دفعهم جحيم الحرب الليبية عام 2011 إلى الفرار للحدود التونسية، ليجدوا أنفسهم إلى جانب الآلاف من اللاجئين من جنسيات مختلفة في مخيم "الشوشة" بمحافظة مدنين جنوب تونس ويبعد نحو سبعة كيلومترات عن معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا الذي أنشأته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالتعاون مع الجيش التونسي.
وبعد سنتين من اندلاع المواجهات في ليبيا، أي عام 2013، قررت المفوضية السامية للاجئين إغلاق المخيم بعد أن غادره عدد كبير من اللاجئين ليبقى 35 لاجئاً من جنسيات مختلفة مثل تشاد والنيجر والكوت دي فوار والسودان، تتراوح أعمارهم بين 30 و32 عاماً، في المخيم يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة يعيشون على المساعدات التي يقدمها المجتمع المدني.
وبعد أن رفضت مفوضية اللاجئين مطالب اللجوء التي تقدموا بها، تمسك هؤلاء اللاجئون بحقهم في اللجوء وعدم رغبتهم في العودة لأوطانهم إلى أن قررت السلطات التونسية إخلاء المخيم بمن فيه بالقوة عام 2017، فتوجه هؤلاء اللاجئون إلى العاصمة تونس واعتصموا أمام مقر المفوضية إلى أن جرى إيواؤهم بشكل موقت في مبيت المركب الشبابي والرياضي بالمرسى، وفيهم من غادر المركب بسبب انعدام الرعاية الصحية، كما توفي منهم لاجئان.
"قرار قمعي لا إنساني"
وفي الأثناء تواصلت حملة المناصرة من قبل المجتمع المدني من أجل إيجاد حلول استثنائية لهؤلاء اللاجئين، وعبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان عن "سخطه من قرار رئاسة الحكومة ومضمون بلاغها اللاإنساني والقمعي وعباراته التمييزية" المتعلق بترحيل طالبي اللجوء الموجودين في المركب الشبابي بالمرسى.
وحذر المنتدى في بيانه من أية "محاولة لفرض حل بالقوة على فئة مستضعفة استمرت معاناتها أكثر من 10 سنوات من دون حل، وفي تنصل للجميع من مسؤولياته، مجدداً الدعوة إلى حل استثنائي لهذه الوضعية الاستثنائية بما يستجيب لانتظارات طالبي اللجوء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أن "سياسة الحكومة التونسية تزداد توحشاً يوماً بعد يوم، ليس فقط إزاء مواطنيها ومواطناتها بل أيضاً إزاء طالبي اللجوء والمهاجرين الناجين من حوادث غرق مريبة في البحر والحجز غير القانوني والحملات الأمنية الموجهة ضد المهاجرين والمهاجرات".
وفي تصريح إلى "اندبندنت عربية"، حمّل المتحدث الرسمي باسم المنتدى رمضان بن عمر "المسؤولية السياسية والأخلاقية لمعاناة طالبي اللجوء النفسية والصحية التي أدت سابقاً إلى وفاة اثنين منهم على المركب الشبابي بالمرسى، إلى الدول التي تورطت في الحرب الليبية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين والحكومة التونسية"، داعياً منظمات المجتمع المدني إلى "التعبئة ضد السياسات التمييزية والقمعية للحكومة التونسية إزاء المهاجرين".
ولفت بن عمر إلى أن رئاسة الحكومة تجرأت على اتخاذ "قرار قمعي بطرد طالبي اللجوء إلى وجهة غير معلومة، في وقت كان من المنتظر العمل على إيجاد حل لهذه المظلمة الإنسانية التي يتعرض إليها طالبو اللجوء الباقون من مخيم الشوشة منذ سنوات الحرب في ليبيا".
ويرى المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن "الدولة التونسية قبلت بوجودهم في تونس، وهم ليسوا مهاجرين غير شرعيين بل طالبو لجوء، وقد تعهدت تونس سنة 2013 بمنحهم بطاقات إقامة وقتية"، داعياً إلى "إيوائهم في مكان آمن والعمل على إيجاد حل استثنائي لوضعية استثنائية"، معتبراً أن "الترحيل القصري ممنوع ويجب أن يكون بقرار قضائي".
الإجراءات تبدأ في أقرب وقت
من جانبها أعلنت الحكومة التونسية خلال مجلس وزاري "ضرورة الشروع في ترحيل المهاجرين نظراً إلى وضعيتهم غير القانونية، على أن تبدأ الإجراءات في أقرب وقت"، وفق ما جاء في بيان لرئاسة الحكومة.
وأضافت رئاسة الحكومة أن مكوث هذه المجموعة من المهاجرين في مركز شبابي تابع للدولة بمدينة المرسى بضواحي تونس العاصمة منذ أكثر من خمس سنوات، "تسبب في تعطيل نسق عمل المركب بسبب رفضهم التام مغادرة المكان".
تونس وقعت على قانون حماية اللاجئين
وفي تعليقه على قانونية هذا الإجراء، أكد أستاذ القانون الدولي الإنساني في الجامعة التونسية هيكل محفوظ في تصريح خاص "ضرورة أن تكون تونس وقّعت على اتفاقات ثنائية مع الدول المعنية من أجل ترحيل هؤلاء المهاجرين، وإلا فإنها تعتبر مخالفة للقانون"، لافتاً إلى أن "تونس من الدول الموقعة على القوانين الدولية الخاصة بحماية اللاجئين"، إلا أنها تفتقر إلى قانون يوفر الحماية لهذه الفئة ويضمن حقوقها وواجباتها.
وأعدت وزارة العدل في تونس مشروع قانون يضمن حقوق المهاجرين وطالبي اللجوء من دون أن تجري المصادقة عليه إلى اليوم.
وعلى رغم ما تعانيه تونس من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة فإنها باتت الوجهة المفضلة لآلاف الأفارقة من جنوب الصحراء الذين يصلون تونس في إطار الدراسة أو البحث عن عمل أو اقتناص فرص العبور بطريقة غير شرعية نحو السواحل الإيطالية.
ولا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الأفارقة القادمين من جنوب الصحراء، بينما تضبط الوحدات الأمنية بشكل دوري عدد المهاجرين الذين يجتازون الحدود البرية خلسة عبر التراب الجزائري أو الليبي.
كما يواجه هؤلاء صعوبات في الاندماج داخل المجتمع لعدم توفر الحماية القانونية، ما عدا مبادرات المجتمع المدني في توفير الدراسة للأطفال أو الرعاية الصحية أو الضغط من أجل تسوية وضعياتهم بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
واعتبر المرصد الوطني للهجرة أن قرار الحكومة التونسية سليم باعتبار أن هؤلاء اللاجئين في علاقة بالمفوضية التي رفضت ملفاتهم، وبالتالي فإن تونس في حِل من أية مسؤولية تجاههم.