يقف الاقتصاد الأميركي على بعد أيام من اختبار رفع سقف الدين الحكومي الذي يعود مجدداً إلى أروقة السياسة الأميركية، إذ سيحدد هذا السقف مدى إمكانية واشنطن على تخطي أزمة ديون هذه السنة، ويمنع حدوث مشكلة تخفيض التصنيف الائتماني.
وظهر الخلاف حول رفع سقف الدين بين المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ في الأيام الأخيرة، بعد أن طالب المتحدث باسم الكونغرس كيفن مكارثي الديمقراطيين بوضع حد للإنفاق الحكومي في الميزانية الجديدة لتجنب حاجة الولايات المتحدة للاقتراض من جديد وكسر سقف الدين.
سقف للدين الحكومي
وفي هذا السياق، قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إن واشنطن ستفرض على الأرجح حداً للدين الحكومي البالغ 31.4 تريليون دولار في 19 يناير (كانون الثاني) الحالي، وإن هذا الأمر سيجبر وزارة الخزانة على بدء إجراءات غير عادية لإدارة النقد بشكل يحول دون التخلف عن السداد حتى أوائل يونيو (حزيران) المقبل.
ويريد الجمهوريون الذين يسيطرون حالياً على مجلس النواب الضغط على الديمقراطيين لخفض فاتورة الإنفاق الحكومي في الميزانية، مستخدمين مشروع قانون سقف الدين كذريعة لمنع أية تشريعات توسعية في المصروفات العامة.
ذكريات سيئة لـ"وول ستريت"
وأوجد هذا الوضع مخاوف في "وول ستريت"، إذ يعيد الذكريات لمعركة طويلة بين الديمقراطيين والجمهوريين حول مشروع قانون سقف الديون، مثل تلك التي حدثت في عام 2011، والتي أدت إلى خفض لفترة قصيرة في التصنيف الائتماني للولايات المتحدة ودفعت الحكومة لتخفيض نفقاتها الفيدرالية والعسكرية لسنوات عدة.
وأنشأ الكونغرس الأميركي قانون سقف الديون في عام 1917 لمنح الحكومة مرونة أكبر في الاقتراض، إذ يجب أن يوافق على كل زيادة في هذه الديون ضمن سقف محدد، حتى يضمن أن تفي الولايات المتحدة بالتزاماتها تجاه المقرضين وتتجنب التخلف عن السداد بشكل كارثي.
ما الذي يحرك الخلاف؟
وهناك أسباب سياسية واقتصادية تحرك الصراع الدائم حول سقف الإنفاق والديون في كل مرة يحتاج فيها إلى إقرار الميزانية. فسياسياً، سيطر الجمهوريون على مجلس النواب في الانتخابات النصفية التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بينما سيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ، وهذا ما أضعف الديمقراطيين الذين كانوا مسيطرين على مجلس النواب منذ انتخاب الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن قبل عامين. ويحاول الجمهوريون عرقلة مشاريع الديمقراطيين الخاصة بزيادة الإنفاق عبر رفع الضرائب لمنعهم من تحقيق مكتسبات اجتماعية على حساب المال العام.
أصل الخلاف
لكن الخلاف بين الطرفين له أساس أيديولوجي عقائدي لكل حزب. فعندما يتسلم الديمقراطيون الحكم، فهم يصرون على تمرير سياسات إنفاق أكبر عن طريق زيادة الضرائب. فهم يؤمنون عموماً بدور أكبر للحكومة في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وقد يدفعون من أجل زيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعية والبنية التحتية. وهم يعتقدون أن هذه السياسات ضرورية لمعالجة قضايا مثل الفقر وعدم المساواة وعدم كفاية البنية التحتية.
على خلاف ذلك، يرفض الديمقراطيون رفع الضرائب لزيادة الإنفاق، فهم يؤمنون بضرورة أن تكون الضرائب أقل لتحفيز رأس المال على المخاطرة والتوسع، كما يعتقدون أن خفض الإنفاق وتقليص حجم الحكومة هو أفضل طريقة لمعالجة قضية الدين الحكومي.
الأسباب الاقتصادية
ومن الناحية الاقتصادية، يؤمن الجمهوريون باقتصادات السوق، والتي تنص على أن خفض الضرائب يحفز النمو الاقتصادي، حيث سيؤدي بدوره إلى زيادة الإيرادات والمساعدة في تقليل العجز.
وخلافاً لذلك، يرى الديمقراطيون أن سياسات مثل الضرائب التصاعدية ضرورية لضمان أن الأثرياء يدفعون نصيبهم العادل، وأن العبء الضريبي يتم توزيعه بشكل عادل، كما يعتقدون أن زيادة الإنفاق العام، مثل الإنفاق على البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية، هي استثمارات ستؤتي ثمارها على المدى الطويل من خلال تحسين الاقتصاد العام ورفاهية المجتمع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويخلق هذا الاختلاف في وجهات النظر أحياناً جموداً سياسياً ومشكلات اقتصادية، فعندما تكون الحكومة غير قادرة على تمرير الميزانيات أو الاتفاق على تدابير لخفض الديون، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الإنفاق الحكومي، وارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض ثقة المستثمرين، بالتالي يؤدي ذلك إلى ارتفاع مستوى الدين الحكومي، ويأخذ الاقتصاد نحو أزمة مالية. فإذا فقد المستثمرون الثقة في قدرة الحكومة على سداد ديونها، فقد يطالبون بمعدلات فائدة أعلى على السندات الحكومية، مما قد يجعل من الصعب على الحكومة تمويل ديونها.
أمثلة على الأزمات
وأحد الأمثلة على ذلك هي أزمة سقف الديون لعام 2011. ففي ذلك الوقت، كان الجمهوريون في الكونغرس يضغطون من أجل إجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق مقابل رفع سقف الديون، بينما كان الديمقراطيون يدافعون عن نهج أكثر توازناً يشمل خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات. وأدى الجمود السياسي إلى إغلاق الحكومة والتهديد بالتخلف عن سداد الديون الوطنية. وتسبب في انخفاض كبير في ثقة المستثمرين، مما أدى إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، وارتفاع أسعار الفائدة.
إضعاف الاقتصاد
وهناك مثال آخر ما حدث عند إغلاق الحكومة عام 2013، عندما رفض الجمهوريون في مجلس النواب تمرير ميزانية ما لم تتضمن أحكاماً لإلغاء تمويل قانون الرعاية الميسرة. وأدى الإغلاق الحكومي الناتج من ذلك إلى فقدان نحو 0.6 في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع من عام 2013.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك حزمة التحفيز لمواجهة جائحة كورونا لعام 2020، حيث اتفق الطرفان على الحاجة إلى حزمة تحفيز. ومع ذلك، لم يتمكنوا من التوصل إلى اتفاق في شأن حجم ونطاق وتفاصيل الحزمة، مما أدى إلى عدة أشهر من المفاوضات والتأخير في تمرير الحزمة. وتسبب هذا التأخير في مزيد من الأضرار الاقتصادية للشركات والأفراد.