"مكياجك مأسوي. أمنحك أربعة من عشرة". "شعرك فظيع، أربعة من عشرة مع المكياج وربما خمسة من عشرة من دونه". "لست متأكداً لماذا تعتقد النساء أن أحمر الشفاه هذا يبدو جميلاً". "بالله عليكم ما هذان الحاجبان؟ أربعة ونصف من أصل عشرة". "ابتسمي!".
هذه نماذج من النصائح البناءة المقدمة على موقع "ريدت" Reddit، وهو منصة وسائط اجتماعية قائمة على المناقشة، حيث أسعى (عن طيب خاطر) لمعرفة آراء الغرباء بمظهري. أنا مشتركة في صفحة فرعية من الموقع تحمل اسم "قيمني" وتضم أكثر من 200 ألف عضو.
هنا، ينشر أشخاص بالغون أفضل صور السيلفي التي التقطوها لأنفسهم فيقيم مستخدمو الموقع مظهرهم بلا رحمة ويعطونه درجات تراوح بين واحد وعشرة. بينما كانت بعض التعليقات الآتية من مستخدمين لم يضعوا صورة لهم في ملفهم الشخصي ممتعة أكثر من غيرهم، إلا أن علي الاعتراف بأن بعض التعليقات كانت مؤلمة، الخلاصة التي حصلت عليها من تعريض مظهري لانتقاد الحشود هو أنني مقبولة، لست مروعة تماماً. وفقاً لمقياس الجمال الذي يعتبر حصول المرء على نقطة واحدة أنه قبيح بشكل قاتم وعشر نقاط أنه مثير جداً، تبين أن جمالي يقف عند أربع نقاط.
هذا المنتدى هو مجرد مثال واحد على هوسنا بالتصنيف الذي يمنحه أشخاص غرباء تماماً على الإنترنت لجاذبيتنا. هناك مجموعة كبيرة من المواقع الإلكترونية مخصصة لهذا النشاط بالذات، ولو بحثتم في متجر تطبيقات الهواتف الذكية ستجدون تطبيقات تؤدي وظيفة مماثلة. أنشأ الناس منتديات "قيمني" على موقع الأسئلة والأجوبة الشهير "كورا" Quora.
شاهدوا برنامج تلفزيون الواقع "جزيرة الحب" Love Island وستسمعون عديداً من المتسابقين ينادون بعضهم بعضاً بـ"عشرة من عشرة". تستخدم التغريدات المنتشرة على نطاق واسع أسلوب التصنيف هذا للسخرية من صلاحية الأشخاص للمواعدة الغرامية، مثل: "إنها عشرة من عشرة لكنها تفك أزرار سروالها عندما تأكل". وكذلك على منصة "تيك توك"، يصنع المراهقون مقاطع فيديو يصنفون فيها مظهر زملائهم في الفصول الدراسية من أصل عشرة بشكل قاس. بات التقييم موجوداً في كل مكان.
لكن وجود مثل هذا الاتجاه يتطلب طرفين. أخبرتني عالمة النفس وخبيرة الجنس والعلاقات نيكي ديفيس - فينبلوم أن الأشخاص الذين يطلبون تصنيفهم طواعية - مثلي - يبحثون عن التأكيد. تشرح قائلة، "الحاجة إلى أن يرانا الآخرون بطريقة معينة هي تجربة إنسانية عالمية... لدينا جميعاً رغبة فطرية في الانتماء إلى أقراننا وتقبلهم لنا، والسعي وراء التأكيد من خلال تصور الآخرين هو إحدى الطرق التي نحاول بها تلبية هذه الحاجة".
في كثير من الأحيان، يعرض الأشخاص أنفسهم للتقييم كطريقة لمحاولة معرفة موقعهم على مقياس معايير الجمال المجتمعية. ومع ذلك، يضع هذا المقيمين في مكان يسمح لهم بتوجيه الشتائم والقسوة تحت ستار الصدق الذي لا يتطلب الاعتذار. يمكن إرجاع أصول صفحات "قيمني" إلى مطلع الألفية وإنشاء الموقع الذي اختفى الآن "جذاب أم لا" Hot or Not، حيث كان المستخدمون قادرين على تقييم جاذبية الآخرين من واحد إلى عشرة. كان للموقع تأثير مهم على مارك زوكربيرغ، ففي تصوره الأول لـ "فيسبوك" الذي كان يحمل اسم فيس ماش FaceMash، كانت صور زملائه في جامعة هارفارد توضع جنباً إلى جنب حتى يتمكن الآخرون من الحكم من صاحب المظهر الأفضل. كان "جذاب أم لا" المرة الأولى التي يرى فيها ملايين الأشخاص انعكاساً لأنفسهم في مرآة رقمية. وعند التحديق في ذلك الانعكاس كانوا يجدون في كثير من الأحيان آراء الإنترنت القاسية بمظهرهم. كانت أيضاً المرة الأولى التي يمكن فيها للناس الإساءة علناً لأشخاص غرباء على نطاق عالمي من دون أي تداعيات حقيقية. انتشرت روح هذا الموقع بسرعة في بدايات وسائل التواصل الاجتماعي.
تتذكر إيلي، وهي مسؤولة مشاريع تبلغ من العمر 24 سنة، أنها كانت تقضي أمسياتها المبهجة بعد المدرسة وهي تشارك في تحديات "إعجاب مقابل تقييم" على "فيسبوك". عند كتابة "نقرة إعجاب (لايك) مقابل تقييم" على "فيسبوك" في خانة (توصيف حالتك) سيعطيك كل شخص أعجب بالمنشور تقييماً من أصل عشرة. تقول إيلي، "لقد كانت تجربة قاسية للغاية... شديدة السمية حرفياً". إنها تتذكر قضاء ساعات على الإنترنت وهي تخضع لحكم بالأرقام من قبل زملائها في الفصل. أوضحت أن التجربة أظهرت أسوأ الصفات في الناس وباتت الصداقات في حال يرثى لها وكشفت عن حالات الإعجاب غير المصرح بها. تتذكر أنها كانت معجبة بصبي التحق بمدرسة مجاورة، وأنها علقت آمالها في علاقتهما الرومانسية المستقبلية بناء على المكتوب على صفحته "فيسبوك" في خانة (توصيف حالتك). تضحك قائلة، "كنت أقيم نفسي بناء على التصنيف الذي أعطاني إياه... إذا أعطاني أقل من سبعة، فسأشعر أنني مدمرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تتذكر صوفي، البالغة من العمر 23 سنة، شعورها بالتحطم بسبب التقييمات الأكثر قسوة. مثلها مثل إيلي، شاركت في ظاهرة "قيمني" على "فيسبوك" عندما كانت في الـ12 من عمرها تقريباً. كانت صوفي "تضع علامة" حول الأشرار الذين أعطوها تصنيفاً سيئاً. وعندما يحين الوقت لرد الجميل "أعطيهم تقييماً سيئاً أيضاً مدفوعة بالغيظ على ما أعتقد". وتقول إنها لا تزال محتارة من السهولة التي أهان بها هي وزملاؤها بعضهم بعضاً في منتدى عام. متابعة، "أعتقد أننا جميعاً أردنا أن نكون على الإنترنت، لذلك تظاهرنا بأننا أكبر سناً، الأمر الذي تركنا كجيل برمته في وضع ضعيف... لا أعرف من أعطى أي شخص الجرأة للقيام بذلك ولماذا لم يتوقف أحد عن فعله عاجلاً".
بينما تقول كل من صوفي وإيلي إنهما لم تصابا بأذى من المحنة برمتها، إذ كانت بالنسبة إليهما تجربة صادمة أكثر من كونها مدمرة نفسياً، تحذر عالمة النفس الدكتورة ليزا سترومان من أن الأطفال قادرون على "الكبت داخلاً" هذا النوع من النقد، لكنه يمكن أن يؤثر فيهم لفترة طويلة في سن الكبر. وتقول لي، "يمكن لردود الفعل السلبية أن تجعل الشخص يشعر بالخجل أو القلق أو الاكتئاب، ويمكن أن تؤدي إلى أنماط التفكير السلبية والشك في الذات". وتضيف أن الشباب يعانون بالفعل عدم الاستقرار فيما يكبرون، لذا فإن التقييم السلبي يمكن أن يحطم الثقة بالنفس لدى الشاب.
أحد الأمثلة على ثقافة التصنيف في أكثر حالاتها قساوة جرت تناولها في فيلم المراهقين "فرصة واحدة، صفعات وقبلات حارة مثالية" Angus, Thongs and Perfect Snogging الصادر عام 2008، حيث نرى فيه البطلة جورجيا (لعبت دورها الممثلة جورجا غروم) تصاب بالصدمة عندما تحصل على تقييم سيئ من إحدى أعز صديقاتها عندما كن يقضين ليلة سوية. خلال هذه اللعبة مع صديقاتها التي تشمل قيامهن بتقييم أجسادهن، كل جزء على حدة، من أصل عشرة، يحصل أنف جورجا على ست نقاط. تقول إحدى الصديقات وتدعى جاس إن هناك مبرراً للعبة، "علينا معرفة أنفسنا كي نعرف كيف يرانا الصبيان".
على رغم أن جاس قد تبدو كمراهقة ساذجة، إلا أن هناك بعض المغزى في كلامها. لم تكن جورجا وصديقاتها يصنفن بعضهن بعضاً بهدف المرح أو لأنها طريقة مسلية لتزجية الوقت. بدلاً من ذلك، كان الهدف استباق آراء الرجال المحتملة فيهن والحكم على أنفسهن بناء على معيار جمال محدد معاد للنساء.
تقول لي ديفيس فينبلوم، "ليس سراً أن المجتمع لطالما ركز بشدة على المظهر الجسدي، وبخاصة بالنسبة إلى النساء... يمكن أن يؤدي ذلك إلى ثقافة التبسيط والسطحية، إذ يحكم على الأشخاص والنساء تحديداً، وتقييمهم بناء على مظهرهم".
هناك نقاش شائع على صفحة "قيمني" على موقع "ريدت"، وكذلك على صفحات أخرى مماثلة، مفاده بأن النساء غالباً ما يتلقين انتقادات شديدة، من قبل الرجال والنساء على حد سواء. عادة ما تكون تجربة الرجال أخف وطأة. في منتدى "ريدت"، يتعرض مظهر النساء للتدقيق الشديد، بينما تتم مراعاة الرجال غالباً. يعلق أحد الأشخاص على صورة مستخدم ذكر، "ربما من الأفضل أن تحلق لحيتك يا صاحبي... تبدو في صحة جيدة، أحسنت".
ليس هذا مفاجئاً بالنظر إلى تاريخ المنصة نفسها: يعرف موقع "ريدت" بكونه أرضاً خصبة لثقافة "العزوبية القهرية"، أو الرجال الذين يدعون أنهم "عازبون رغماً عنهم" ومحرومون من الجنس الذي يعتقدون أنهم يستحقون الحصول عليه. كانت لدى الموقع أيضاً علاقة مبهمة مع جماعات معادية للنساء في الماضي. في حين أن عديداً من مستخدميه مجهولون، فمن المرجح أن الرجال يستخدمون "ريدت" مرتين أكثر من النساء، وفقاً لمركز بيو للأبحاث Pew Research Centre.
أخبرني سام وهو مستخدم في "ريدت" يقر بنشر صوره في صفحة "قيمني" أن المعايير المزدوجة للتعاطي مع الرجال والنساء على الموقع واضحة بشكل صارخ. يقول، "إنه فضاء يهيمن عليه الذكور... إذا كنت امرأة تفخر بمظهرها، فستهاجمين بشدة".
بالنسبة إلى التعييب الذي تعرضت إليه، فقد تصالحت مع نتيجة أربعة من أصل عشرة التي حصلت عليها. لكن ما لا يبدو جيداً مع ذلك، هو مدى الارتياح الذين نشعر به عند التعامل على الإنترنت مع أشخاص لن نلتقي بهم أبداً في الواقع. في عالم مليء بمجهولي الهوية حيث قد تكون عاقبة أسوأ تعليق مؤذ على الإنترنت الحظر من أحد المواقع (بشكل موقت على الأرجح)، يبدو أنه لا توجد حدود لقسوة صدقنا. لكن ربما يكون هذا تحديداً مصدر جاذبية هذا العالم.
© The Independent