لم يسنح لجينا لولو بريجيدا بلوغ المئة مثل غيرها من النجمات المعمرات كميشلين بريل ودانيال داريو. فالحياة ليست مشهداً من فيلم يقرر طوله المخرج. باغتها الموت وهي على مسافة أربع سنوات من أن يصبح عمرها قرناً من الزمن. النجمة الإيطالية السمراء المتفجرة أنوثة التي نشطت بين بداية الخمسينيات ومنتصف السبعينيات، كانت لها حقبتها التي عاشتها طولاً وعرضاً، واضعة عليها بصمتها. وقد تكون وقعت اليوم في النسيان، إذ إن الجيل الجديد لا يعرفها، لكن من عاش ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، لا بد أنه وقع تحت سحر هذه التي اشتهرت بإطلالاتها المثيرة في بداياتها، قبل أن تنتقل من صفحات المجلات الملونة إلى الشاشة، فمثلت في مجموعة أفلام تحت إدارة كبار السينمائيين من مثل ماريو مونيتشيللي وجون هيوستن وفيتوريو ديه سيكا وكينغ فيدور ولويجي كومنتشيني وغيرهم.
أضحت لولو بريجيدا "ماجيوراتا" إيطاليا الأشهر، التسمية التي كانت تشير إلى نوع معين من الممثلات في الخمسينيات والستينيات فرضن أنفسهن من خلال أشكالهن الممتلئة والسخية والجميلة والمثيرة، إلا أن مع الوقت تم الالتفات إلى أدائهن أيضاً.
جمال وسينما
الجمال كان طريق لولو بريجيدا إلى السينما، وهي التي كانت تستعد للتخصص بالفن التشكيلي والنحت. هذه التي ولدت في عائلة ميسورة كان والدها قاسياً جداً في معاملتها، وكان يمنعها من ارتياد السينمات وارتداء البناطيل ومواعدة الشباب. وقد اعترفت في إحدى المقابلات التلفزيونية بأنها كانت تتعرض للضرب المبرح ولكن لا مشكلة لديها حيال ذلك، مؤكدة أن التربية القاسية هي التي تصنع أشخاصاً بطباع قوية، هذا كله لم يمنعها من أن تصبح لاحقاً واحدة من أشهر الممثلات في تاريخ بلادها، مع العلم أن دخولها هذا المجال كان محض صدفة. فبعد أن دمر منزل والديها خلال الحرب، اضطرت العائلة المؤلفة من ستة أفراد إلى النزوح إلى روما، وكانوا يضطرون إلى النوم جميعهم في غرفة واحدة. كانت شقيقاتها يعملن مضيفات في صالات السينما، في حين كانت هي ترسم بورتريهات للجنود الأميركيين في الساحات العامة. تتذكر "كل أفراد عائلتي ساعدوني وضحوا من أجل أن أدرس الفن التشكيلي. كنت فنانة العائلة".
من الرسم إلى الظهور في أفلام بأدوار صامتة أو كومبارس، قامت جينا بقفزة وهي شابة، هذه المرة ببركة العائلة التي تغيرت ظروفها بسبب الحرب فتغيرت عقليتها أيضاً. وتقول الأسطورة إن أحد المنتجين اكتشفها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حينما كانت في العشرين من العمر واعتادت الظهور في القصص المصورة المنشورة في المجلات، وكانت في موازاة عملها هذا تتابع دراساتها في معهد الفنون الجميلة. وهناك رواية أخرى بأن الممثلة سيلفانا منغانو ساعدتها. في الفترة نفسها شاركت في مباريات جمال عدة، وانتهى بها الأمر وصيفة ثانية أو ثالثة، ولم تستطع الفوز باللقب. ظل الجمال كلمة مرورها إلى الشهرة في بداياتها، بل كان يبدو الميزة الوحيدة التي خولتها دخول عالم السينما، شأنها شأن وجوه نسائية عدة استخدمت مظهرها الخارجي، لكن استطاعت جينا تجاوز الشكل والانتقال من بعض الأدوار الثانوية إلى البطولة بفضل عصاميتها. يجب القول إن إيطاليا بعد الحرب بدت في حاجة إلى الجميلات اللاتي يعطين صورة مستحدثة عن المرأة. المرأة القوية التي لا تتوانى عن الدفاع عن نفسها، والدفاع هذا كان في حال جينا يأتي من شعورها بالوحدة. في بلد كان لا يزال حتى منتصف القرن الماضي يرزح تحت البطريركية وتقاليد محافظة، لا سيما في ما يخص المرأة وشؤونها وحقوقها، ممثلات مثل جينا ساهمن في شق طريق الانفتاح.
أفلام في الذاكرة
أفلام عدة تتصدر الذاكرة عند الحديث عن جينا: "فانفان لا توليب" لكريستيان جاك مع جيرار فيليب الذي نال جائزة الإخراج في مهرجان كان 1952 وحقق إيرادات عالية. شكل هذا الفيلم بداية انطلاقتها الدولية، وتقول إنها تدين للفرنسيين بنجاحها، فالفيلم أضحى نقطة بارزة في مسيرتها وجعلها شهيرة في العالم. تجري الأحداث خلال حرب السنوات السبع (1756 - 1763). ينخرط فانفان (جيرار فيليب) في الجيش الفرنسي، بعد توقعات أديلين (جينا لولو بريجيدا) له بمستقبل مشرق. ينتمي الفيلم إلى نوع أفلام السيف والترس، الذي كان له الكثير من الشعبية في منتصف القرن الماضي. فيلم آخر جمعها بجيرار فيليب "جميلات الليل" لرنيه كلير. في "خبز، حب وفانتازيا" للويجي كومنتشيني، الذي تجري أحداثه في قرية إيطالية متخيلة، تلعب جينا دور فتاة يقع في غرامها ماريشال مسن (فيتوريو ديه سيكا) يحاول الارتباط بها، إلا أن الفتاة مغرمة بشاب آخر. الفيلم يعتبر ذروة ما عرف بـ"الواقعية الجديدة الوردية" التي كانت تلجأ إلى أسلوب أقل حدة من "الواقعية الجديدة" التقليدية، وكانت تستعين بممثلات حسناوات غاويات جذابات. الفيلم حظي بتتمة "خبز، حب وغيرة"، والنجاح الذي حظي به العملان امتد إلى خارج إيطاليا.
"الرومانية" للويجي زامبا فيلم آخر تظهر فيه موهبة لولو بريجيدا، فهي تلعب فيه دور أدريانا، فتاة جميلة وفقيرة من حقبة الفاشية، تعمل عارضة لرسام. والفيلم يعرض مغامراتها العاطفية التي لا تؤدي إلى خلاصة. مع فيلم إيطالي آخر هو "القروية" لماريو سولداتي (أفلمة لرواية لألبرتو مورافيا)، كرسها "الرومانية" نجمة في إيطاليا! فيلم إيطالي ثالث يمكن ضمه أيضاً إلى أبرز أعمال جينا هو "نوفمبر بديع" لماورو بولونييني، وفيه تلعب دور سيدة مستبعدة من عائلتها ينجذب إليها ابن أختها، في قصة معقدة داخل أسرة من صقلية.
مع "أحدب نوتردام" أسند إليها المخرج الفرنسي جان دولانوا دور إزميرالدا، المرأة اللعوب التي تدوخ الرجال وهي ترقص على رصيف الكاتدرائية الباريسية، ومن هؤلاء الأحدب كازيمودو، الذي جسده أنطوني كوين.
غرام وسجن
في ظل كل هذا الانتشار، كان لا بد أن تستغلها هوليوود. وهذا ما حصل عندما "استدرجها" الملياردير هاورد هيوز بعد توقيع عقد، ثم حاول الارتباط بها لكنها كانت متزوجة، على رغم أنها لا تنفي احتمال أنها عاشت معه علاقة غرامية. يقال إنه سجنها عدة أشهر داخل غرفة فندق في لوس أنجليس، لكنها استطاعت الإفلات منه، ليس من دون الاستفادة من خلال إضافة بضعة أفلام هوليوودية إلى رصيدها. بعد عودتها إلى إيطاليا حاول هيوز لفترة طويلة إعادتها إليه، لكن فشلت كل محاولاته. في هوليوود، مثلت تحت إدارة عدد من المخرجين المعروفين منهم جون هيوستن وكارول ريد وروبرت موليغن، ووقفت أمام كبار الممثلين مثل همفري بوغارت وبرت لانكاستر وروك هادسون وستيف ماكوين ويول براينر. والأخير مثلت معه في "سليمان وملكة سبأ"، وهو عمل تاريخي جميل يعد أحد أهم أفلامها. وروت أن مشاهد الغرام التي جمعتها ببول براينر لم تكن تنتهي حينما يصرخ المخرج "اقطعوا" بل تستمر. من دون أن ننسى اللقاء الذي كان لها مع همفري بوغارت الذي لعبت معه في "تغلب على الشيطان" لجون هيوستن، عن أربعة لصوص يخططون لسرقة رواسب اليورانيوم في أفريقيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لولو بريجيدا هذه الإيطالية حتى النخاع كانت محل فانتازم للملايين، كثر وقعوا في غرامها، الشيء الذي كان يجعلها تبتسم حتى بعد تجاوزها السبعين، عندما استضافها التلفزيون الفرنسي في أحد برامجه. الأدوار المهمة التي لعبتها لم تكن قليلة، بل متنوعة جداً، وعدد منها سيبقى ماثلاً في الذاكرة، قبل أن تعتزل في منتصف السبعينيات كي تكرس وقتها للتصوير والنحت. لم يأت اعتزالها بخيار منها، بل لأن الأدوار التي كانت تعرض عليها في مرحلة من المراحل ما عادت تعجبها، فقررت الابتعاد عن السينما.
كان رؤساء العالم يدعونها إلى موائدهم، لكن أكثر لقاء أحرجها هو اللقاء مع الرئيس الأميركي أيزنهاور. الاحتكاك بهؤلاء مدها بالرغبة في دخول عالم السياسة، إذ إنها ترشحت لانتخابات البرلمان الأوروبي لكنها لم تفز. كانت تعشق مارلين مونرو، وتقول عنها "حساسة وهشة وقد دفعت ثمن الشهرة باهظاً"، معتبرة أن الإنسان الذي يتحلى بالجمال يعامل في الكثير من الأحيان بشكل سيئ. وعلى رغم جمالها وشهرتها العالمية الواسعة لم تلق لولو بريجيدا مصير مارلين، إذ عرفت في أي لحظة تتخلى عن السينما، وكيف تمارس شغفها، فماتت في الخامسة والتسعين بعد أن عاشت نحو ثلاثة أضعاف ما عاشته صديقتها مارلين! لم تعش قصة حب واحدة في حياتها، لأن الرجال، كما تقول، يغارون. "أعطاني الله الموهبة ولكن في المقابل لم يوفقني في حياتي الشخصية"، تقول، وقد تبدو متصالحة مع هذا الواقع. عدا ذلك، تؤكد أنها حصلت على كل شيء رغبت فيه في حياتها.