقيقة نقاش
تحول نقاش إصدارات الكتب الجديدة في موريتانيا الذي تنظمه مبادرة "اقرأ معي" إلى طقس ثابت في الأجندة الثقافية الوطنية، وناقش عشرات المؤلفين مواضيع كتبهم مع قرائهم الذين جمعتهم بهم المبادرة.
ويرى الشاعر الموريتاني أبوبكر المامي أن "اقرأ معي" نجحت في خلق بيئة مناسبة لتوثيق الصلة بين عدد كبير من المهتمين بالمطالعة، وظلت تناضل على مدى سنوات من أجل استمرار هذه الصلة وبث حيوية مستمرة في ساحة ثقافية يطبعها الركود".
وتتيح جلسة "100 دقيقة نقاش" التي تنظمها المبادرة كلما كان هناك إصدار موريتاني جديد، الفرصة لأسئلة القراء وقراءة مقاطع من الكتب التي تناقش، سواء كانت أعمالاً شعرية أو روائية أو حتى مطبوعات في مجال العلوم الإنسانية الأخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لماذا القراءة تحديداً؟
وتعاني موريتانيا تراجع نسب القراءة بين شبابها، فبحسب نتائج مؤشر القراءة العربي الذي أعدته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بالشراكة مع المكتب الإقليمي للدول العربية قبل سنوات، فإن نسبة القراءة بلغت أقل من 30 دقيقة سنوياً، أي بمعدل أقل من كتاب سنوياً.
وفى هذا الإطار تؤكد وفاء أن دوافع قيام هذه المبادرة تأتي "لغياب المكتبات العامة والمركزية وحتى المدرسية، كما أن هناك حاجة ماسة إلى توفير مجالات وعناوين جديدة، خصوصاً أننا اكتشفنا من خلال تجربتنا في ’اقرأ معي‘ أن هناك شباباً يحبون المطالعة لكنهم لا يجدون ما يقرأونه، كما أن هناك شباباً يتابعون حركة النشر من حولهم ولديهم كتاب معين وعناوين معينة يبحثون عنها وعاجزون عن الوصول إليها".
قلق الاستمرارية
وينظر المهتمون بالمجال الثقافي في موريتانيا إلى هذه التجربة بكثير من التقدير، لكنهم لا يخفون قلقهم من هاجس الاستمرارية الذي يخيم على المشروع الثقافي الرائد في البلد.
ويرى المامي أن "أكبر تحد يواجه المبادرة هو القدرة على الاستمرار في ظل عزوف الشباب عن المطالعة لمصلحة الانشغال بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي التي أعلت قيمة المسموع والمرئي على حساب المكتوب وبخاصة الكتب، وكذلك تحدي غياب الدعم الرسمي وغير الرسمي لمبادرة ثقافية غير ربحية".
إلا أن صاحبة المبادرة ترى أن التحديات التي تواجه مشروعها الثقافي تتلخص أساساً في "عدم وجود مكان لائق يسمح بالإعارة الداخلية وإقامة أنشطة المكتبة وتوسعتها".
وسبق أن طالب ناشطون ثقافيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي وزارة الثقافة الموريتانية بتوفير الدعم لهذه المبادرة بما يتيح لها البقاء ويزيح عن كاهل أصحابها قلق الاستمرارية الذي يؤرقهم.
وفي انتظار لفتة رسمية من السلطات ترى وفاء رياض أن "القراءة وقود المرء وأساس المجتمع، فالمجتمعات التي لا تقرأ لا يمكن أن تنهض ولن يسعفها شيء آخر عدا الكتاب".