وجه رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني انتقادات لاذعة لحزب "الاتحاد الوطني" محملاً إياه مسؤولية الأزمات التي تعاني منها محافظة السليمانية، فيما وصف الفريق الوزاري للحزب حكومة بارزاني بأنها "أسوأ الحكومات في تاريخ الإقليم الذي يدفع ثمن سياسته غير الشفافة في إدارة قطاع النفط".
ويقاطع منذ أشهر قوباد طالباني، نائب رئيس الحكومة عن حزب "الاتحاد"، الذي يتزعمه بافل طالباني، اجتماعات الحكومة الائتلافية التي يقودها "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، احتجاجاً على "سوء الإدارة"، وجاء ذلك بعد أن كان التوتر بين الحزبين الكرديين التقليدين بلغ ذروته في أعقاب اتهام حزب بارزاني مسؤولين في جهاز أمني تابع لـ "الاتحاد الوطني" بالوقوف وراء اغتيال الضابط المنشق عن جهاز مكافحة الإرهاب في حزب طالباني، هاوكار جاف وسط مدينة أربيل.
ويتبادل الحزبان منذ نحو سنتين الاتهامات في ظل خلافات محتدمة على آلية تقاسم الإيرادات، إذ يتهم حزب طالباني شريكه حزب بارزاني بفرض حصار مالي على مناطق نفوذه وأبرزها محافظة السليمانية، بينما يتهم الأخير متنفذين في "الاتحاد" بالاستحواذ على إيرادات المحافظة وعدم الالتزام بإعادتها إلى الخزانة العامة.
تعطيل برنامج الحكومة
ومن شأن عودة حرب الاتهامات بين الحزبين أن تقضي على بوادر التسوية، في وقت كان ينتظر أن يعقدا "قريباً" مباحثات لإنهاء الخلاف، وسط ضغوط تمارسها دول أعضاء في "التحالف الدولي" بقيادة واشنطن التي حذرت في أكثر من مناسبة من تداعيات استمرار الصراع على مستقبل الإقليم.
وفي أعقاب اجتماع للحكومة، أصدر مسرور بارزاني بياناً اتهم فيه الاتحاد "بعرقلة أعمال وبرنامج الحكومة"، وحول الاتهامات في شأن فرض الحكومة حصاراً على مناطق نفوذ "الاتحاد الوطني"، قال إن الأخير "رفض إعادة تنظيم قطاع الإيرادات في السليمانية وتوابعها ورفض إرسال قوات مشتركة إلى المنافذ الحدودية وهدد بأن ذلك من شأنه أن يشعل حرباً أهلية، كما تعطلت كل الخطوات بعد اغتيال هاوكار جاف". وأردف "لن نسمح لأي فرد أن يلجأ إلى الإرهاب لحل مشكلاته داخل الإقليم الذي يعد رمزاً لمقارعة الإرهاب".
شروط لتطبيق المركزية
وأوضح بارزاني أنه "لم يتهم أي جهة أو طرفاً في اغتيال هاوكار جاف، لكن سلطات السليمانية رفضت تسليم بعض المتهمين للقضاء وإجراء تحقيق مشترك، لا بل طالبوا بإغلاق هذا الملف، ما يعني أن المشكلة الآنية لا تتعلق بالإيرادات والأزمة المالية في السليمانية"، واشترط بارزاني لحل الأزمة "تسليم المتهمين للقضاء، ثم تشكيل لجنة مشتركة من المؤسسات المعنية بحضور أطراف دولية وأي دولة صديقة للتحقيق مع المتهمين على أن تعرض نتائجه أمام الرأي العام".
كما رهن مطلب الاتحاد بتطبيق اللامركزية في تقاسم النفقات بأن "يشمل ذلك أولاً عملية جمع وتحصيل الإيرادات بشكل مركزي منعاً للتهريب والتلاعب مع أهمية تشكيل قوة مشتركة بهذا الشأن"، وختم بيانه بالدعوة إلى "تذليل العقبات أمام عملية توحيد قوات البيشمركة (المنقسمة بين الحزبين)، بعيداً من المآرب الحزبية والفردية، وانعقاد البرلمان في أقرب وقت لتحديد موعد لإجراء الانتخابات خلال العام الجاري، وتوقف الأطراف المشاركة في الحكومة عن لعب دور المعارضة ونقل مشكلاتها السياسية إلى الحكومة".
غياب الشفافية
وفي رد فعل، سارع الفريق الوزاري التابع لحزب "الاتحاد" بالانسحاب من مجموعة "الواتساب" الخاصة بالحكومة، وأصدر بياناً عاجلاً اتهم فيه بارزاني "بانتهاج سياسات مالية جعلت الإقليم يدفع ثمن السياسات المشبوهة وغير الشفافة في توجيه إيرادات النفط"، وطالب الحزب "بحل أزمات نقص الوقود والطاقة والغلاء المعيشي بدل كيل الاتهامات، إذ كنا ننتظر مسعى لتقريب وجهات النظر، بخاصة أن هناك استعدادات لعقد اجتماع مصيري بين الحزبين".
وجدد فريق "الاتحاد" اتهام بارزاني "بمحاصرة السليمانية وعدم دفع مستحقاتها المالية، بغية زعزعة استقرارها وإثارة بلبلة فيها"، مشدداً على أن "الخلاف الأساسي ليس على إيرادات المنافذ بل على الإيرادات النفطية، وقد أصبح الإقليم ضحية للسياسات المشبوهة وعدم الشفافية التي ينتهجها رئيس الحكومة"، وتساءل "عن حجم إيرادات المنافذ الواقعة تحت نفوذ الديمقراطي، ولماذا لا يسمح بمراقبتها من قبل اللجان؟ ولماذا لا يرسَل مشروع الموازنة إلى البرلمان؟".
وأكد الفريق الوزاري على أن حزب الاتحاد "لم يخش يوماً من الانتخابات ونتائجها، بل هو مستعد لها عبر قانون معدل وسجل انتخابي شفاف وضمان حقوق المكونات والقوميات المختلفة".
وأفاد الناطق باسم نائب رئيس الحكومة قباد طالباني سمير هورامي إن "وزراء الاتحاد سيواصلون مهماتهم من أجل تمشية شؤون المواطنين، لكنهم لن يشاركوا اجتماعات مجلس الوزراء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحدة الموقف مطلب أميركي
ويعزو مسؤولون في "الديمقراطي" تفاقم الخلاف إلى "غياب وحدة القرار" والانقسام داخل حزب "الاتحاد" الذي ما زال يعاني من خلافات بين قيادته منذ أحداث طرد زعيم الحزب المشارك لاهور شيخ جنكي في يوليو (تموز) عام 2021.
ويأتي التصعيد وسط مخاوف قادة سياسيين بارزين من العودة إلى نظام حكم الإدارتين الذي نشأ في أعقاب حرب أهلية شهدها الإقليم منتصف تسعينيات القرن الماضي، والحذر من التفريط بالدعم السياسي والمالي الذي تقدمه الإدارة الأميركية للإقليم الكردي، بخاصة أن القنصل الأميركي في الإقليم نيرفن هيكس كان دعا الحزبين مطلع الشهر الحالي إلى إنهاء خلافهما "لأن كردستان موحدة ستحظى بأهمية أكبر لدى واشنطن"، مؤكداً أن بلاده "تراقب عن كثب الحوار المرتقب بين الحزبين".
إقرار بالفساد في المنافذ
وفي تسجيل صوتي مسرب تداولته وسائل الإعلام أقر الملا باختيار، عضو "المجلس الأعلى لمصالح حزب الاتحاد"، "بانقسام الإقليم على جبهتين، جبهة الشعب وجبهة السلطة، ولم يعد هناك شك أن الأخيرة منشغلة بالفساد ولم يعد لها أخلاق سياسية، كما لم يعد هناك شيء اسمه العمل الحزبي، بل هناك ميليشيات وقتلة يتحكمون بالجمارك وعصاباتهم تعمل ليلاً".
وقال في المقطع الذي لم يكشف عن تاريخ تسجيله، "قبل يومين فقط حصلوا على أموال تقدر بنحو 11 مليون دولار، وقد تم تقاسمها في ليلة واحدة بين الأحزاب وأعضائها في المنطقة (في إشارة إلى أحد منافذ السليمانية)، هؤلاء أصبحوا يهابون أي انتقاد لأن فسادهم فاق الحدود، ولم يعودوا يتقبلون المعارضة".
من جهته حذر عضو قيادة "الاتحاد" اريز عبدالله من أن "الأزمة تتجه نحو مزيد من التعقيد، وانعكست سلباً على كل الصعد، بخاصة على كيان الإقليم"، وطرح تساؤلات عدة وحلولاً غير قابلة للتحقيق بحسبه، قائلاً "هل هناك احتمال أو توقع بأن يقدم قائد في قوات البيشمركة بانقلاب على السلطة ويبعد جميع الأحزاب من الساحة السياسية؟ وهل يمكن في هذه المرحلة أن يدار الإقليم من دون أحد الحزبين الرئيسين؟ هذه الآمال غير قابلة للتحقيق، وعليه لا توجد فرصة سوى أن نأخذ بالاعتبار الواقع المرير الذي نعيشه، الحوار والاتفاق أو التوجه نحو الدمار الذي لا نتمناه".
وسأل عبدالله بارزاني، "ماذا يريد رئيس الحكومة؟ هو المسؤول الأول عن افتعال المشكلات وحلها، وماذا تريد القوى السياسية؟ من الواضح ولأسباب عدة وأعذار واهية لا توجد رغبة في الحوار".
اتهامات بممارسة التضليل
في السياق، رأى القيادي الآخر في "الاتحاد" ستران عبدالله أن حكومة بارزاني "أظهرت أنها حكومة لخلق الأزمات، وقد فشلت في تحقيق برنامجها، فلم تجر إصلاحات كما لم تنجح في توحيد إدارة الحكم". وأوضح أن "هذه الحكومة أخفقت أيضاً في توفير المعيشة الكريمة للمواطنين، وإذا قارناها مع الحكومات السابقة، فإن التاريخ يمكن أن يكون المعيار، وواضح أن السيد مسرور قد أخفق".
في المقابل، رد عضو المكتب السياسي في "الديمقراطي" كمال كركوكي "إنجازات حكومة بارزاني واضحة في كل المجالات، لكن يبدو أن هذا النوع من الأشخاص (في إشارة إلى عبدالله) يمارس دائماً أسلوب التضليل"، لافتاً إلى أن "هذه الحكومة تبنت برنامجاً إصلاحياً شاملاً، وكانت له نتائج مثمرة، على رغم كل الأزمات التي اعترضت طريقها، كأزمة المرتبات وجائحة كورونا والحرب على داعش، وعرقلة حزب الاتحاد جهود السيطرة على المنافذ الحدودية في السليمانية وتوابعها من أجل مصلحة سكانها".
ولفت كركوكي إلى أن حزبه "فاز بـ45 مقعداً في الانتخابات الاتحادية الأخيرة، وأشرك حزب الاتحاد في حكومة الإقليم على رغم أنه لم يحصل إلا على 21 مقعداً، لإبقائه في الطريق الصحيح ولتجنيب الشعب ما قد يلحقه من ضرر به، على رغم ذلك عرقل الاتحاد خطوات تطهير المنافذ من الفساد، لا بل أثار المشكلات ووضع العراقيل أمام الإصلاحات".