وصل جثمان أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه إلى مثواه الأخير، الثلاثاء الثالث من يناير (كانون الثاني)، إلى مقبرة ضخمة في مدينة سانتوس مطلة على الملعب الذي توافد إليه أكثر من 230 ألف شخص من جميع أنحاء البرازيل في وداع مهيب للاعب الذي يعتبره كثيرون الأعظم في تاريخ الكرة المستديرة.
وانتهى تكريم الشعب البرازيلي الأخير لـ"الملك" بموكب استمر أربع ساعات في شوارع المدينة الساحلية على بعد 75 كيلومتراً من ساو باولو.
ووري بيليه الثرى في أعلى مقبرة عمودية في العالم، وفقاً لكتاب "غينيس" للأرقام القياسية.
وسيرقد في الطابق الأول من ضريح مهيب صمم خصيصاً له يتألف من 14 طابقاً وتبلغ مساحته 200 متر مربع. ويبدو الضريح أشبه بملعب كرة قدم مع عشب اصطناعي وصور للاعب، بحسب ما أكد مدير العلاقات في المقبرة لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتقدم الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الثلاثاء، الوداع الأخير فيما تدفق آلاف المشجعين والسياسيين وكبار الشخصيات واللاعبين لإلقاء النظرة الأخيرة على الجثمان الذي سُجي لمدة 24 ساعة اعتباراً من الإثنين في ملعب فيلا بيلميرو الخاص بنادي "سانتوس".
وقال النادي إن نحو 250 ألف شخص حضروا على مدى يومين تكريماً للجوهرة السوداء الذي توفي، الخميس، عن 82 سنة بعد صراع مع مرض السرطان.
منزل والدته
وبدا لولا الذي تولى منصبه رسمياً، الأحد، في حفل بدأ بدقيقة صمت تكريماً لبيليه، متأثراً ووقف مع السيدة الأولى روزانجيلا "جانجا" دا سيلفا أمام النعش واحتضنا أرملة بيليه، مارسيا سيبيلي أوكي التي كانت تبكي.
وتبع ذلك موكب جنازة ضخم ووضع نعش بيليه المغطى بعلم سانتوس باللونين الأبيض والأسود والعلم البرازيلي باللونين الأخضر والأصفر، فوق عربة إطفاء لمرور أخير في المدينة، وتوقف في مشهد مؤثر أمام المنزل الذي لا تزال تعيش فيه والدته المعروفة بـ"دونا سيليستي" البالغة من العمر 100 سنة.
وقالت العائلة إن والدته تعاني صعوبات في الإدراك ولا تعلم أن ابنها مات، لكن شقيقة بيليه ماريا لوسيا التي تعيش معها ظهرت على شرفة المنزل محاطة بالعائلة.
وشدت السيدة البالغة من العمر 78 سنة بيدها وأثنت رأسها بالدموع أمام الحشد الهائل بامتنان.
واصطفت حشود ضخمة من المشجعين في الشوارع وتجمعوا على الشرفات للوداع الأخير، وهم يهتفون "1000 هدف، بيليه فقط!" فيما كان بعضهم يبكي.
"رمز كرة القدم"
ويعتبر إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو، اللاعب الوحيد في التاريخ الذي فاز بكأس العالم ثلاث مرات (1958 و1962 و1970).
وسجل رقماً قياسياً عالمياً من الأهداف وبلغ عددها 1281 خلال مسيرته التي استمرت أكثر من عقدين مع "سانتوس" (1956-1974) والمنتخب البرازيلي و"نيويورك كوزموس" الأميركي (1975-1977).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وانهالت الإشادات من جميع أنحاء العالم منذ وفاته، وأثنى عظماء كرة القدم الحاليون والسابقون على عبقريته في "اللعبة الجميلة"، بما في ذلك نجم البرازيل نيمار والفرنسي كيليان مبابي وقائد الأرجنتين ليونيل ميسي الفائز بكأس العالم.
ووصف رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) السويسري جاني إنفانتينو الذي ألقى النظرة الأخيرة على نعش بيليه، الاثنين، اللاعب السابق بأنه "أيقونة عالمية لكرة القدم"، وقال إن هيئته ستطلب من جميع الدول الأعضاء تسمية أحد الملاعب لديها باسم البرازيلي تكريماً له.
وكشفت كاتيا كروس، البالغة من العمر 58 سنة، وهي مشجعة قديمة لـ"سانتوس"، عن أنها وقفت في طابور لمدة أربع ساعات للوصول إلى "فيلا بيلميرو" في الساعة 1:30 فجراً لإلقاء النظرة الأخيرة على نعش بيليه. وأشارت إلى أنه "كان كل شيء. كان الملك. إنه يستحق هذا التكريم".
وأظهر العالم بأسره تأثره بالظاهرة بيليه، وهذا ما ظهر جلياً لحظة وفاته، بعدما انهمرت رسائل التعزية من كل أصقاع العالم، من بينهم كثر من اللاعبين النجوم الحاليين والسابقين الذين أبدوا إعجابهم بـ"الملك" كلاعب.
"أبدي"
وسافر عدد من نجوم الرياضة والسياسيين وكبار الشخصيات والمشجعين إلى سانتوس لحضور المراسم الأخيرة، رغم أن حلول رأس السنة في الفترة ذاتها، حال دون وصول كثيرين.
وحمل رجال ارتدوا ملابس سوداء يتقدمهم إدينيو، نجل بيليه، نعش الأسطورة إلى الملعب صبيحة، الإثنين.
وقال إدينيو إن الأسرة ممتنة لهذا التكريم "لكن أي إجلال يمكن أن نقدمه له صغير مقارنة بما يمثله وقصة حياته التي كتبها. أنا ممتن وفخور للغاية."
وبكت أرملة الرمز الراحل، مارسيا سيبيلي أوكي زوجته الثالثة التي تزوجها عام 2016، أمام نعشه المفتوح وهي تمد يدها لتلمس رأسه.
وأحيط النعش بالزهور البيضاء، بما في ذلك أكاليل مقدمة من ريال مدريد الإسباني ونجم البرازيل الحالي نيمار الذي كان والده حاضراً.
ورفع في مقر الاتحاد البرازيلي لكرة القدم في ريو دي جانيرو، ملصق عملاق عليه صورة بيليه يحمل كلمة "أبدي". وقال عمدة المدينة إن ريو دي جانيرو ستعيد تسمية الشارع خارج استاد ماراكانا الشهير باسم بيليه.
وعولج بيليه في الفترة الأخيرة من سرطان القولون قبل أن تتراجع حاله الصحية بعدما عانى مشكلات في الكلى والقلب. لكنه ظل نشطاً على وسائل التواصل الاجتماعي، فقدم دعمه لمنتخب البرازيل من سريره في المستشفى في ساو باولو خلال كأس العالم في قطر وقدم مواساته لمنتخب السيليساو الذي كان يعد أحد أبرز المرشحين للقب قبل انطلاق المونديال، وذلك بعد الخروج من الدور ربع النهائي قبل ثلاثة أسابيع من وفاته.