قال صندوق النقد الدولي في دراسة جديدة "إن تراجع التعاون الدولي والتجارة يمكن أن ينكمش الاقتصاد العالمي، ولا سيما الإضرار بالبلدان منخفضة الدخل".
من جانبها صرحت كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، لشبكة "سي أن بي سي" بأن الأيام التي كانت تقوم فيها مؤسستها بتخفيض التصنيف العالمي المنتظم قد ولت تقريباً.
وقالت جورجيفا في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا "لا أرى انخفاضاً في التصنيف الائتماني الآن، لكن النمو في عام 2023 سيتباطأ".
وأضافت جورجيفا "توقعاتنا هي أننا سننخفض بمقدار نصف نقطة مئوية مقابل عام 2022. لكن الخبر السار هو أننا نتوقع أن يصل النمو إلى أدنى مستوياته هذا العام وأن يكون عام 2024 عاماً نرى فيه الاقتصاد العالمي أخيراً". وكان صندوق النقد الدولي قد خفض توقعاته للنمو ثلاث مرات منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021.
التجزئة وكلفة الاقتصاد العالمي
وتأتي تعليقات جورجيفا مع إطلاق الصندوق لتقرير جديد قال فيه إن التجزئة قد تُكلف الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وأشار التقرير إلى عدة طرق تؤدي بها السياسات الحكومية إلى عكس مسار التكامل الاقتصادي العالمي، مثل القيود المفروضة على التجارة والهجرة وتدفقات رأس المال عبر الحدود.
وقال الصندوق أنه إذا تم تقييد مشاركة التكنولوجيا أيضاً فستكون الخسائر أكبر، من 8 في المئة إلى 12 في المئة، في بعض الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والاقتصادات الناشئة، وفقاً لتقرير الصندوق.
وهذا يُمكن أن يُقوّض العولمة الاقتصادية للعقود الأخيرة التي قال الصندوق إنها قللت من الفقر في البلدان النامية وقدمت أسعاراً أقل للمستهلكين ذوي الدخل المنخفض في الاقتصادات المتقدمة.
الاقتصاد العالمي على وشك الانقلاب
وقال المُقرض متعدد الأطراف في تحليله "ربما يكون الاقتصاد العالمي على وشك الانقلاب في الزيادة المطردة في التكامل التي ميزت النصف الثاني من القرن العشرين". وأضاف "في حين أن التجزئة قد تنطوي على مزايا استراتيجية لبعض البلدان في حالات مختارة، فمن المرجح جداً أن تنطوي على تكاليف اقتصادية كبيرة في المجموع."
وقال الصندوق إن التكاليف "ستشمل ارتفاع أسعار الواردات، والأسواق المجزأة، وتقلص الوصول إلى التكنولوجيا والعمالة الماهرة وغير الماهرة، وفي نهاية المطاف انخفاض الإنتاجية مما قد يؤدي إلى مستويات معيشية أقل".
وخلص المُقرض العالمي إلى أن جائحة "كوفيد –19" والهجوم الروسي على أوكرانيا زادا من توتر العلاقات التجارية التي تم اختبارها من خلال التعافي الضحل وغير المتكافئ من الأزمة المالية لعام 2008، وكذلك خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي والتوترات التجارية المستمرة بين واشنطن وبكين.
القيود التجارية
وأشار صندوق النقد الدولي إلى أنه في ذروة الوباء، حدت البلدان من صادراتها من السلع الطبية والمواد الغذائية مع حظر التصدير الذي شكل حوالى 90 في المئة من القيود التجارية.
علاوة على ذلك، أدت الحرب في أوكرانيا والعقوبات المرتبطة بها التي فرضها الغرب على روسيا وبيلاروس إلى "اضطرابات كبيرة في أسواق الطاقة والسلع الزراعية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت المؤسسة الدولية إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين قد اتخذت جميعها تدابير حديثة لتعزيز الإنتاج المحلي عالي التقنية. وأشار الصندوق إلى أن الشركات، أيضاً، كانت تنقل سلاسل التوريد الخاصة بها لتقليل المخاطر، مع ظهور كلمات رئيسية مثل "إعادة التوريد" و "شبه الدعم" و "التوريد" بشكل متكرر في مكالمات وتقارير أرباح الشركات.
ومن المرجح أن يؤدي هذا الاتجاه نحو التجزئة في التجارة إلى تقليل الفرص أمام الاقتصادات الناشئة وإبطاء الحد من الفقر، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وقال الصندوق إن تزايد الحواجز أمام تدفق العمالة عبر الحدود يمكن أن يبطئ أيضاً الابتكار وانتشار التكنولوجيا. كما يُمكن أن يؤدي التفتت الاقتصادي أيضاً إلى تقييد خيارات الاستثمار الدولي، مما قد يعيق التنمية. وقال المُقرض إن الاتجاهات من المرجح أن تؤدي إلى حالة من عدم اليقين وأن تجعل التعاون بشأن تحديات مثل تغير المناخ أكثر صعوبة.
ووفقاً للصندوق، من المرجح أن تُسهم التجزئة في التنظيم المُشتت، مما يجعل بعض أشكال الخدمات المصرفية الدولية غير مقبول ويرفع تكلفة التمويل. من المحتمل أن تضطر البلدان التي أرادت الحفاظ على الاستقرار إلى الاعتماد على "التأمين الذاتي المكلف" مثل تخفيض الديون الخارجية لتعزيز نفسها ضد الصدمات.
دعوة للتعاون التجاري
ويوصي الصندوق بضمان التعاون التجاري بشأن السلع العامة العالمية والمنافسة العادلة، مع حماية السكان الأكثر ضعفاً. علاوة على ذلك، يوصي المُقرض بالحفاظ على الحد الأدنى من التعاون من خلال ما يسميه حواجز الحماية، على سبيل المثال، "الممرات الآمنة" لتمكين حركة السلع والخدمات الهامة.
كما يوصي بأن تحاول البلدان تحقيق عدد صغير من الأهداف المشتركة في المجالات التي يكون فيها لديها توافق واسع. وقال صندوق النقد الدولي "افتح الطريق لإعادة بناء الثقة". مشيراً إلى إمكانية أن يكون أحد هذه المجالات نظام دفع دولي رقمي جديد.
ويأتي التقرير وسط مؤشرات متعددة على تباطؤ الاقتصاد العالمي قرب نهاية عام 2022 تحت وطأة التضخم المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة، إلى جانب التحديات التي سببتها الحرب في أوكرانيا وتأثيرات "كوفيد –19" في الصين.
وكان قد خفض البنك الدولي في وقت سابق من هذا الشهر بشكل حاد توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي في عام 2023، وأشار إلى ارتفاع مخاطر حدوث ركود عالمي. يتوقع البنك تباطؤ النمو إلى 1.7 في المئة في عام 2023، انخفاضاً من تقدير نمو 3 في المئة في يونيو (حزيران). وسيكون هذا ثالث أضعف وتيرة للنمو العالمي في ما يقرب من ثلاثة عقود، ولم تطغى عليها سوى فترات الركود في عامي 2009 و 2020، وفقاً للبنك الدولي.