أثارت كلمة "الخليج العربي" جدلاً كبيراً لدى الأوساط الإيرانية، بخاصة مع احتضان العراق أشقاءه في دول الخليج على أرضه وبين جماهيره بعد غياب طويل دام أكثر من 40 عاماً. ووسط فرحة العراقيين بالعرب الخليجيين، يسود الغضب لدى الجارة إيران، بعد أن أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يوم الجمعة الماضي انطلاق بطولة كأس "الخليج العربية 25" من ملعب البصرة الدولي وسط حضور رسمي وجماهيري غفير.
وكان الزعيم الصدري مقتدى الصدر الذي أعلن في وقت سابق اعتزاله العمل السياسي، قد كتب على حسابه الشخصي على "تويتر"، "باسمه تعالى، ضيوفنا العرب الأكارم، من دول (الخليج العربي) مرحباً بكم".
وتابع: "أهلاً وسهلاً بالعرب في عراق الأولياء الصالحين. أهلاً بكم في بصرتكم الغراء... فيا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل"، متابعاً "على الجميع مراعاة ذلك، فالعراقيون أهل ضيافة وكرم".
وأكمل: "كما أشير إلى وجوب تجنب الصراعات والخلافات والفساد فذلك مضر بسمعة العراق والعراقيين... كما ولا بأس بمراعاة الجمهور في حضورهم للمباريات ولا سيما مباريات المنتخب العراقي بأن يكون إما مجانياً أو بأجور رمزية".
والمستغرب بحسب العراقيين اعتراض البرلمان الإيراني على عبارة "الخليج العربي" في سياق تصريحات بشأن بطولة كأس الخليج بنسختها الـ25 التي تستضيفها البصرة. وقد أثار اعتراض الاتحاد الإيراني لكرة القدم، على تسمية البطولة باسم "الخليج العربي" بدلاً من "الخليج الفارسي"، الجدل لدى العراقيين.
التيار يرد
ورد التيار الصدري، الذي يتزعمه مقتدى الصدر، مساء أمس الأحد، على مطالبة البرلمان الإيراني زعيم التيار بالاعتذار بعد تغريدته بشأن مفردة "الخليج العربي".
وقال القيادي في التيار عصام حسين في تصريح صحافي، إن "عملية المطالبة بالاعتذار تتم من ناحية الإساءة، أي هناك شخص أساء لدولة فتكون هناك مطالبة بالاعتذار عن هذه الإساءة"، مبيناً أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر "يغرد بما يخص بطولة الخليج والتغريدة تخلو من أية إساءة، ولم يغرد بما يخص الخرائط الدولية أو التسميات بشأن البحار وغيرها من القضايا الدولية، وهو قد قال الخليج العربي، فكل البلدان المشاركة بهذه البطولة هم عرب فقط".
وأكد حسين في تصريح له أن "مطالبة البرلمان الإيراني بالاعتذار من الصدر، هو بسبب الانزعاج الإيراني من تقارب العراق نحو المحيط العربي من خلال بطولة الخليج، خصوصاً أن كرة القدم ربما تنقل لاحقاً إلى اقتصاد وسياسة وغيرها من القضايا، وهذا الأمر أزعج إيران، فهي تخشى على نفوذها وعملها السياسي والتجاري في العراق، بسبب التقارب مع المحيط العربي، ولهذا فقد وجدت تغريدة الصدر حجة لشن هذه الحملة لإبعاد العراق عن محيطه العربي".
جزء من الأمة العربية
في المقابل وصف الباحث السياسي صالح لفتة تصريح رئيس الوزراء العراقي وزعيم التيار الصدري حول تسمية "الخليج العربي" طبيعية، وتأتي من كونهما عراقيين وجزءاً من الأمة العربية التي تطلق تسمية الخليج العربي منذ عقود على المسطح المائي الذي تتشاطأ على جانبيه عدد من الدول العربية وإيران، ويجب ألا تحملها الجهات الحكومية والرسمية الإيرانية أكثر من حجمها وتخرجها عن سياقها وتفتعل أزمة بين دول المنطقة.
ويرى لفتة أنه من حق إيران أن تسمي الخليج ما تشاء ومن حقنا كعراقيين وكعرب أن نطلق التسمية التي نريد، وعلى إيران ألا تتعامل معنا إلا ضمن البروتوكولات العامة والند بالند، فالعراق دولة مستقلة لا يجب أن يقبل أي إملاءات من أية جهة.
ورأى أن البحث في التاريخ وتحريك جروح الماضي وما حدث بين البلدين من حرب طويلة تضرر بها البلدان، لن تجلب الهدوء للدولتين ولن تغير الحقائق ولن تحل الأزمات، بل ستؤثر في العلاقات بين الشعبين نحو الأسوأ، لا سيما وأن إيران تصر على أن التسمية قديمة ومنذ سالف العصور والدهور.
وأعلن أن الشعب العراقي فرح ببطولة كأس الخليج العربي التي تقام للمرة الأولى في العراق منذ أكثر من 30 سنة، واعتبر أن من يحب العراق ويتمنى له الخير عليه ألا يطلق أي تصريح أو تهديد يؤثر في البطولة ويخرجها من المنافسة في الملاعب إلى صراع سياسي وتصريحات متشنجة، بحسب لفتة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نزاع التسمية
وفي السياق أكد الكاتب علاء اللامي في منشور على "فيسبوك"، النجاح الكبير لاحتفالية افتتاح دورة الخليج العربي الـ25 في العاصمة الاقتصادية العراقية البصرة، مؤكداً أنه كان لأهل البصرة دور حاسم في تحقيق عديد من ردود الأفعال الإيجابية.
غير أن أغرب رد فعل جاء من جانب الاتحاد الإيراني لكرة القدم الذي انتقد رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني إنفانتينو، بسبب تسمية "كأس الخليج العربي" في تغريدة ترحيبية بافتتاح البطولة. وأكمل "لا ندري ما الذي جعل مؤسسة رياضية إيرانية تهتم بموضوع جغرافي وتاريخي كهذا، ولماذا سكتت طوال أكثر من نصف قرن على بدء هذه البطولة (أقيمت دورتها الأولى سنة 1970) فهل كان ذلك لأن من أدلى بهذا التصريح هو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، أم لأن البطولة أقيمت بنجاح في البصرة الفيحاء؟ عموماً لسنا معنيين بأسباب الاتحاد الكروي الإيراني، فهذا شيء يخصه، لكننا معنيين بتوضيح بعض الحقائق التاريخية التي تضيع في خضم غبار الحماس القومي الإيراني. وعلى ذلك أود هنا التذكير بمادة حول تاريخ وخلفيات الخلاف على تسمية الخليج العربي كنت قد نشرتها في مناسبة سابقة. أدرج منها هذه الفقرات":
* إن أقدم اسم معروف للخليج هو اسم "بحر أرض الإله" ولغاية الألف الثالث قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه "بحر الشروق الكبير" حتى الألف الثاني قبل الميلاد. وسمي "بحر بلاد الكلدان" في الألف الأول قبل الميلاد. ثم أصبح اسمه "بحر الجنوب" خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد.
وقد سماه الآشوريون والبابليون والأكديون: "البحر الجنوبي" أو "البحر السفلي"، ويقابله البحر العلوي وهو البحر الأبيض المتوسط. كما أطلق عليه اسم "نارمرتو" (أي البحر المر) من قبل الآشوريين.
* سماه الفرس "بحر فارس". وقيل إن التسمية عرفت في أول الأمر من قبل الملك الفارسي داريوش الأول (521-486 ق.م) في كلامه "على البحر الذي يربط بين مصر وبلاد فارس". والراجح أن الإسكندر الأكبر هو أول من أطلق تلك التسمية بعد رحلة موفده أمير البحر نياركوس عام 326 ق. م إلى الهند.
* وممن أطلق تلك تسمية "الخليج العربي" المؤرخ الروماني بليني بلينيوس الأصغر في القرن الأول للميلاد. قال بليني: "خاراكس (المحمرة) مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي".
*سماه العرب "خليج البصرة" أو "خليج عمان" أو "خليج البحرين" أو "خليج القطيف" و"بحر القطيف" لأن هذه المدن الثلاث كانت تتخذه منطلقاً للسفن التي تشق ماءه وتسيطر على مياهه. ويعود اسم "بحر البصرة" إلى فترة الفتح الإسلامي في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وظل هذا الاسم متداولاً حتى العصر العثماني الذي ترجمه إلى "بصرة كورفيزي / الصورة".
* وإن كان اسم "بحر فارس" شائعاً كذلك في العصر الإسلامي، بخاصة بين المسلمين الفرس. حتى أن بعضهم قد يستعمل الاسمين معاً في الصفحة نفسها. كما سماه بعض العرب أثناء الخلافة العباسية "خليج العراق".
* تأخذ الأمم المتحدة باسم "الخليج الفارسي" أما في وثائقها باللغة العربية فتستعمل اسم "الخليج العربي".
وبحسب اللامي، "نفهم من ذلك أن الأسماء لصيقة بالظروف التاريخية التي ولدت ونشأت وتكرست ثم زالت أو تم تحريفها أو تغييرها جذرياً واستبدالها فيها. ولكن السلطات الإيرانية في عصرنا تريد استثمار التسميات التاريخية المناسبة لعصبيتها القومية التي وجدت في عصر احتلال الفرس لبلاد الرافدين، وتشاركها في ذلك قوى عالمية، وإذا كان ذلك من حق الفرس فمن حق العرب في المقابل أن يسموا الخليج بالخليج العربي ولهم أسبابهم القوية"، ومنها:
* اسم "الخليج العربي" تاريخي وقديم، وهو مبرر باعتبار أن ثلثي سواحل الخليج تقع في بلدان عربية، بينما تطل إيران على حوالى الثلث.
* حتى السواحل الإيرانية تقطنها قبائل عربية سواء في الشمال (إقليم الأحواز) أو في الشمال الشرقي في عديد من مدن إقليم بوشهر، مثل بوشهر وعسلوية وبندر كنغان أو في الشرق في بندر لنجة وبندر عباس.
* العرب يشكلون سكان أهم جزيرتين مسكونتين في الخليج العربي وهما جزيرة البحرين وجزيرة قشم، إضافة إلى أن العرب يشكلون السكان الأصليين لجميع الجزر المأهولة في الخليج العربي قبل ظهور النفط، بالتالي فمن الأولى تسمية الخليج وفق الشعب الذي يسكن جزره وسواحله.
* تبين خريطة القوميات الإيرانية أن جميع سواحل الخليج العربي الجنوبية والغربية تخلو من الفرس.
* منذ عام 1935 م، لم تعد تسمية فارس و"بلاد فارس" موجودة سوى في السجلات التاريخية، بعدما أصدر الشاه الإيراني رضا شاه بهلوي مرسوماً قضى بتغيير اسم بلاده إلى "إيران".
* الفرس لم يكونوا يركبون البحر، حتى في عهد إمبراطوريتهم الواسعة. وإذا ما أنشأوا في الخليج أسطولاً، كان بحارته من غير الفرس. يقول صلاح العقاد: "أما الساحل الشمالي الشرقي الذي يكون الآن الساحل الإيراني، فيمتد على طوله نحو 2000 كيلومتر: سلسلة عالية من الجبال الصعبة المنافذ إلى الداخل، مما عزل سكان بلاد فارس والسلطة المركزية فيها عن حياة البحر. ولقد اشتهر الفرس منذ غابر الزمن بخوفهم من حياة البحار، حتى قال بعض مؤرخي العرب: ليس من الخليج شيء فارسي إلا اسمه".
لكن الإيرانيين المعاصرين، بحسب اللامي، يصرون على احتكار التسمية القومية الخاصة بهم، وهي كانت شائعة نسبياً حتى لدى البلدانيين العرب "علماء الجغرافيا" في فترة معينة خلال العهد الإسلامي وليس قبله، وأحياناً كانوا يسمونه "بحر العجم" و"بحر البصرة" في الوقت نفسه.
وشدد على أن "السلطات الإيرانية أثبتت أنها لا تقل تعصباً قومياً على رغم شعاراتها ومسمياتها الإسلامية من النظام الملكي الشاهنشاهي السابق لها في الدفاع عن اسم (الخليج الفارسي)، وتحاول فرض اسم (الخليج الفارسي) بطريقة قمعية وتعاقب كل من يستعمل تسمية أخرى. وضمن هذه النزعة القومية المتشددة فقد غيرت إيران اسم "شط العرب" العراقي في جميع المصادر والخرائط العالمية إلى تسمية فارسية هي (أرود رود)، ولم نسمع بأي احتجاج من السلطات العراقية عن ذلك.
وتابع "فإذا كان من الصحيح القول عدم ضرورة وصحة الرد على التعصب القومي الفارسي في إيران اليوم بتعصب قومي عروبي مضاد حول هذا الموضوع، فإن من الصحيح أيضاً عدم التنازل عن الثوابت التاريخية والجغرافية خصوصاً وأن إيران تريد فرض رأيها الرسمي على الآخرين وترفض أي حوار مع جيرانها العرب".
ويعتقد اللامي أنه "من حقنا كعرب وعراقيين أن نسمي هذا الخليج باسم (الخليج العربي)، وليسموا هم الخليج بالاسم الذي يريدون، بشرط عدم فرضه على الآخرين في العالم، أو أن يتم الاتفاق عبر الأمم المتحدة على استعمال الاسم المزدوج "الخليج العربي -الفارسي" من قبل الجميع، فلا مكان في عصرنا للهيمنة وفرض التعصب القومي من أي طرف كان على شعوب المنطقة".
واعتبر أن "السلطات الإيرانية الرسمية التي تتهم كل جهة تستعمل اسم (الخليج العربي) بأنه صهيوني أو يميل للصهيونية، تتغافل عن أن الكيان الصهيوني هو الدولة الوحيدة في المنطقة التي تستعمل اسم (الخليج الفارسي) فقط ولم تستعمل اسم (الخليج العربي) قط".
دليل على استقراره
في الأثناء أكد النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي محسن المندلاوي، أن احتضانه بطولة خليجي 25 دليل على استقراره. جاء ذلك في كلمة العراق التي ألقاها رئيس الوفد النيابي محسن المندلاوي النائب الأول لرئيس مجلس النواب، خلال مشاركته في الاجتماع العام الـ13 للجمعية البرلمانية الآسيوية، الذي يقام في ولاية أنطاليا بتركيا للفترة من (8 إلى 10 يناير 2023).
وأضاف أن العراق استطاع التغلب على مشكلاته الأمنية وأصبح اليوم أقوى بعد انتصاره على الإرهاب، وأخيراً نجح في استضافة بطولة خليجي 25 بعد أكثر من 42 سنة عن تنظيم آخر بطولة في البلاد. واعتبر أن هذا دليل على حال الاستقرار التي يمر بها، وهو يتطلع إلى التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة للنهوض بواقعه على المستويات كافة، ولا سيما في مجالات التنمية والاقتصاد.