"درست الهندسة في الجامعة ولكني لم أجد نفسي فيها، لذلك شاركت صدفة في عرض بعد ورشة دراما في لبنان عام 2011، وحينها أحببت المجال، وقررت الاستمرار فيه" يقول محمود رزق أحد ممثلي ومقدمي البرامج الكوميدية الفلسطينية، فبرنامجه "فنجان البلد" كان أول برنامج رمضاني كوميدي فلسطيني يبث على شاشة تلفزيون عربي، وأوضح رزق أنه في هذا البرنامج، كان يناقش قضايا عدة تتراوح ما بين الاجتماعية والسياسية كحق العودة وقضية اللاجئين والفساد في بعض المؤسسات، والمرأة، والبطالة وغيرها، عبر مقاطع تمثيلية، بشكل جريء مع احترام الحدود التي يرسمها المجتمع.
ليس رزق وحده الذي دخل صدفة هذا المجال، فغسان شوشة وهو أحد مقدمي البرامج الاجتماعية السياسية ذات الطابع الفكاهي، قدم أول حلقة بعد أن أكثر من التعليقات والانتقادات لبرنامج ما في الفضائية التي كان يعمل بها، فقال له المدير "ببساطة اذهب وقدم البرنامج أنت"، وكان أول برنامج له في الشارع عام 2016 بعنوان "مع غسان"، يعتمد على التحدث مع الناس في الشارع، متناولاً مواضيع مختلفة كالفن والموسيقى والمجتمع والسياسة وغيرها، قدمها بلهجة عامية قروية، وهو ما زاد عدد المتابعين له كما أوضح شوشة.
محاكمة الكوميديا الفلسطينية
على الرغم من عدم وجود قانون يحكم الفن بشكل مباشر في فلسطين، إلا أن هناك كما أشار غسان رقابة مجتمعية وسياسية تتحكم بها، إذ جرى منع حلقات عدة له بسبب التطرق لمواضيع سياسية حساسة، سواء منعها من البث أو حتى عدم الموافقة على السيناريو قبل التصوير، ما دفعه إلى الابتعاد عن الحديث عن السياسة.
ويقول رزق إن طاقم العمل تعرض لمضايقات بعد بث برنامج "فنجان البلد"، ولكن الأمور بلغت ذروتها وجرى رفع قضايا في المحاكم بعد برنامج "زينكو" الذي جاء مشابهاً لبرنامج "البرنامج" الذي كان يقدمه باسم يوسف في مصر، ولكن بنكهة فلسطينية، فهو كان يتطرق إلى القضايا الفلسطينية الداخلية من الانقسام والفساد وغيرهما، وكلمة "زينكو" تعني الصفيح المعدني الذي يغطي بيوت مخيمات اللجوء.
البرنامج لم يستمر طويلاً إذ هوجم بعد الحلقة الرابعة ورفعت قضايا عدة ضد فريق العمل، ما أدى إلى إعاقة عملهم لمدة ثلاث سنوات في فلسطين. وأشار رزق إلى أنهم اضطروا خلالها للانتقال لاستكمال العمل في الأردن، حتى انتهاء المحاكم وعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي، ورجوع الفريق إلى فلسطين، مضيفاً أنه بعد خبرة ثماني سنوات في هذا المجال، تعلم الكثير عن كيفية كتابة النصوص والمواد الخاصة بكل حلقة بطريقة ذكية، توصل الفكرة من دون الإساءة بشكل مباشر لأي طرف.
النائب العام أمر بوقف "وطن ع وتر"
من البرامج التي رفعت ضد طواقمها قضايا في المحاكم كان "وطن ع وتر"، الذي هو أيضاً يتطرق لقضايا اجتماعية وسياسية بطريقة ساخرة، إذ جرى إيقافه بأمر من النائب العام الفلسطيني آنذاك أحمد المغني، بسبب ما وصفه "تكرار إساءاته وأخطائه وهفواته وركاكة مضمونه، وتحقيره للمقامات وإساءة في النص والتعبير"، وكان الموسم ذاته من هذا البرنامج تعرض لانتقادات كثيرة من فصائل فلسطينية ومن الحكومة وعدد من الشخصيات النقابية والمؤسسات، وعاد البرنامج للظهور على قناة أخرى وباسم آخر في السنوات اللاحقة وحتى العام الحالي في كل شهر رمضان.
كوميديا لا تتجاوز المجتمع
يضع المجتمع أمام هذا الفن محاذير كثيرة تعتمد في طبيعتها على الدين والعادات والتقاليد، فليس سهلاً أن تناقش الكوميديا الفلسطينية الدين أو الجنس، أو ربما المرأة وحقوقها في بعض التجمعات، وهذا الأمر يحاول الكثيرون من الممثلين الالتزام به في طرح القضايا الخاصة بهم، من أجل احترام جمهورهم الذي يوجهون رسالتهم إليه.
كما أوضح بعض العاملين في هذا المجال أن مشاكل كثيرة تواجه هذا النوع من الفن، من أبرزها غياب كتابة السيناريوات الكوميدية التي تناقش القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، بطريقة هادفة توصل الرسالة الفلسطينية للمجتمعات خارج فلسطين، إضافة إلى غياب الدعم المادي الكافي والمعنوي والسياسات التنظيمية لهذا المجال التي تسهم في بنائه، فكل المجهود المبذول حالياً هو فردي وتجارب كثيرة تموت قبل أن تولد حتى.
تجربة لم تكتمل لغياب الدعم
الشاب زيد زيدان كانت له تجربة قصيرة المدى في مجال الـ "ستاند أب" كوميدي، إذ قدم برنامجاً عبر يوتيوب سمّاه "ليفة جلي" ناقش فيه قضايا اجتماعية كحقوق المرأة والرجل، ووصف زيدان هذه التجربة بالغنية عبر الدروس الكثيرة التي تعلمها من الانتقادات التي وجهت له من الناس، ولكنها لم تستمر لغياب الدعم التقني والمادي لهذا الأمر، وضياع كل إنتاجاته على يوتيوب بسبب خطأ تقني.
وبالنسبة للبعض فإن ما تمرّ به فلسطين من ظروف سياسية اجتماعية داخلية وخارجية جعل تطور هذا الفن محدوداً، لذلك يبقى يقتصر على ما نراه على الشاشات من طرح للقضايا ذاتها، مع استخدام العنف أحياناً سواء اللفظي أو الجسدي حتى، أو التنمر، وهذا ما قد يعلم الأطفال سلوكيات خاطئة ويؤثر في تربيتهم، في حين يرى قسم آخر أن فلسطين لا تبرع بهذا الفن أبداً، وكل ما يجري إدراجه هو مجرد سذاجة لا أكثر عبر الاستخفاف بالمشاهدين وعرض مشاهد مبتذلة، مطالبين بوجود ضوابط على هذا الفن وتنظيم أكثر له.
ولكن هناك من رفض وجود القيود على الكوميديا، باعتبارها متنفساً للشارع أمام كل ما يحدث في فلسطين وما يواجهونه من مشاكل على الصعيد الشخصي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي. وعلى الرغم من كل الانتقادات التي توجه للكوميديا، إلا أنها كأي فن آخر تبقى هناك فئات عدة تحبها وتتابعها حلقة بحلقة، وتشاركها على صفحات التواصل الاجتماعي، وتخصص جزءاً من وقتها للحديث عنها.