"وصول فوج سياحي إلى ليبيا"، خبر يبدو إيجابياً في بلد أنهكه الانفلات الأمني والانقسام السياسي طوال أكثر من عقد، ويعيد الأمل في إحياء المخطط العام للتنمية السياحية 2009 - 2025 الذي أطلقته الدولة الليبية وتوقف عام 2011.
ووصلت إلى ليبيا مع بداية العام مجموعة سائحين من إيطاليا وفرنسا في رحلة استكشافية إلى مدينة غات وجبال أكاكوس، إضافة إلى بقية المناطق الأثرية والسياحية التي تطوق الجنوب، مما شجع الليبيين على الدعوة إلى التوجه نحو الاستثمار في المجال السياحي كنوع من التنويع في موارد الاقتصاد، بخاصة في ظل الاضطرابات التي تتربص دوماً بالمجال النفطي.
وكان عدد من السياح الأوروبيين أجروا أواخر عام 2021 رحلة إلى غدامس في غرب ليبيا المعروفة بـ "لؤلؤة الصحراء"، ووصفها خبراء في المجال السياحي بالمهمة لأنها كسرت حاجز الخوف وغيرت الصورة النمطية التي تشكلت حول الدولة الليبية التي لم تستقبل أية رحلة سياحية دولية منذ انهيار نظام معمر القذافي عام 2011.
السياحة الداخلية
رئيس مكتب السياحة والصناعات التقليدية في غدامس مصعب مالك قال لـ "اندبندنت عربية" إن "الأحداث الأمنية والسياسية التي مرت على الدولة الليبية ضيعت عليها فرصة التربع على عرش السياحة الدولية".
وأضاف مالك أن "البلد شهد خلال الآونة الأخيرة انتشاراً للسياحة الداخلية من طريق وكالات الأسفار الليبية وما تبعها من مهرجانات ولوحات فنية شعبية، جميعها عناصر روجت لانتشارها وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، مما انعكس بطريقة إيجابية على السياحة الخارجية وشجع السياح الأجانب على العودة للسوق السياحة الليبية من جديد".
ودعا مالك إلى "تحييد المجال السياحي عن الخلافات السياسية والأمنية بخاصة أن ليبيا تزخر بمواقع سياحية مصنفة ضمن التراث العالمي، مثل موقع صبراته وآثار لبدة وشحات وغدامس وغيرها من المواقع الأثرية والسياحية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب المسؤول ذاته بـ "ضرورة الانفتاح على الأسواق السياحية للدول المجاورة وعلى رأسها السوق التونسية التي تتمتع بخبرة طويلة في التعامل مع السياح الأجانب وإرسال موظفي السياحي الليبي إلى دورات حول كيفية التعامل مع السائح الأجنبي، لأن الثقافة العامة الليبية لا تزال تحتاج إلى صقل في هذا المجال".
وأشار مالك إلى أن "العالم مقبل على تغيرات مناخية ستلقي بظلالها على المجال السياحي، وفي هذا الصدد وجب على السلطات الليبية أيضاً التنسيق مع تونس لتعزيز التعاون الفني، بخاصة أن تونس سبق واحتضنت الندوة الدولية الأولى حول التغيرات المناخية والسياحية عام 2003".
وطالب المتحدث ذاته بـ "فتح نقاط عبورية برية وبحرية جديدة للسياح من تونس إلى ليبيا"، داعياً إلى "استغلال عودة خط النقل البحري بين البلدين للتعريف بالسياحة الشاطئية الليبية".
التنمية المكانية
من جهته شدد المحلل الاقتصادي وحيد الجبو على أنه "حان الوقت لانفتاح الاقتصاد الليبي على السياحة التي تعتبر عاملاً مساعداً على التنمية المكانية لما تخلقه من فرص عمل، بخاصة في بعض المناطق الجنوبية، مما سينعكس بدوره على التقليل من مستوى النزوح إلى المدن الكبرى".
وأضاف الجبو أن "تدهور القطاع السياحي انعكس سلباً على جودة الحياة في مدن ليبية عدة بخاصة في مدينة غات جنوب البلاد، باعتبار أن سكانها كانوا يعيشون على عائدات السياح الأجانب، فهذه المدينة معروفة بصناعة الجلود وبجبال أكاكوس التي تعد متحفاً مفتوحاً في الهواء الطلق".
وتابع المحلل الاقتصادي أن "النشاط السياحي يعد قيمة مالية مهمة مضافة للاقتصاد الوطني، لما يلعبه من دور في خلق فرص العمل ومحاربة البطالة والتسويق لصورة ليبيا في الخارج من خلال المنتجات الوطنية والصناعات التقليدية".
وأشار الجبو إلى أن "الأزمة الأمنية والانقسام بين القوى السياسية فوتا على ليبيا التربع على عرش السياحة الشاطئية والصحراوية، داعياً إلى إعادة تفعيل الأنشطة الشتوية والصيفية وتسهيل حصول الأجانب على تأشيرة الدخول للأراضي الليبية".
4.6 مليون سائح
ووصف المدير العام لمركز المعلومات والتوثيق السياحي بوزارة السياحة والصناعات التقليدية في ليبيا أسامة الخبولي عودة السياح لليبيا من جديد بـ "المؤشر المهم الذي من شأنه أن يسهم في استعادة ثقة المسيرين للشركات السياحية والسياح في السوق الليبية".
وبخصوص أهمية الاعتماد على قطاع السياحة لتغذية الاقتصاد الليبي، لا سيما أن المجال النفطي دائماً ما تدور حوله الصراعات، قال الخبولي إن "ليبيا لديها خطة عمل متكاملة مضمنة في المخطط العام للتنمية السياحية 2009 -2025 لكنه توقف منذ عام 2011".
وتابع، "في المقابل نلاحظ صعوداً ملحوظاً في مؤشر إنشاء الفنادق والمنتجعات السياحية ومراكز التسوق والمستشفيات، وتبعاً لذلك نشط سوق السياحة الداخلية وتحولت بعض المدن إلى وجهات للتسوق والسياحة العلاجية، مثل مدن طرابلس وبنغازي ومصراتة، واستعادت وجهات أخرى نشاطها مثل مدينة غدامس وشحات إلى جانب السياحة الشاطئية خلال موسم الاصطياف أو السياحة الصحراوية في فصل الشتاء، وكل هذه المؤشرات توضح الفرص الاقتصادية الكامنة في هذا القطاع الحيوي".
وأوضح الخبولي أن "المخطط العام للتنمية السياحية رسم أربعة أهداف رئيسة تشمل استيعاب نحو 4.6 مليون سائح وتوفير 100 ألف سرير و225 فرصة عمل، إضافة إلى زيادة إسهام قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من نحو 1.45 في المئة عام 2008 إلى نحو ستة في المئة بحلول عام 2025".