جنت ليبيا أعلى حصيلة إيرادات عامة لها في العقد الأخير خلال 2022 تجاوزت 22 مليار دولار مستفيدة من انتعاشة إنتاجها النفطي الذي بلغ مستويات قياسية وحافظ للمرة الأولى منذ عام 2013 على معدلات تفوق مليون برميل في معظم فترات السنة.
وتناقضت هذه المؤشرات الإيجابية لإيرادات مبيعات النفط مع الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد التي تشهد أسوأ موجة ركود وتضخم منذ أعوام طويلة وزيادة مرعبة في الأسعار تجاوزت 50 في المئة بالنسبة إلى غالبية السلع.
أعلن مصرف ليبيا المركزي تحصيل 134.4 مليار دينار (26.8 مليار دولار) إجمالي الإيرادات العامة، بينما بلغ الإنفاق العام 127.9 مليار دينار (25.4 مليار دولار) في الفترة الممتدة من الأول من يناير (كانون الثاني) وحتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2022.
وتوزعت الإيرادات بواقع 105.5 مليار دينار (21 مليار دولار) من مبيعات النفط وإيراد الإتاوات النفطية 13.6 مليار دينار (7.2 ملياردولار) وإتاوات نفطية عن سنوات سابقة 11.4 مليار دينار (2.28 مليار دولار) والضرائب 1.4 مليار دينار (28 مليون دولار).
وتبين هذه الأرقام ارتفاع إيرادات الدولة بشكل ملحوظ عما تم تحصيله في الأعوام الأخيرة مع استمرار حال الاستقرار الأمني النسبي للعام الثاني على التوالي وتراجع ظاهرة الإقفال القسري للحقول والموانئ النفطية في البلاد.
قفزة في إيرادات النفط
في السياق قالت مؤسسة النفط الليبية، أمس الأربعاء، إنها "حققت إيرادات 130.5 مليار دينار (26 مليار دولار) عام 2022 بزيادة 27 مليار دينار (5.4 مليار دولار) عما حقق عام 2021".
ويعيش قطاع النفط الليبي مرحلة انتعاش خلال الأشهر الأخيرة، بحيث ارتفع الإنتاج إلى 1.2 مليون برميل يومياً مع وجود خطط حكومية تطمح إلى العودة لمستويات 2010 عندما كانت تنتج 1.6 مليون برميل يومياً في غضون عامين أو ثلاثة أعوام.
وفي ديسمبر الماضي قالت حكومة الوحدة الوطنية إنها "رفعت حال القوة القاهرة عن عمليات الاستكشاف لإنتاج النفط والغاز وتدعو شركات النفط العالمية التي أبرمت عقوداً مع المؤسسة الوطنية للنفط إلى استئناف عملها في ليبيا".
واستفادت البلاد أيضاً من ارتفاع أسعار النفط خلال العام الحالي، مما أنعش التوقعات المستقبلية للاقتصاد على رغم الأزمات الخانقة التي تشهدها البلاد كارتفاع أسعار الصرف وكلفة الغذاء، إلى جانب الصراعات والانقسامات السياسية.
وعلى رغم الطفرة النفطية التي تعيشها ليبيا مقارنة بالأعوام السابقة، إلا أن التقرير السنوي للمصرف المركزي كشف عن وجود عجز في إيرادات البلاد من النقد الأجنبي للعام الثاني على التوالي، بحيث بلغ إجمالي استخدامات النقد الأجنبي خلال عام 2022، 28.5 مليار دولار، بينما وصل إجمالي إيرادات النقد الأجنبي الموردة إلى مصرف ليبيا المركزي 27.3 مليار دينار، منها مبلغ 2.5 مليار من إتاوات على شركات نفطية في أعوام سابقة، أي بعجز سجل مليار و200 مليون دولار، مشيراً إلى أن "هناك إيرادات من مبيعات نفطية محتجزة لدى المصرف الليبي الخارجي ولم تورد حتى الآن إلى المصرف المركزي".
وأوضح المصرف المركزي في تقريره أنه "أجرى خلال العام الماضي تغذية حسابات المصارف التجارية بمبلغ ناهز 16.2 مليار دولار، تشمل قرابة 9.6 مليار دولار للاعتمادات و6.4 مليار دولار للأغراض الشخصية ومبلغ 138 مليون دولار حوالات دراسة وعلاج على الحساب الخاص ومرتبات المغتربين والطيران وغيرها، إضافة إلى التزامات قائمة بقيمة 7.9 مليار دولار".
توسع الإنفاق الحكومي
وكما جرت العادة أثار التقرير الذي يصدره المصرف المركزي سنوياً عن مصاريف الدولة ومسارات صرف الموازنات المعتمدة للجهات الحكومية جدلاً واسعاً في شأن حجم الإنفاق الحكومي ومخصصات المؤسسات السياسية في ليبيا.
وكان الجزء الذي استأثر بأكبر نسبة من النقد في الشارع الليبي الجزء الخاص بمصاريف وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة التي تجاوزت 5 مليارات دينار (مليار دولار) خلال عام 2022، واتهمتها أطراف معارضة لها بصرفها على الميليشيات المسلحة لضمان بقائها في السلطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطاولت هذه الانتقادات أيضاً حجم الإنفاق الحكومي في العام المنقضي، وبحسب المركزي شهد الإنفاق العام للدولة الليبية عام 2022 زيادة كبيرة عن عام 2021 الذي بلغ آنذاك 86 مليار دينار (17.2 مليار دولار)، بفارق يصل إلى 41 مليار دينار (8.2 مليار دولار).
وتعارض هذه الزيادة توصيات ديوان المحاسبة الذي كشف في تقريره السنوي عن عام 2021، عن إهدار مبالغ كبيرة ومخالفات عدة في جميع القطاعات والوزارات وطالب بخفض المخصصات الحكومية في موازنة العام التالي.
الدبيبة يجهز رده
من جهته بدأ الدبيبة بتجهيز رد حكومته على هذه الانتقادات العنيفة التي تتهمها بإهدار المال العام، فطالب وزراء حكومته ورؤساء الهيئات والمصالح والمؤسسات الحكومية بالكشف عن مصاريفهم لعام 2022 عبر القنوات الإعلامية، وذلك عملاً بمبدأ الشفافية والإفصاح الشامل عن نفقات الحكومة.
وعلى رغم الأزمة الاقتصادية تحت تأثير الانقسام السياسي في البلاد، إلا أن البنك الدولي لفت في تقريره الأخير عن ليبيا إلى وجود فرصة مواتية لتعافي الاقتصاد إذا استفادت مؤسسات الدولة من انتعاش أسعار النفط في الفترة الحالية، شرط المحافظة على المستويات الحالية للإنتاج التي تقترب من المعدلات الطبيعية.
لكن تقرير البنك الدولي حذر في الوقت ذاته من ارتفاع معدلات التضخم وتراجع المستوى المعيشي نتيجة الانقسام السياسي في البلاد وسوء الإجراءات الحكومية في التعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على مختلف القطاعات المحلية.
وقال البنك الدولي إنه "على رغم أوجه القصور الكبيرة التي يواجهها المصدران الرئيسان للبيانات المتعلقة بالأسعار، وهما المعدل الرسمي للتضخم في مؤشر أسعار الاستهلاك ومعدل تضخم سلة الحد الأدنى للإنفاق الذي يقاس من قبل مبادرة ريتش (REACH Initiative) إلا أنهما يقدمان رواية متسقة عن زيادة الضغوط التضخمية خلال عام 2021 والربع الأول من عام 2022 ومن المرجح أن تكون تقديرات الأرقام الرسمية للتضخم في مؤشر أسعار الاستهلاك أقل من المعدل الفعلي للتضخم، لأنها تعتمد على بيانات طرابلس، نظراً إلى الصعوبات المرتبطة بجمع البيانات في أنحاء البلاد وسط مشهد سياسي وأمني معقد".