هل تعاني اضطرابات في النوم؟ هل تشعر بالكسل أو سرعة الانفعال أو الانتفاخ؟ هل اكتسبت وزناً أخيراً أو لا تشعر بالجوع عندما تستيقظ؟ بحسب موجة جديدة من خبراء الصحة البدنية والنفسية على الإنترنت، الجواب في غاية البساطة: الهرمونات خرجت عن السيطرة.
حتى وإن لم تكن خبيراً في "اختلال الهرمونات"، فمن المحتمل أن تعرف بعض الأمور عنها. لعلك سمعت عن الإستروجين والتستوستيرون والكورتيزول من قبل، ولكنك لم تدرك تحديداً ما هو عملها. ولعلك قررت التخلي عن تناول حبوب الدواء لأنها تجعلك تشعر ببعض الغرابة، ولكنك لم تكن على دراية بسبب ذلك. وربما شعرت بألم في العظام على مدى أشهر، بيد أنه يبدو أن طبيبك لا يأخذ الأمر بالجدية التي ترغب بها. إن كنت تشعر ببعض تلك الحالات، فإن الفيديوهات الغزيرة المنتشرة مع هاشتاغ #توازن_الهرمونات، #صحة_الهرمونات و#علاج_الهرمونات تبدو موجهة مباشرة إليك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يسارع مرشدو الصحة البدنية والنفسية إلى الإقرار بأنك على الأرجح لا تعرف كيف أن هرموناتك تؤثر بجسمك أو بمزاجك. ويزعمون بأن اختلال الهرمونات هو أمر يتم تجاهله ولا يشخص بشكل مناسب من قبل المجتمع الطبي التقليدي، ولهذا قرروا أن يأخذوا المسائل على عاتقهم، فقد اخترقوا هرموناتهم ويخبرون العالم بهذا على الملأ. فهنالك الكوكتيلات الكظرية (adrenal) وعصائر الغدة الدرقية وسلطات الجزر النيء التي يتم تناولها كلها بهدف واحد هو تحقيق "التوازن الهرموني". "نعم"، يقول أحد الذين يسمون أنفسهم مدربي الصحة الهرمونية على "تيك توك"، "سيغير هذا الأمر حياتكم".
وليست الفكرة الأساسية القائلة إن صحتكم ستعاني إذا كان جسمكم في حالة "عدم توازن" – هرموني أو غيره - بالأمر الجديد. فمنذ نشوء مفهوم "الصحة"، شكل تصور "التوازن" إحدى ركائزها. فكروا في النظرية اليونانية القديمة حول "المزاجات الأربعة" التي تقول إن الجسم البشري يحتوي على أربعة سوائل حيوية أساسية هي الدم والبلغم والعصارة (المرارة) الصفراوية والعصارة السوداء، والتي يجب أن تبقى في حال توازن لكي يبقى الأشخاص بصحة جيدة. ضمن المعتقد هذا، يحصل الألم إن كانت إحدى تلك المزاجات في حالة نقص أو فرط، بالتالي كان العلاج عبارة عن طريقة متوازنة تتألف بشكل مختلف من النزيف والتطهير وزيادة إنتاج الجسم للبول بالقوة من بين الحيل السائلة الأخرى. وعلى رغم هذه العلاجات التي تعكس غالباً عبارة "إن العلاج أسوأ من المرض"، كانت نظرية المزاجات الأربعة دعامة أساسية للاعتقاد الطبي على مدى 2000 عام. واليوم، يبدو أن نسخة متحورة باتت منتشرة في أوساط كتيبة العافية مترافقة مع مكملات غذائية باهظة الثمن ووجبات غذائية خارقة توصف بأنها أدوات توازن ضرورية.
ولإحلال الحق حيث يجب، صحيح أن بوسع الهرمونات أن تتسبب في الفوضى في جسمك ومزاجك كما يحصل مع أي أحد في الدورة الشهرية أو يدخل سن البلوغ أو انقطاع الطمث (سن اليأس) أو يخضع للعلاج الهرموني. بالطبع، تعتبر خبيرة الصحة الحميمة الدكتورة شيرين لاخاني بأن "الهرمونات تعمل معاً في الجسم كالأوركسترا وبوسع أي خلل في التوازن يصيب إحداها أن يؤثر على الأخرى". ويمكن أن "يتسبب هذا في مجموعة واسعة من العوارض"، بحسب قولها، "وقد يعاني عديد من الأشخاص من دون أن يدركوا بأن العوارض التي يشعرون بها ناجمة عن مسألة هرمونية"، ولكن يبقى السؤال، هل يمكن للهرمونات المستهدفة من خلال جماعة "لقد غيرت حياتي كلها عبر النظام الغذائي النيء (Raw Diet) والصيام المتقطع (intermittent fasting) أن تعيث هذا النوع من الخراب الذي يدعونه؟ وهل يمكن علاجها بالطرق التي يعتمدونها؟
ويشكل "خلل الكورتيزول" أكثر الاضطرابات الهرمونية شعبية التي يتم تشخيصه عبر الإنترنت حالياً. يتم إنتاج الكورتيزول في الغدد الكظرية الواقعة في أعلى الكليتين. ويعرف بشكل عام باسم "هرمون التوتر" لأنه يساعد على تنظيم استجابة الجسم للتوتر، كما أنه يخفف من الالتهاب وينظم ضغط الدم ويتحكم بدورة النوم والاستيقاط لديكم ويتولى كيفية استهلاك الجسم للكربوهيدرات والدهون والبروتينات، بالتالي فإن القفز إلى إلقاء اللوم على الكورتيزول في تسببه باضطراب النوم والإرهاق وكسب الوزن يبدو أمراً منطقياً لا؟ ولكن تكمن المشكلة في أن الدليل العلمي لا يدعم هذه النظرية فعلاً. وغالباً، عندما يتم التطرق إلى "اختلال التوازن في الكورتيزول" على "إنستغرام" و"تيك توك" في أيامنا الحالية، يربط الأمر بحالة خلافية تعرف باسم "التعب الكظري". نقول "خلافية" بمعنى أنها ليست واقعية... ولكن، ما هو حقيقي بشكل لا يقبل الشك هو قصور الغدة القظرية أو الإنتاج غير الملائم لواحد أو أكثر من الهرمونات التي تنتجها الغدد الكظرية. بوسع هذا الأمر أن يسبب آلاماً وتعباً وخسارة وزن غير مبررة وانخفاض ضغط الدم والإصابة بالدوار. مع ذلك، يعتبر القصور في الغدة القظرية نتيجة مرض ضمني أو إجراء جراحي ويمكن تشخيصه بشكل أساسي عبر فحوصات الدم التي تظهر مستويات غير ملائمة من الهرمونات الكظرية. وتزعم نظرية التعب الكظري غير المثبتة بأن الغدد الكظرية في جسمكم غير قادرة على التأقلم مع وتيرة متطلبات الإرهاق المزمن، بالتالي "تتلاشى". يقترح مؤيدو هذه النظرية بأن فحوصات الدم الموجودة حالياً ليست دقيقة بما يكفي لرصد هذه التغيرات في الوظيفة الكظرية، ولكن من المفترض أن جسمكم لا يرصدها وحسب، بل يبدأ بالتفاعل بغرابة بسببها.
ينكر غالبية الأطباء وجود التعب الكظري. وتشدد عيادة "مايو كلينيك" (Mayo Clinic) على أن "التعب الكظري ليس تشخيصاً طبياً مقبولاً"، بل هو "مصطلح طبق على مجموعة من العوارض غير المحددة كآلام الجسم والإرهاق والتوتر واضطرابات النوم والمشكلات الهضمية"، مع ذلك، يعلن خبراء العافية في جميع المناطق أنه، بعيداً من نظرية غير مثبتة، فإن التعب الكظري و"اختلالات" الكورتيزول المرتبطة به، هي من الأمور المتفشية. وفي هذا السياق، شبه "ممارس الطب الوظيفي" المفضل لدى علامة "غوب" (Goop) الدكتور أليخاندرو جونغر التعب الكظري بـ"الوباء". فعندما يتعلق الأمر بالهرمونات، كيف نفصل الواقع عن الخيال؟ وهل إن هؤلاء "الخبراء" على الإنترنت على دراية بشيء ما كان المجتمع الطبي الراسخ بطيئاً في إدراكه؟ أو إن الأمر برمته عبارة عن خليط من العلم والعلوم الزائفة وترويج المؤثرين لمنتجات "غوب"؟ وهل تشكل اضطرابات الهرمونات موضة الإنترنت التالية على غرار اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)؟
وتقول الدكتورة لاخاني إن "هنالك عديداً من العوارض التي تدل على خلل في الهرمونات كزيادة الوزن والإحباط أو التقلبات المزاجية ومشكلات في النوم والتعب وفقدان الشهوة الجنسية، وسواها، ولكن تلقي كثيراً من المعلومات المنتشرة على الإنترنت اللوم على توازن الهرمونات في حين أنه يمكن لمشكلات صحية أخرى أن تكون مسؤولة عن ذلك"، بينما تؤثر الهرمونات في طريقة عمل جسمك، فهذا لا يعني أن كل مشكلة يعانيها الجسم مردها إلى الهرمونات. إن لم يكن الخلل الهرموني هو السبب وراء ليالي الأرق والتغيرات في الشهية، تقول الدكتورة لاخاني أن اتباع نصائح مواقع التواصل الاجتماعي ليس إلا "مضيعة للوقت وقد يكون مضراً في الواقع". وتضيف، "لا أنصح اتباع العلاجات الهرمونية المنزلية. إن أفضل طريقة تتبعونها هي رؤية طبيبكم".
الدكتور غاريث ناي هو كبير المحاضرين في كلية شيستر الطبية ومتخصص في صحة الأم والجنين ومدير قسم الغدد الصماء في الجمعية الفسيولوجية. وعلى غرار الدكتورة لاخاني، يشدد هو أيضاً على أن "الهرمونات لا تعمل بشكل منعزل، وهي جزء من شبكة ضخمة"، مما يمكن أن يعني بأنه "عندما يكون أحد الجوانب غير سليم تماماً، نشعر بأعراض لا ترتبط بالضرورة به للوهلة الأولى". واعتبر أن السبب الحقيقي لكون نظام الغدد لدينا، أي الجزء من الجسم المرتبط بالهرمونات، غير مفهوم بشكل جيد وضعيف أمام حملات التضليل هو "لأنه من الصعب مراقبته أو رصده لدى الأشخاص". ويشير الدكتور ناي إلى أن الكورتيزول على سبيل المثال، "يرتفع وينخفض طبيعياً خلال فترة 24 ساعة مع تبدل حاجات الجسم. سيحظى كل شخص بنمط فردي، وهذا ما هو معتاد جسمه عليه". تبرز الصعوبات من القدرة على تتبع هذه الدورة بشكل فعال. فحتى لدى الأفراد الذين يتمتعون بصحة جيدة نسبياً، يمكن لكمية الكورتيزول التي تظهر في عينات الدم أن تختلف بشكل ملحوظ ويمكن الاستمرار في اعتبارها نسباً طبيعية بالكامل.
ويتابع الدكتور ناي، "إن أي شخص يسعى إلى فحص مستويات الهرمون يجب أن يفحص لذلك على الأقل 4 مرات يومياً على مدى عدة أسابيع لقياس دورتها. ويعد القيام بتشخيص بعد مرور فترة أقل من ذلك غير صالح من الناحية الطبية". كما أنه يذهب أبعد من ذلك مضيفاً أنه نظراً إلى عدم وجود دراسات طويلة الأمد لتتبع الأنماط اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية لهذا الهرمون أو كيف بوسعه أن يتغير خلال حياة الشخص، "لا يمكننا القول بالتأكيد إذا ما كان الخلل في الكورتيزول ظاهرة حقيقية". يبدو واضحاً أن العوارض التي يذكرها المؤثرون في نظرية اختراق الهرمون كدليل على الخلل الهرموني، بوسعها في الواقع أن تنبع من عديد من عوامل أساليب الحياة العصرية. وكما يشير الدكتور ناي، يمكن أن تنسب إلى "أنماط العمل وأوقات الطعام ووقت الجلوس المتزايد أمام الشاشة". في هذه الحالة، سيكون لكل ما يخفف هذه الآثار نتيجة مفيدة، إذ قد يجعلك تناول سلطة الجزر النيئ المنزلية الصنع على الغداء والذهاب في نزهة يومياً تشعر بحال أفضل من تناول وجبة "بريت" (Pret) جاهزة بنهم شديد على مكتبك فيما تجيب بشكل جنوني على الرسائل الإلكترونية، ولكن هذا لا يعني بأن نصيحة اختراق الهرمونات هي أمر خالٍ من الضرر. تماماً مثل الدكتورة لاخاني، يشدد الدكتور ناي على أن العوارض التي يشيرون إليها "بوسعها أن تكون أيضاً مؤشراً إلى حالات طبية كامنة تتعلق بحالات الصحة العقلية وأمراض فقر الدم ومشكلات في الغدة الدرقية والسمنة الزائدة". ويمكن لتشخيص هذه المسائل على أنها اضطرابات هرمونية عوضاً عن استشارة الطبيب المتخصص أن يؤدي إلى زيادة الحالة سوءاً. ويقول الدكتور ناي، "من المقلق أنه عندما يختبر شخص تغيراً في جسمه يلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي للمساعدة والمشورة بدلاً من الذهاب إلى خبراء الرعاية الصحية". في نهاية المطاف هذا ما يجعل محتوى اختراق الهرمون منتشراً حالياً على الإنترنت بشكل مؤذٍ وضار. ومن أحد الأمور المركزية في عقائد العافية المعاصرة، خيبة الأمل الجماعية بالطب الحديث الذي يرفضه البعض لصالح العناية بالنفس المزعومة والوكالة الفردية عن الجسد. عبر منصات التواصل الاجتماعي، يقوم مؤيدو الصحة البدنية والنفسية بالوعظ كيف أن إلغاء "السموم" من نظامهم الغذائي أو إضافة الأطعمة الخارقة على تلك الأنظمة أدى إلى شفاء حالاتهم المزمنة التي زعموا بأن الخبراء الطبيين تجاهلوها أو فشلوا في معالجتها. بالتأكيد، بوسع الطب البديل أن يسلك طريقاً طويلاً ويذهب بعيداً، ولكن المشكلة هي أنه على غرار نزف الدم القديم، تدركون أحياناً أن "العلاج" منفصل عن المرض عندما يكون الأوان قد فات.
© The Independent