الخطاب "الرؤية" الذي طال انتظاره لرئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، والذي ألقاه يوم الأربعاء الماضي، تضمن وعداً بأنه سيتم تدريس جميع الطلاب في إنجلترا مواد من الرياضيات حتى بلوغهم الثامنة عشرة من عمرهم. وفيما أنه أمر مرحب به، إلا أنها ليست فكرة جديدة، بل حتى أنها فكرة قديمة. أنا أتذكر النائب والوزير مايكل غوف عندما كان يروج للفكرة مذ كان وزيراً للتعليم قبل اثني عشر عاماً.
ومثلها مثل كل الوعود التي قطعها سوناك، فهو لن يتمكن من تنفيذها حتى ما بعد الانتخابات العامة المقبلة، ومن الممكن أن يتحول الموضوع إلى مسألة خطرة بالنسبة إليه فيما الوقت ينفد بسرعة. حتى في ذلك الحين، هل سيتوفر لدى إنجلترا ما يكفي من أساتذة مادة الرياضيات لتطبيق هذا الوعد؟
لكن، وفيما كان رئيس الحكومة يسعى إلى الرد على صخب نواب حزب المحافظين المتوترين المطالبين بمعرفة حقيقة مواقف سوناك، يأتي اقتراحه كانعكاس لأهدافه الشخصية التي يسعى من أجلها وهي تقوم على التأسيس لترك البلاد في وضع أفضل "من أجل أطفالنا وأحفادنا". وعلى رغم ذلك، فإن سوناك كان قد خذل الجيل المقبل من خلال ارتكابه خطأين فادحين.
الخطأ الأول، كان إلغاءه الوعد بالعمل على إجبار البلديات على الوفاء بالتزام بناء نسبة معينة من المنازل السكنية بعد انتفاضة نواب حزب المحافظين الجالسين على المقاعد الخلفية. لقد شكل ذلك نصراً لشريحة الأغنياء ممن يملكون أصولاً عقارية ويتجاوزون الخامسة والستين من عمرهم، والرافضين أي أمر من شأنه أن يحد من قيمة عقاراتهم nimbyism، كما شكل رفضاً لأفضل السبل وأسهلها لتحقيق النمو الاقتصادي [عن طريق الاستثمار الحكومي بتطوير الخدمات والبنى التحتية]. معلوم أن متوسط عمر من يتملكون عقاراتهم للمرة الأولى في المملكة المتحدة قد ارتفع من تسعة وعشرين عاماً إلى أربعة وثلاثين عاماً، منذ تسعينيات القرن الماضي. إن ذلك لا يقل عن كونه عملية انتحار انتخابية بالنسبة لحزب المحافظين من خلال حرمان الملايين من الناخبين الشباب الفرصة لتملك منزلهم الخاص.
أما الخطأ الثاني فهو إلغاء حكومة سوناك مشروع رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس لخفض كلفة العناية بالأطفال، وهي قضية مهمة للغاية لجيل الشباب. فتراس كانت قد اقترحت خفض عدد الموظفين نسبة إلى عدد الأطفال في مراكز العمل، وهو اقتراح لم يكن مرحباً به في أوساط أرباب الأسر، وكذلك العمل على زيادة حجم رعاية الأطفال "المجانية" لمن هم في الثالثة والرابعة من عمرهم من ثلاثين إلى 50 ساعة في الأسبوع، وهو ما سيلقى ترحيباً قوياً لأن الأهالي يرون كيف أن 25 إلى 30 في المئة تقريباً من دخلهم تبتلعه كلفة الأجور التي يدفعونها لقاء العناية بالأطفال.
وكما كان متوقعاً فإن ذلك تسبب في رد فعل عنيف من قبل النواب الذين يعتبرون حلفاء ليز تراس، لكن الأمر الذي من شأنه أن يقلق سوناك بنسبة أكبر هو رد الفعل من قبل أرباب الأسر. لقد قالت لي مصادر إن حزب العمال ماض في العمل على تقديم "عرض كبير" يتعلق بالعناية بالأطفال في برنامجه الانتخابي، ولذلك على سوناك أن يعمل على حجز مقعد لاقتراحاته في هذا المضمار أيضاً وبسرعة.
في هذه الأثناء، يقوم مالكو العقارات التابعون للقطاع الخاص برفع قيمة الإيجارات بعد الارتفاع الذي شهدته كلفة الفائدة على القروض العقارية، وكذلك قاد الارتفاع في الفائدة على القروض الطلابية إلى جعل شريحة الشباب، الفئة التي يفرض عليها أعلى نسبة من الضرائب، حيث يتكلف الخريج الجامعي في المتوسط بين عمر الثالثة والثلاثين والسابعة والأربعين، بدفع نسبة ضريبة يصل مجملها إلى 51 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لمرة أخرى، يمني حزب المحافظين النفس في أن يعرج متجاوزاً خط الفوز في الانتخابات العامة على خلفية إرضاء شريحة الناخبين ممن تجاوزوا الخامسة والستين من عمرهم، وكثر من بين هؤلاء ليس عليهم أن يقلقوا حيال دفع كلفة الفائدة على قروضهم المنزلية أو دفع إيجارات منازلهم. وعلى رغم أن تلك الشريحة عادة ما تقبل على الإدلاء بأصواتها في أي انتخابات أكثر من غيرها من الشرائح الأخرى، فإن هذا الرهان قد لا يكتب له النجاح.
إن العمر هو مؤشر أقوى حالياً على اتجاه خيارات الناخبين من الطبقية، أو الاعتبارات العرقية أو الجنسية. إن ذلك يشكل ما هو بمثابة كارثة وجودية بالنسبة لحزب المحافظين، وليس مشكلة عابرة وموقتة. لقد صعقت من وقع مقال طالعته في "فاينانشال تايمز"، والذي يطرح فكرة أن الناس في الدول الغربية، لا يميلون إلى الجانب المحافظ حالياً كلما تقدم بهم العمر [كما هو متعارف عليه تقليدياً].
إن الأشخاص المولودين بين الأعوام 1928 و1945 كانوا محافظين بنسبة تقل بخمس نقاط مقارنة بالمتوسط على المستوى الوطني عندما بلغوا سن الخامسة والثلاثين من عمرهم، ولكنهم يصبحون محافظين أكثر بنسبة خمس نقاط عند بلوغهم السبعين من عمرهم. إن فئة جيل "الأطفال المولودين لأسرة من الطبقة العاملة" baby boomer، ومن بعدهم "الجيل أكس" Gen X (الذين ولدوا بين 1965 وعام 1980)، قد سلكوا الدرب نفسه، ولكن وهنا الأهم، على عكس جيل الألفية millennials (من المواليد بين 1982 و1996). فهؤلاء يلتزمون بالفكر المحافظ بنسبة أقل بخمس عشرة نقطة من المعدل وهم في عمر الخامسة والثلاثين.
إن العقلاء من أتباع حزب المحافظين يتفهمون التداعيات العظيمة لذلك التوجه، ولكن هؤلاء هم أقلية في الحزب حالياً. راين شورتهاوس، الذي سيتقاعد من وظيفته كرئيس تنفيذي لمجموعة "برايت بلو للدراسات" Bright Blue قال، "لقد شهدت على مدى الأعوام الاثني عشر الماضية من حكم حزب المحافظين تطور سياساتهم في قطاعات العمل والتعليم والحفاظ على البيئة، ولكنها بالنسبة إلى الجيل الذي أنتمي إليه - جيل الألفية millennial – فإن لم يكن يتوفر لديهم الدعم من عائلة تنتمي للطبقة المتوسطة، فأنا أخاف من أن خلاصتي تقول إن السياسات العامة المتبعة قد خذلتهم إلى حد كبير. والنتيجة هي تراجع ملحوظ في نسبة مالكي المنازل ونسبة المواليد، وهو ما من شأنه أن تقشعر له أبدان أي من أعضاء حزب المحافظين".
منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 أدى نمو حجم الدين العام في المملكة المتحدة إلى ضرورة فرض نسب ضريبية أعلى على أجيال المستقبل، في المقابل كانت طبقة كبار السن قد نجحت في جني المكاسب من ارتفاع قيمة الأصول التي يملكونها. إن عملية تصحيح هذا الغبن بين الأجيال قد يكون فكرة عظيمة لو أنه كان في إمكان رئيس الحكومة سوناك أن يلاحظها. بالطبع، لا يوجد زمن مثالي ليعمل الزعيم على تنفير أتباعه الأساسيين، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات، في العام المقبل، ولكنني أشك في أن كثيراً من الميسورين من الأجداد قد يكونون سعداء جداً في تقديم مساهمة أكبر لخزانة وزارة المالية للعمل على خفض العبء غير العادل المفروض على كاهل أحفادهم [مستقبلا]. في يوم من الأيام سيصار إلى إعادة فرض التوازن، ربما سيصار إلى فرض دفع الضرائب والتأمين الاجتماعي على من تخطوا سن التقاعد على ما يملكون من ثروة بدل فرضها على عائدات أنشطتهم التجارية.
لو سعى رئيس الحكومة سوناك للقيام بذلك، فإن قصار النظر من نوابه سيصرخون منددين بإمكانية خسارة أصوات الناخبين من شريحة المتقاعدين، لذلك فإنه ربما علينا انتظار حلول عهد حكومة تابعة لحزب العمال على رأس السلطة، ولا أعتقد أن زعيم الحزب كير ستارمر سيعمل على الترويج لهذا المشروع قبل الانتخابات.
إن مدّاً جيلياً يتحرك بشكل خطر ضد مصالح حزب المحافظين. إن خيارات الحزب السياسية ربما قامت بتغذية ذلك المد. فليس من المستغرب إذاً هجرة الشريحة الشبابية الأصغر عن "حزب الطموحات" عندما لم تعد سياسات هذا الحزب تتوافق مع ما يصبون إليه.
© The Independent