تنهي العملة البريطانية، الجنيه الاسترليني، العام الحالي 2022 على أسوأ انخفاض في قيمتها منذ عام 2016، الذي شهد نتيجة الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".
وجاهد الجنيه الاسترليني في الأسبوع الأخير من العام ليحافظ على سعر صرف عند 1.20 دولار للجنيه، بعد أن استعاد بعضاً من قيمته في الأشهر الأخيرة، بعد هبوطه أمام الدولار الأميركي لأدنى مستوى له على الإطلاق في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، مقترباً من عتبة التساوي مع الدولار (وصل سعر صرف الاسترليني وقتها إلى 1.03 دولار للجنيه)، لكن العملة البريطانية هبطت في المتوسط بنسبة أكثر من 10 في المئة خلال العام، متراجعة عن سعر صرف يزيد على 1.32 دولار للجنيه العام الماضي.
كان أكبر هبوط للعملة البريطانية عقب إعلان وزير الخزانة السابق كوازي كوارتنغ ما سمي "الميزانية التكميلية" في فترة حكم رئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس، والتي تضمنت خفضاً للضرائب على الأغنياء والشركات وزيادة هائلة في الاقتراض العام، وردت الأسواق وقتها بعمليات بيع هائلة للجنيه الاسترليني والسندات البريطانية مما هوى بقيمتها.
مع أن حكومة رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك ووزير خزانته جيريمي هانت ألغت كل ما أعلنته حكومة ليز تراس السابقة، وبدأت في إجراءات استعادة ثقة الأسواق والمستثمرين في الاقتصاد البريطاني إلا أن التحسن في سعر صرف الجنيه الاسترليني بدا قصير الأجل.
توقعات بمزيد من الهبوط
يتوقع غالب المحللين استمرار الضغوط على العملة البريطانية العام المقبل، بحسب ما ذكرت صحيفة "التايمز" الجمعة، 30 ديسمبر (كانون الأول)، مع اتجاه بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) للحد من توجه رفع أسعار الفائدة لمواجهة زيادة معدلات التضخم، فعلى رغم أن بنك إنجلترا بدأ مسار رفع الفائدة قبل نظرائه من البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة، وذلك نهاية العام الماضي 2021، فإنه لم يرفعها بقوة كما فعل مثلاً الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي. فبينما سعر الفائدة في بريطانيا حالياً عند 3.5 في المئة، يزيد سعر الفائدة الأساسية في الولايات المتحدة على نسبة أربعة في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يقتصر الضغط المتوقع على الجنيه الاسترليني على سعر صرفه مقابل الدولار الأميركي فحسب، بل تقدر الأسواق أن يهبط الجنيه الاسترليني مقابل العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) أيضاً العام المقبل، وبلغت نسبة هبوط الاسترليني أمام اليورو في المتوسط هذا العام خمسة في المئة ليصل إلى 1.11 يورو للجنيه.
يتوقع كريس تيرنر، مدير الأسواق الدولية في شركة "أيه أن جي" أن يكون الجنيه الاسترليني "أكثر العملات الرئيسة هشاشة وعرضة للضغط العام المقبل". ويضيف "يقترب بنك إنجلترا من إنهاء دورة التشديد النقدي (رفع سعر الفائدة وسحب السيولة من السوق) بأسرع من الاحتياطي الفيدرالي، كما أن عجز الحساب الحالي لبريطانيا يجعل الجنيه الاسترليني أكثر عرضة للضغط في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي".
في اجتماعه الأخير للعام الحالي هذا الشهر بدا البنك المركزي الأوروبي مستعداً لمزيد من التشديد النقدي في دول منطقة اليورو العام المقبل. كذلك يبدو الاحتياطي الفيدرالي مستمراً في رفع سعر الفائدة العام المقبل بوتيرة مماثلة. وعلى رغم أن معدلات التضخم في بريطانيا أعلى منها في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن بنك إنجلترا قد لا يستمر في رفع أسعار الفائدة بوتيرة كبيرة مثل نظرائه، ويجعل ذلك العملات الأخرى أكثر جاذبية للمستثمرين من الجنيه الاسترليني.
السياسات البريطانية
يعود قدر من هبوط الجنيه الاسترليني إلى استمرار ارتفاع الدولار الأميركي على مدى هذا العام، فغالب العملات الرئيسة في العالم، بما في ذلك الجنيه الاسترليني تهبط مقابل الدولار الأميركي القوي.
لكن تردي قيمة العملة البريطانية يعود أيضاً لأسباب ذاتية تتعلق بالسياسات الاقتصادية البريطانية، سواء المالية أو النقدية.
في تحليل لموقع "باوند إسترلينغ لايف دوت كوم" يخلص إلى أن وضع العملة في الأشهر المقبلة لن يتأثر فقط بالسياسات الاقتصادية البريطانية، بل أيضاً باعتبارات السياسة قبل الانتخابات العامة في عام 2024.
ويعتبر التحليل أن "السياسة البريطانية كانت من بين أهم الأسباب لتدهور الأوضاع المالية منذ مطلع هذا القرن".
ويضيف أن "الاعتبارات الانتخابية قد تشكل الآن تهديداً خطراً للجنيه الاسترليني". فالمزيج الحالي من معدلات التضخم المرتفعة وارتفاع أسعار الفائدة مع سياسة التقشف و"التاتشرية الزائفة" (نسبة إلى سياسات رئيسة الوزراء الراحلة مارغريت تاتشر في الثمانينيات من القرن الماضي) يدفع نحو مزيد من التدهور.
ويركز التحليل على أن أهم عامل يمكن أن يحافظ على قيمة العملة الآن في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد هو فتح باب الهجرة.
على رغم إدراك حكومة ريشي سوناك الحقائق الاقتصادية أكثر من غيرها فإن موضوع الهجرة من أكثر القضايا الشائكة انتخابياً بخاصة بالنسبة إلى حزب المحافظين الحاكم.
لذلك، يتوقع كثيرون أن يعود الجنيه الاسترليني للهبوط مجدداً مقابل الدولار واليورو. وبالفعل يعاود المضاربون على انخفاض سعر صرف العملة البريطانية النشاط في السوق، بعد أن حققوا أرباحاً طائلة من المضاربة في الأشهر الأخيرة.