موجة اليسار ترتفع مجدداً في أميركا اللاتينية، وموجة الشعبوية اليمينية تعلو في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، والرئيس الأميركي جو بايدن يعيد تقسيم العالم إلى "فسطاطين" على طريقة أسامة بن لادن و"القاعدة"، الديمقراطية والسلطوية، وهو دعا إلى "تحالف الديمقراطيات" لمواجهة الأنظمة السلطوية الاستبدادية ومن أجل تقوية الديمقراطية في أميركا نفسها بعدما هددتها ظاهرة الشعبوية التي ركب موجتها الرئيس السابق، وربما اللاحق، دونالد ترمب.
البرازيل أعادت انتخاب الرئيس السابق اليساري لويس إيناسيو داسيلفا (لولا) وانضمت إلى المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وتشيلي بعد نيكارغوا وفنزويلا وكوبا في "الفسطاط" اليساري، وكان أول ما قاله لولا لجمهوره بعد الفوز هو، "أنا مواطن قام من الموت، حاولوا دفني حياً لكن هأنذا من جديد، وأعدكم بأن مكافحة الجوع ستكون في طليعة أولوياتي تليها إعادة البرازيل إلى المسرح الدولي".
ومن المرجح بسبب تاريخه وتجربته الماضية أنه سيحاول، لكن السؤال هو إلى أي حد يستطيع العمل بحرية مع مجلس نيابي موال لخصمه ومنافسه بولسونارو؟ وهل نجت الأنظمة اليسارية من إغراء السلطوية كما في نيكاراغوا حيث الرئيس دانيال أورتيغا وزوجته هما الحاكمان منذ سنوات طويلة، والرئيس مادورو يحكم فنزويلا بقبضة من حديد؟ وماذا عن السلطوية اليمينية التي ازدادت جاذبيتها خلال السنوات الأخيرة؟
في كتاب جديد تحت عنوان "عصر الرجل القوي: كيف تهدد عبادة القائد الديمقراطية في العالم"، يلاحظ المؤلف جدعون راتشمان أن "السلطوية الجديدة تتمدد في العالم"، ويعطي أمثلة بالصين والمجر والهند والفيليبين وبولندا وروسيا وتركيا وحتى الولايات المتحدة، فالنموذج الصيني الناجح اقتصادياً تحت قبضة الحزب الشيوعي وزعيمه الرئيس شي جينبينغ أغرى كثيرين بتقليده من دون الانحياز إلى النظام الشيوعي، والسبب هو السرعة في اتخاذ القرار والكفاءة في الإنجاز على عكس الديمقراطيات، إذ تتأخر القرارات لأنها خاضعة للنقاش على مستويات عدة، وما يراه مؤلف الكتاب هو "قادة أقوياء يبحثون عن تأسيس أشكال من حكم الرجل الواحد عبر كوكتيل من الخوف والوطنية والشعبوية والمظالم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
النموذج البارز هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قاد بلاده إلى ورطة دولية كبيرة عبر غزو أوكرانيا بقرار منه لم يجادله فيه أحد، وهو أيضاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي نقل تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي تتركز السلطة كلها في يد الرئيس، ولم يكن دونالد ترمب يحسد إلا بوتين وأردوغان وبقية السلطويين الذين تمنى أن يحكم مثلهم فمنعته طبيعة النظام الأميركي.
لكن مشكلة الرجال الأقوياء أن "حكم الشخص لا يدوم" وأن "الديكتاتوريين نادراً ما يستطيعون الوفاء بما وعدوا به"، فشعب فنزويلا الغنية بالنفط جائع تحت حكم يساري ومضطر إلى السفر للبلدان المجاورة للحصول على المواد الغذائية التي تنقصه، وشعب كوريا الشمالية جائع في ظل الصواريخ العابرة للقارات والترسانة النووية التي يلعب بها كيم جونغ أون حفيد المؤسس كيم إيل سونغ، وشعب إيران يعاني أزمة اقتصادية ويقوم بثورة ضد سلطة الملالي باسم الدين، ولا مجال لأي تغيير في هذه الأنظمة.
وعلى العكس فإن الأنظمة الديمقراطية التي تعمل ببطء قادرة على تصحيح أخطائها عبر آلية الدستور والانتخابات.
وعلى رغم إغراء السلطوية في بلدان كثيرة فإن بايدن لا يزال مصراً على "تحالف الديمقراطيات" في وجه السلطويات، والحكم في النهاية هو القدرة أو العجز عن التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وضمان العيش الكريم للشعب.