بعد دخول مساجين في إضراب عن الطعام، عاد ملف السجون التونسية إلى واجهة اهتمامات الحقوقيين الذين طالما نادوا بضرورة إصلاحها، في ظل تفاقم ظاهرة الاكتظاظ، حتى إن بعض السجون تفوق طاقة استيعابها نسبة الـ170 في المئة وفق مصادر رسمية، مما أثر في ظروف الإيداع التي وصفها البعض بـ"اللا إنسانية" على رغم سعي السلطات التونسية إلى إيجاد حلول ناجعة.
الوضع خطير
مرصد الحقوق والحريات بتونس أشار إلى تلقيه شكاوى من عائلات أكدوا دخول ذويهم الموقوفين في السجن المدني بالمرناقية بالعاصمة تونس في إضراب مفتوح عن الطعام منذ أسبوعين، احتجاجاً على الظروف التي وصفوها بـ"اللا إنسانية أو التمييزية الممنهجة ضدهم داخل السجن".
وفي بيان له وصف المرصد الوضع بـ"الخطير"، وحسب ما صرح به رئيسه أنور أولاد علي، فإنه "بعد التواصل مع أطراف عديدة ذات صلة، ثم بالزيارة المباشرة للمرصد وعدد من المحامين في الأسبوع الأول من شهر يناير (كانون الثاني) 2023 إلى السجن المذكور رصدنا عديداً من الإخلالات".
في المقابل وعلى أثر ما راج حول حالة المساجين المضربين عن الطعام، أصدرت الهيئة العامة للسجون بياناً اعتبرت فيه ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي حول ما يحدث في السجون من اضطرابات لا أساس له من الصحة ووصفته بـ"أخبار زائفة عن معطيات مغلوطة".
وبينما طمأنت الهيئة الرأي العام التونسي أن الأوضاع في جميع الوحدات السجنية تسير بالشكل والنسق العاديين ولا صحة لما يشاع على الإطلاق، وأنها ستتخذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لتتبع مروجي هذه الإشاعات، قال رئيس مرصد الحقوق والحريات أنور أولاد علي إن "مجمل مطالب المضربين شرعية وجاءت احتجاجاً على ظروف الإقامة السيئة والاكتظاظ والحرمان من فراش مستقل وانتشار الأمراض المعدية واستمرار الإهمال الطبي ومنع دخول الأدوية ومنعهم من الزيارات العائلية".
كما أشار أولاد علي إلى منع بعض المساجين من حقهم في إقامة الشعائر الدينية، وحرمان غالب الموقوفين من الحق في الاستحمام والمطالعة وممارسة الأنشطة الرياضية أو الثقافية.
ضرورة الإصلاح
ودان المرصد استمرار "سياسة اللامبالاة والإنكار" التي تعتمدها الجهات الرسمية الرافضة للإصلاح، وذكرها بالمبدأ الدستوري الذي ينص على أن "لكل سجين الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامته وأن الدولة تراعي في تنفيذ العقوبات السالبة للحرية مصلحة الأسرة وتعمل على إعادة تأهيل السجين وإدماجه في المجتمع"، مشيراً إلى كونه يبقى نصاً ينتظر التطبيق.
وكشف تقرير الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب في تونس عن أن عدد نزلاء السجون بلغ 23553 سجيناً من بينهم 22895 ذكراً و658 أنثى. كذلك، فإن 81.26 في المئة من السجناء تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشار إلى أن السلطات التونسية تقر بظاهرة الاكتظاظ بالسجون التونسية ومقتنعة بضرورة الإصلاح نظراً إلى الكلفة الباهظة التي تدفعها الدولة جراء امتلاء السجون، إذ تبلغ كلفة السجين يومياً نحو 17 دولاراً.
ولتخفيف العبء عن بعض الوحدات السجنية التي تشهد اكتظاظاً اعتمدت وزارة العدل التونسية حزمة من الإجراءات العاجلة التي من شأنها أن تحد من الزحام وتمكن الأعوان من العمل في ظروف طيبة، علاوة على تحسين ظروف الإيداع، من بينها نقل المساجين من الوحدات المزدحمة إلى أخرى أقل اكتظاظاً، وأيضاً تشتغل الوزارة حالياً على تفعيل "السوار الإلكتروني" من أجل تسريح بعض المساجين لصالح الشأن العام، وذلك وفق بلاغ أصدرته وزارة العدل أخيراً.
احترام مبادئ حقوق الإنسان
في إطار تكريس مبادئ حقوق الإنسان ودعم علاقة التعاون والشراكة بين الوزارة والهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، التقت، وزيرة العدل ليلى جفال برئيس الهيئة فتحي الجراي.
وحسب بلاغ وزارة العدل فإن اللقاء جاء لتجسيد مذكرة التفاهم المبرمة بين الطرفين ويتم بمقتضاها زيارة الوحدات السجنية والإصلاحية، فضلاً عن تعزيز برامج التعاون بين الطرفين وفي إطار تحقيق رؤية وزارة العدل التي تقوم على احترام مبادئ حقوق الإنسان بما في ذلك المودعون وتوفير ظروف إيداع تتماشى مع المعايير الدولية.
كما تم الاتفاق على مزيد من بذل الجهود على حسن إدماج المساجين وإشراكهم في برامج التكوين والتدريب لتهيئتهم إلى مرحلة ما بعد قضاء العقوبة، وإيجاد حلول عملية لتفعيل بدائل الإيقاف والعقوبات البديلة، إلى جانب تطوير سبل وآليات اعتمادها والتعجيل بتفعيل نظام المراقبة الإلكترونية عن بعد بواسطة "السوار الإلكتروني".