Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فتح الأميركيون ذراعيهم للأمير هاري فهل تفسد مذكراته قصة الحب هذه؟

لطالما حلم جيل من المراهقات في الولايات المتحدة بالزواج من الأمير هاري، ثم راقبن كيف أن الحكاية الخيالية التي سبحن فيها وتخيلنها تتجسد واقعاً أمامهن. لكن بعد صدور مذكراته والهجوم الإعلامي الذي تعرض له، هل يمكنه أن يبقي الأميركيين في صفه؟

استقطبت مقابلة أوبرا وينفري مع الأمير هاري وميغان 17 مليون مشاهد أميركي (رويترز)

في ذروة شعبية مجلة المراهقين "يو أس" US الأميركية في تسعينيات القرن الماضي - وللمناسبة كانت ميغان ماركل في حينه ما زالت تلميذةً في ولاية كاليفورنيا - لم تكن رؤية الوجه الغارق في التأمل للأمير وليام وهو يحدق من خلف الأضواء اللامعة لعدسات ولقطات الكاميرا في هوليوود، بالأمر غير المألوف. بينما كانت الفتيات من الساحل الأميركي الشرقي إلى الساحل الغربي يتداولن الأحاديث عن مزايا الزواج من الأمير وليام أو الأمير هاري، ويحلمن بحفلات زفافٍ ملكية يختطفهن فيها يوماً ما أحد الأمراء إلى عالم الشهرة.

مع نضوج جمهور المعجبين بالشابين الملكيين، نمت مع أفراده عاطفةٌ تجاه الأميرين والنظام الملكي البريطاني. فهم يتذكرون أين كانوا عندما سمعوا بالوفاة المأسَوية للأميرة ديانا. وتابعوا الحياة العاطفية للأميرين، وراقبوا بلهفة أدق التفاصيل في لقطات حفلي زفافهما.

عندما رحل هاري إلى الولايات المتحدة مع عروسه الأميركية، حملت قصتهما السردية ذاتها للسمات المميزة التي تأسست عليها أميركا وهي: التمرد، والاعتماد على الذات، وإعادة الاكتشاف، والرومانسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحكاية الخيالية التي كان كثيرون يرغبون في تحقيقها تحولت إلى واقع أمام أعينهم، وقد رحب جيل المراهقين المعجبين بميغان - إلى جانب الكثير من الأميركيين الآخرين - بكل من هاري وميغان بحفاوة كبيرة. وثابر دوق ودوقة ساسكس على حمل التحديات، وتمكنا ببراعة من القضاء على سيل الثرثرات والإشاعات المتدفقة، محاولَين إبراز نفسَيهما على أنهما من أصحاب الرؤى الإنسانية.

لكن بعد يومين من إصدار هاري مذكراته Spare ("سبير" - أي "الاحتياطي")، تسببت رسالةٌ نصية وصلت إلى مجموعة من أصدقاء من أيام المدرسة الثانوية والذين تبلغ أعمارهم الآن 40 سنة - وهن نساء يعشن الآن في مختلف أرجاء البلاد ومن أطيافٍ سياسية ومهن مختلفة - بوابل سريع من الردود الحانقة.

أحدها جاء فيه "لقد أحببتُ مقابلة "أوبرا" الخاصة، وسلسلة "نتفليكس". لكن الآن مع الكتاب، هناك مبالغة".

وجاء في رد آخر "إنه لمن الصعب الشعور بالأسف على شخص يمكن القول إن لديه مزايا وفرصاً أكثر من أي شخص آخر في العالم تقريباً. فقد ظهر مدللاً، ومعتداً بنفسه، ويتسم بقلة التعاطف. وبصراحة، لم تكن زوجته في وضع أفضل".

وورد في تعليق ثالث "بدا الأمر أشبه بمشاهدة حطام قطار عقب الحادثة مباشرة".

ملايين الأشخاص تابعوا المقابلات المتتالية لهاري، وحطمت مبيعات كتابه "الاحتياطي" أرقاماً قياسية - لكن الحملة الإعلامية لدوق ودوقة ساسكس ربما امتحنت الولع الأميركي التناقضي تجاه الملكية. لم يكن بإمكان هاري وميغان لدى وصولهما إلى الولايات المتحدة، أن يبدآ بدايةً أفضل، لكنها كانت بداية أمام جمهور ودود.

إريك غولدستين أستاذ العلاقات الدولية والتاريخ في جامعة بوسطن قال لـ"اندبندنت"، "بالنسبة إلى جمهورٍ أميركي واسع... هناك أمرٌ مثير للإعجاب يتعلق بجانبٍ لا تملكه الولايات المتحدة، وهو العائلة المالكة. المسألة لا ترتبط بأن الولايات المتحدة تريد عائلةً ملكية، لكنها تستمتع في الواقع بمشاهدة عائلة أخرى ومتابعة أخبارها".

عندما أعلن دوق ودوقة ساسكس عن انتقالهما عبر الأطلسي إلى الولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) عام 2020، أبدى الأميركيون "حسن النية تجاه وصولهما وفضولهما في شأن ما سيفعلانه، لأن هذا لم يحدث من قبل. لذا كانت تلك تجربةً جديدة"، كما يقول غولدستين. ويضيف "منذ لحظة خطوبتهما، مروراً بزواجهما، إلى اللحظة التي وصلا فيها إلى هنا، كان يُنظر إليهما على أنهما يمثلان أخباراً جيدة، وأنهما يخططان للقيام بأشياء إيجابية. لذا كانت قصتهما رافعة للمعنويات".

في المقابل أسهم انتقال الزوجين إلى الولايات المتحدة في جعل العائلة المالكة أقرب إلى الوطن بالنسبة إلى الأميركيين بأكثر من طريقة. ويقول في هذا الإطار بوب طومسون مدير "مركز بلاير للتلفزيون والثقافة الشعبية" Bleier Center for Television & Popular Culture في جامعة سيراكيوز Syracuse University، إن انفتاحهما أزال "تلك الهوة الكاملة التي نشعر بها دائماً، ولا سيما مع تشارلز، كلما سمعناه بالفعل يفتح فاه أو نسمع ما يقوله، بحيث يبدو الشعور بأنه لا يعيش على الكوكب نفسه، غريباً للغاية".

كان المعجبون الأميركيون بالأفراد الملكيين متعطشين لمختلف التفاصيل المتعلقة بالملكية الغامضة، وبدا أن دوق ودوقة ساسكس متحمسان للغاية لذلك. قام هاري وميغان بذلك بطريقةٍ لم تستغل سحر القصر فحسب، بل استفادت أيضاً من ثقافة المشاركة الأميركية التي كانت رائدة في تلفزيون الواقع ذي الحدين.

ويوضح طومسون لـ "اندبندنت" أن "الولايات المتحدة بارعةٌ جداً في الهوس بالذات واستهلاك هوس الآخرين بذاتهم. لقد ساهمنا في تنمية تلك المشاعر لفترة طويلة جداً... سواءٌ بالتحليل النفسي، أو العلاج بالكلام، وغير ذلك من الأمور المشابهة الأخرى التي تعود إلى ما يزيد على قرن من الزمن، والتي تتناول هذا النوع من الاعترافات، وإخراج كل شيء إلى العلن - وهو ما نظهره بطرق شعبية مختلفة".

المغتربة البريطانية تامسين لونسديل التي انتقلت إلى لوس أنجليس في عام 2009، تصف هذه الميول الأميركية بأنها "معاكسة تماماً" لتلك الموجودة في إنجلترا. وقالت لـ "اندبندنت"، "بعدما عشتُ في الولايات المتحدة لفترةٍ طويلة، لاحظتُ أن لكل شخص برنامجاً واقعياً خاصاً به. يبدو ذلك أمراً مبتذلاً للغاية، لكنه... يشكل مادة مثيرة للاهتمام والقراءة".

لا يمكن إنكار أن الأميركيين تلقفوا بنهم الانطباع المنفتح الذي أعطاه هاري وميغان لنفسهما، وتابعوا لحظة بلحظة الخطوات الأولى لهذين الوالدين الشابين، وهما يشقان طريقهما نحو مجتمع كاليفورنيا.

إحدى المتقاعدات من فلوريدا، تبلغ من العمر الآن 69 سنة، لم تشأ ذكر اسمها بسبب عملها سابقاً كمحققة في شرطة نيويورك، قالت، "ما أحبه فيه هو أنه صادقٌ للغاية. وليس هناك أي جدران حوله بعد الآن".

لم تكن المحققة أبداً من جمهور المعجبين بالعائلة المالكة، لكنها ضمن عداد الأميركيين الذين بدأوا بمتابعة الثنائي الملكي فقط بعد ظهور ميغان على الساحة - وهي ظاهرة لاحظها بوب طومسون بشكل خاص بين فئة الشباب. ولا يرتبط السبب في رأيه فقط "لأنها أميركية، وممثلة أيضاً... لكنني أعتقد أن المسألة ترتبط أيضاً بكونها ممثلة أميركية ثنائية العرق تزوجت من فرد هو سليل الملكية البريطانية التي يعتبرها كثير من الشباب في أي مكان، مؤسسة تعود إلى الماضي وقد عفا عنها الزمن".

ويشبه الأمر بـ "سلسلة قصصية مستمرة لم يكونوا يتابعونها، لكن شخصية جديدة دخلت على المسلسل ما جعل الاهتمام لدى هذه التركيبة السكانية أكبر بمتابعة أحداثه لعدد من الأسباب".

يوم زواج هاري بميغان، استضافت حانة "وايت هارت باب" White Harte Pub في ضاحية وودلاند هيلز في كاليفورنيا، حفلاً لمشاهدة المراسم قرابة الساعة الثالثة صباحاً، حضره خليط من زبائنها الأميركيين والمغتربين. وأعرب الجميع عن سعادتهم بهذا الاتحاد في الزواج غير المتوقع. لكن الآن، فإن هؤلاء المعجبين بالزوجين يتجادلون في ما بينهم حولهما، كما توضح غولريز معيني لـ"اندبندنت".

وتقول السيدة معيني التي اشترت الحانة مع زوجها من أحد الوافدين الأجانب، "وجعلتها بشكل أكبر ذات طابع بريطاني"، أن هناك "مشاعر مختلطة تنتابها من دون شك". وأضافت وهي من المعجبين بالعائلة المالكة منذ طفولتها، أن موعد زفافها تزامن مع يوم دفن الأميرة ديانا، الأمر الذي جعلها تفكر في إرجائه.

وترى أن معظم زملائها الأميركيين "يدعمون الثنائي لأنهم يريدون مشاهدة تلك النهاية السعيدة الخيالية لهذه الأميركية [التي] تزوجت من أمير، وغيرت مسار حياته بشكل واضح... وأعتقد أن الأميركيين يحبون ذلك".

وتقول بعد عرض مسلسل "نتفليكس" الذي تناول حياة دوق ودوقة ساسكس، وصدور كتاب "الاحتياطي" وسلسلة المقابلات التي يشتكي فيها هاري، إن "الناس باتوا مشوشين نوعاً ما، أكثر من أي شيء آخر، ويتساءلون لماذا؟ لماذا هو؟ لماذا ما يجري يحدث بهذه السرعة؟ يبدو الأمر كما لو أن هناك مسدساً صُوب نحو رأسه، وبدأ الكشف عن خفايا عن غير قصد".

وتقر السيدة معيني بأنه "في ما يتعلق بالأميركيين، من الطبيعي أن يشارك الفرد مشاعره، وبشكل أساسي أن يبوح بأسراره". لكن الهجوم الأخير من حيث المحتوى الذي قام به هاري وميغان كان "كبيراً".

وترى أن الأمر "يبدو كما لو أنهما يريدان أن يكونا ضمن عناوين الأخبار يومياً، في وقت يتحدثان فيه عن أنهما يريدان أن يعيشا حياة منتظمة وألا يكونا في دائرة الضوء. الآن يكاد الأمر أن يكون عكس ذلك... فهما يقفان وراء تنظيم كل ما يدور حولهما، وهما اللذان يتأكدان من أن يكونا مادة إخبارية".

في المقابل، يلفت البروفيسور غولدستين من جامعة بوسطن إلى أن "الأميركيين لديهم أيضاً حدود للاهتمام، وأعتقد أنهم ربما وصلوا إلى نقطة التشبع في هذه القصة. ولم يعد هناك من جديد يُقدم لهم في هذا الموضوع".

ويقول، "أعتقد أنه ربما تولد لدى البعض شيء من خيبة الأمل أو الإحباط، لأن هذه المذكرات على وجه التحديد، تنحو حقاً إلى الانغماس في الذات، من جانب شخص لديه وضع أفضلي في حياته بشكل واضح".

ويضيف "ما حدث على صعيد الوضع المتغير هو أنه بدلاً من رؤية، على سبيل المثال، أميرٍ مخضرم مقاتل، أظهرته المقابلات والكتاب أيضاً بالنسبة إلى كثير من الذين يتحدثون عن طفولته، على أنه شخص مضطرب عاطفياً، في منتصف العمر، يتمتع بامتيازات، في الوقت الذي لا يبحث فيه كثير من الناس في ظل المناخ الاقتصادي والدولي السائد اليوم عن شخص يشعر بالإحباط".

إلا أن المعجبين الصادقين بالزوجين، الذين لا يستطيعون إشباع نهمهم من أي تفاصيل عرضية عن أسرة دوق ودوقة ساسكس، يعتبرون أنه يحق لهاري وميغان أن يقدما سردية قصتهما، ومحاربة الروايات البديلة. ويشيرون أيضاً على نحو صحيح، إلى أن كثيراً من المشاهير الآخرين الذين يبيعون كتاباً أو مشروعاً عنهم، لا بد من أن يخوضوا الجولات نفسها. لكن المحققة المتقاعدة في فلوريدا ترى أن ذلك يضفي على الموضوع بعضاً من البراغماتية التي تفتقر للمعنى.

وتضيف: "يقول (هاري) "يجب أن أربي أولادي"، لذا عُرض عليه تقاضي، من يدري كم من ملايين الدولارات لقاء هذا الكتاب والمقابلات؟ كيف يمكنه أن يرفض ذلك؟ ما أعنيه - وفقاً لاعتقاده ولما يشعر به - هو أن الملكة قطعت عنه التمويل. وهو في الواقع الشخص الاحتياطي في العائلة الملكية وليس وريث العرش... دعوه يعيش حياته، هذه هي النقطة التي أعنيها".

وما بين قراءة كتاب "الاحتياطي" والاستعداد لمباراةٍ مقبلة في لعبة الغولف، تتابع المحققة السابقة حديثها مع "اندبندنت" قائلة، "لم أقرأ الكثير من الكتاب بعد، لكن ما استخلصته من الجزء القليل منه (شعرتُ) بأنه يقول بنوعٍ من الشفقة على الذات "أنا حزينٌ ومنزعج". لكن أنا لم أفقد والدتي عندما كان عمري 12 سنة، ولا بد أن ذلك قد ترك أثراً على بقية حياته".

كان لإرث والدة هاري دورٌ كبير في اجتذاب تعاطف عدد كبير من المعجبين به. وفي هذا الإطار تقول جولي بريلهارت من ولاية ويست فيرجينيا، إن الكثير من الدعم الذي يحظى به ينبع من "رغبة الناس في رؤية ابن الأميرة ديانا يمضي قدماً ويحظى بالسعادة".

بريلهارت التي تبلغ من العمر 49 سنة والتي تساعد في إدارة صفحة "فيسبوك" لعشاق الشخصية الملكية الراحلة، تشير إلى "الطريقة التي تعاملت بها مع المرضى، ومرضى الإيدز، والنساء الفقيرات. فقد كانت تقف إلى جانب الجميع في الأوقات الصعبة، وتمكنت من اكتساب الكثير من التعاطف نحوها".

المحققة السابقة المتقاعدة في فلوريدا، تصر في حديثها عن ديانا على القول إنه "لو أتت إلى الولايات المتحدة في أي وقت، ولو عاشت لفترة أطول... لكان الناس سيحتضنونها تماماً كما يحتضنون نجلها هاري الآن".

لكن إلى متى يبقى هذا الموقف قائماً يظل مسألةً مطروحة للنقاش. وكما أشار إليه البروفيسور غولدستين، فإنه لم يحدث شيء من هذا القبيل في السابق. إن جيل مراهقي المجلات [أي الذين يتابعون قصص المشاهير] بات الآن ضمن الفئة السكانية التسويقية المرغوبة من سن الثامنة عشرة إلى التاسعة والأربعين، وقد تابع ملايين الأفراد من مختلف الأعمار المقابلة التي أجرتها أوبرا مع الزوجين، ثم سلسلة "نتفليكس"، ثم برنامج "60 دقيقة"، وقاموا بشراء كتاب هاري.

إلا أن الدفق المستمر لمحتوى دوق ودوقة ساسكس بات في الواقع كبيراً كما أشارت إليه السيدة معيني. ويتساءل طومسون في هذا الإطار، "من المثير للاهتمام أن نرى، ليس فقط كيف يمضي هذا الأداء لجهة التحكم بالمقابلات، بل كيف سيبرز المحتوى في أذهان هذه الثقافة ككل. هل سيهتم الناس؟ هل سيكون أمراً يحدث مرةً واحدة حتى يطرأ جديد في الأسبوع المقبل، وهو ما تؤول إليه معظم هذه الأمور؟

ويضيف، "ما أعنيه، هو أن هذا المحتوى بات في كل مكانٍ الآن، ومن الصعب تجاهله. لكن عندما يتوقف الأسبوع المقبل، أو الأسبوع الذي يليه، فما مقدار ما سيبقى في الذاكرة من تلك الأسطورة، وما مدى الاهتمام الذي سيظل يحظى به... وهل سيغير طريقة تفكير الأميركيين بالعائلة المالكة؟".

المحققة المتقاعدة، تعود مرةً أخرى، على سبيل المثال، إلى التفكير بعقلانية، مسلطةً الضوء على حقيقة أن ثنائي ساسكس حصلا في الواقع على صفقاتٍ كافية تضمن لهما البقاء في منأى عن مآزق مالية وخيمة فورية.

وتختم بالقول "إذا كانت في حوزتك 10 ملايين دولار، فما من داع لأن تكون البلية المقبلة في المرصاد خلال وقت قريب. بالتالي فإن بإمكانهما أخذ قسط من الراحة".

© The Independent

المزيد من منوعات