يشهد خط الجزائر - باماكو حركية دبلوماسية لافتة خلال الفترة الأخيرة، ربطها عديد الأطراف بما يحصل في مالي بين المجلس الانتقالي والحركات المسلحة من توتر سياسي بلغ حد التهديد برفض "اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة"، غير أن التوقيع على اتفاقات جديدة للتعاون الأمني والعسكري فتح المجال للحديث عن خطوة استباقية جزائرية لحماية حدودها.
تسمح الاتفاقات الموقعة بين البلدين برفع التنسيق والإسناد في مجال محاربة التنظيمات الإرهابية بمنطقة شمالي مالي على الحدود مع الجزائر، وكذلك توسيع دائرة تدريب القوات المالية وإمدادها بالمعدات اللوجيستية.
كشف ممثل قيادة الأركان الجزائرية اللواء بركالي توفيق، الذي قاد وفداً عسكرياً إلى باماكو في إطار أعمال الدورة الـ16 للجنة المشتركة الجزائرية المالية، أن "اللقاء المشترك سيؤدي إلى زيادة تعزيز التعاون العسكري بين البلدين في القتال الدؤوب ضد الجماعات الإرهابية المسلحة، وبمجال الدفاع بصفة عامة".
تحديد الأولويات
وأشار توفيق إلى أنه تم تحديد الاحتياجات ذات الأولوية على مستوى التدريب والمعدات، خصوصاً بالنسبة إلى الجيش المالي، وتحديد الأنشطة والتدريبات العسكرية المشتركة خلال العام الحالي 2023.
وتبع الزيارة الجزائرية تنقل وفد وزاري مالي يقوده كل من وزير الخارجية عبدولاي ديوب، والوزير المكلف المصالحة الوطنية واتفاق السلم العقيد إسماعيل واغي إلى الجزائر، كمبعوثين خاصين لرئيس دولة مالي العقيد أسيمي غويتا، حيث تم عقد لقاءات مع الرئيس الجزائري ووزيره للخارجية وبعض المسؤولين.
وعلى رغم التكتم الدبلوماسي، الذي رافق الوجود المالي في الجزائر، إلا أن نوعية الحضور تمنح بعض جوانب ما تمت مناقشته أهمية كبرى، ولعل الأمن والاستقرار وتنفيذ ما جاء في "اتفاق الجزائر" من أهم الملفات.
فيما ذهبت جهات إلى إدراج التنقل في سياق التحضير لزيارة مرتقبة لقائد السلطة الانتقالية في مالي العقيد أسيمي غويتا إلى الجزائر، وكان قد أعلنها الرئيس تبون نهاية الشهر الماضي من دون أن يحدد تاريخها.
حديث سابق لأوانه
في السياق ذاته يرى الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية عضو مركز أفريقيا للدراسات عمار سيغة أن توقيع اتفاقات التعاون العسكري بين الجزائر ومالي ليس بالجديد، بل يعود إلى سنة 2001 مع اتفاق تم توقيعه يتضمن تعزيز التعاون والتنسيق الأمني لمحاربة الجريمة العابرة للحدود والجماعات المسلحة التي اتخذت من الساحل الأفريقي ملاذاً آمناً من ملاحقات الجيش الجزائري، ليليه اتفاق آخر في 2005 لتعزيز قدرات الجيش المالي من حيث التدريب والتأهيل الميداني على مختلف الأسلحة وتكتيك مكافحة الجماعات المسلحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال سيغة، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إنه سادت هواجس الجيش الجزائري بعد 2011 بسبب الفوضى الأمنية التي عرفتها المنطقة العربية والحدود الجزائرية بالخصوص.
وأضاف أن الوجود العسكري الفرنسي شمال مالي بعد 2015 زاد من المتاعب، لا سيما مع العمليات العسكرية على معاقل الإرهاب بشمال مالي، التي أدت إلى فرار عناصر خطرة نحو تخوم الأراضي الجزائرية، مما شكل خطراً حقيقياً على قواعد حيوية لحقول الغاز والبترول في جنوب الجزائر.
وأشار إلى أن الحديث عن مشاركة الجيش الجزائري خارج الحدود الإقليمية على خلفية الاتفاق الأخير مع الجيش المالي سابق لأوانه، لأن الجزائر لا تزال تحافظ على عقيدتها في هذا السياق، إذ على رغم دسترة مشاركة الجيش الجزائري خارج الحدود، إلا أنه لا يمكن أن يخرج عن سياقات التدخل الإنساني أو في إطار قوات مشتركة أفريقية أو أممية، أو ملاحقة عناصر خطرة في إطار تنظيم تحكمه اتفاقات مسبقة.
وأوضح أن هذه الاتفاقات تبقى في سياقات التدريب والتعاون الاستخباري وتبادل المعلومات من أجل محاربة الجريمة العابرة للحدود والإرهاب.
أمل محدود
يبدو أنه لا أمل في استقرار قريب بمنطقة الساحل، لا سيما بشمال مالي، على رغم التفاؤل الذي تملك الماليين بمستقبل هادئ مع خروج آخر جندي فرنسي في أغسطس (آب) الماضي، على اعتبار أن الاعتداءات الإرهابية لا تزال مستمرة، واتفاق السلم والمصالحة أو ما يعرف بـ"اتفاق الجزائر" لا يزال يراوح مكانه، بل بات يؤرق السلطات الجزائرية بعد التطورات التي عرفها مع انتقادات حركات مسلحة.
وأعلنت تنسيقية حركات الأزواد وغالبية المجموعات المسلحة بشمال مالي، في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2022، تعليق مشاركتها في المراقبة وآليات تنفيذ "اتفاق الجزائر" للسلام الموقع عام 2015، وسط اتهامات للمجلس العسكري الحاكم في باماكو بعدم الالتزام ببنود الاتفاق، مشترطة عقد اجتماع دولي على أرض محايدة لبحث مستقبل اتفاق السلام، وهو ما أثار تخوفات من تفاقم الأوضاع الأمنية بشمال مالي.
قد يحدث وجود عسكري جزائري؟
إلى ذلك يعتبر أستاذ العلاقات الدولية المهتم بالشؤون الأفريقية مبروك كاهي أن التعاون العسكري بين البلدين لا يمكن تفسيره بانتقال قوات عسكرية جزائرية خارج الحدود لمجابهة الجماعات الإرهابية ومساعدة القوات المالية في تحييد خطرها أو بناء قواعد عسكرية لاستتباب الأمن.
وقال كاهي، في تصريح خاص، إن الأمر معقد لأنه مرتبط بالترتيبات الدستورية والتنظيمية، لكن يمكن تعزيز التعاون العسكري من خلال رفع البعثات العسكرية المالية التي تتكون وتتدرب في المدارس الجزائرية للزيادة من احترافية الجيش المالي بعناصر مؤهلة وذات كفاءة عالية.
وأشار إلى إمكانية إرسال مستشارين عسكريين جزائريين لتدريب القوات المالية، لا سيما تقنيات التعامل مع الجماعات الإرهابية، وكذلك تقديم مساعدات عسكرية في شكل معدات نقل وعربات لوجيستية وغيرها، وتوقيع اتفاق تصدير الصناعات العسكرية الجزائرية إلى مالي، ودعم القوات المالية بمعلومات لوجيستية واستخبارية عن تحركات الجماعات الإرهابية، وأخيراً المرافقة السياسية والتنموية.
ويرى كاهي أن اتفاق الجزائر خطى خطوات كبيرة لدعم السلم والمصالحة، وإذا كان فيه بعض الأطراف الضيقة منزعجة من ذلك فهذا لا يعني أنه على المحك، مبرزاً أنه في ظل الفوضى التي تعرفها المنطقة أمنياً ودستورياً وتدخل القوى الأجنبية وحتى الإقليمية يبقى وجود الجيش الجزائري بشمال مالي بالقرب من الحدود أمراً مستبعداً، لكن حال تحسن الأمور وعودة مالي للنظام الدستوري قد يحصل الأمر بالتنسيق بين البلدين لما يعود بالفائدة على الشعبين الشقيقين.