بينما كانت "أم محمد" تنتظر "الخير" مع مكاسب الجنيه المصري وخسائر الدولار، كانت الحكومة المصرية قد اتخذت القرار وأعلنت تحريك أسعار الوقود لتُشعل أسعار جميع السلع والخدمات مجدداً وتعود "أم محمد" إلى المربع "صفر" مع استمرار ارتفاع الأسعار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"أم محمد"، سيدة تعيش في إحدى محافظات صعيد مصر، وتعمل في بيع الخضراوات والفاكهة وتحاصرها الديون من كل مكان. لا تكترث بالشيكات التي توقعها للتجار بين فترة وأخرى طمعاً في تربية أبنائها الثلاثة بعدما تركها زوجها ليتزوج بأخرى ويتركها تواجه مصيراً غامضاً.
قبل ثلاثة أعوام كانت "أم محمد"، البالغة من العمر 43 عاماً، تترقب ما أعلنه الرئيس المصري من ضرورة الإصلاح الاقتصادي، وعلى الرغم من أنها لم تكمل أولى مراحل التعليم الابتدائي، لكن ظروفها الصعبة دفعتها إلى متابعة ما يحدث في مصر من تغيرات طمعاً في أن يأتي اليوم وتستريح فيه من الغلاء، وتوفر حياة بسيطة وآمنة لها ولأبنائها الذين لم يتجاوز أكبرهم عامه التاسع حتى الآن.
تقول لـ"اندبندنت عربية"، "إنها كانت تتابع الحكومة المصرية وهي تتحدث عن الإصلاح، على الرغم من أنها لا تعرف ماذا تعني كلمة (اقتصاد) أو (تضخم) أو (تنمية) أو (ناتج محلي)، وفي الوقت نفسه لم تكن تعرف ماذا تعني كلمة (دولار)".
وربما كانت المرة التي سمعت فيها أم محمد كلمة "دولار" حينما ارتبط بكلمة "التعويم" أو تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار، ومن وقتها والأسعار تصعد ولا تنخفض.
لكن مع الأخبار الجديدة وحديث برامج الـ"توك شو" المستمر عن تراجع قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري، ظلت تترقب أن تتراجع الأسعار التي بالفعل لم تنخفض، وربما لن تتراجع، وهي تتساءل طالما أن الدولار ينخفض مقابل الجنيه، فلماذا إذاً لا تتراجع الأسعار؟.
أزمة الاعتماد على الاستيراد في توفير مستلزمات الإنتاج
"مشكلة ارتفاع أسعار السلع لا تتعلق بشكل مباشر وبنسبة كبيرة بسعر صرف الدولار، لكنها تتمثل في عدم وجود رقابة حقيقية على الأسواق، وأيضاً استيراد نسبة كبيرة من مستلزمات الإنتاج بسعر الدولار خلال العام الماضي حينما كان سعر صرف الدولار في حدود 18 جنيهاً"، هكذا شخّص الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد رفعت أزمة الأسعار في مصر، التي لم تتراجع خلال الفترات الماضية على الرغم من خسائر الدولار.
وأوضح "أنه على الرغم من تحركات الحكومة المصرية ممثلة في وزارة المالية والبنك المركزي المصري نحو تقنين الواردات، لكن حتى الآن لا تزال فاتورة الاستيراد مرتفعة، حيث نعتمد على نسبة كبيرة من الخامات والمواد التي تدخل في الصناعة والزراعة الواردة من الخارج بالدولار، وهذه الخامات يتم التعاقد عليها واستيرادها قبل استخدامها بعدة أشهر".
وهو ما يشير إلى أن البضائع والمنتجات المطروحة في السوق حالياً تم استيراد جزء كبير من مكوناتها عندما كان سعر صرف الدولار مرتفعاً، وبالتالي لا يوجد أي مبرر في الوقت الحالي لهبوط الأسعار.
وأشار إلى "أن الحكومة المصرية تعمل حالياً على عدة أمور أخرى ربما أهم من موضوع ضبط الأسعار، مثل تفاقم عجز الموازنة وارتفاع الدين العام الخارجي والداخلي، وإصلاح الميزان التجاري، ودعم الصادرات المصرية لتعزيز احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي".
وأضاف "أن المشكلة أكبر من ارتفاع الأسعار، خصوصا مع الوضع في الاعتبار أن البنك المركزي المصري يستخدم الفائدة المرتفعة في سحب السيولة من السوق حتى لا يتسبب ارتفاع معدلات السيولة في استمرار زيادة أسعار السلع والخدمات، هذا بخلاف دعم الشركات وأصحاب الفوائض المالية في مواجهة الارتفاعات في الأجور، ولذلك فلا بديل عن زيادة الإنتاج حتى تتمكن الحكومة من ضبط الأسعار وإعادتها إلى معدلاتها الطبيعية".
التضخم يهوي لأدنى مستوى في 3 سنوات
وقبل أيام، كشفت نشرة الأرقام القياسية الخاصة بأسعار السلع الاستهلاكية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، "أن معدل التضخم العام لشهر يونيو (حزيران) الماضي، سجل تراجعاً على المستويين الشهري والسنوي، ليسجل على المستوى السنوي نحو 8.9%، مقابل 13.8% خلال نفس الفترة من العام الماضي، مسجلاً بذلك أدنى مستوى له في أكثر من 3 سنوات".
وكان معدل التضخم قد سجل 13.2% على أساس سنوي في شهر مايو (أيار) الماضي.
وعلى المستوى الشهري، أظهرت البيانات، "أن الرقم القياسي العام لأسعار السلع الاستهلاكية، بلـغ لإجمالي محافظات مصر مستوى 307.8 نقطة خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، مسجـلاً بذلك انخفاضاً تبلغ نسبته نحو 1% عن الأرقام المعلنة في شهر مايو (أيار) الماضي، والذي كان قد بلغ خلاله الرقم القياسي لأسعار السلع الاستهلاكية مستوى 311.1 نقطة".
وأرجع جهاز الإحصاء هذا الانخفاض في معدلات التضخم الشهري لشهر يونيو (حزيران) الماضي إلى "انخفاض أسعار مجموعة الخضراوات بنسبة 10%، وتراجع أسعار مجموعة اللحوم والدواجن بنسبة 1.2%، مع تراجع أسعار مجموعة الألبان والجبن والبيض بنسبة 0.6%".
هذا على الرغم من "ارتفاع أسعار مجموعة الأسماك والمأكولات البحرية بنسـبة 1.9%، مع ارتفاع أسعار مجموعة الفاكهة بنسبة 9.7%، ومجموعة الرحلات السياحية المنظمة بنسبة 11.4% ومجموعة الوجبات الجاهزة بنسبة 0.9%".
وقبل أيام، أعلنت الحكومة المصرية تحريك أسعار المحروقات والوقود، فيما يشير إلى عودة معدلات التضخم إلى الارتفاع خلال الفترة المقبلة، وبالتالي لن يشعر المصريون بأي آثار إيجابية لتراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري.
كم خسر الدولار مقابل الجنيه المصري في 2019؟
ومنذ بداية العام الحالي وحتى الآن، تراجع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري من مستوى 17.96 جنيه إلى نحو 16.55 جنيه في الوقت الحالي بنسبة تراجع تقترب من 8%.
وفي بيان لمؤسسة الرئاسة في مصر، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على "ضرورة انعكاس النجاحات المتحققة اقتصادياً على جودة وفاعلية الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، واستفادة جميع فئات الشعب من عوائد التنمية، خصوصا الفئات الأكثر احتياجاً"، مؤكداً في هذا الإطار "أن المؤشرات الاقتصادية الإيجابية تحققت بعطاء ووعي وصبر الشعب المصري".
ووجه الرئيس المصري خلال لقائه رئيس وأعضاء الحكومة المصرية، على "ضرورة مواصلة التركيز على تعزيز الطفرات في القطاعات الإنتاجية، وعلى رأسها الصناعة والتصدير والاستثمارات، وبما يعظم من استدامة معدلات النمو الاقتصادي والتشغيل، ويجذب المزيد من النقد الأجنبي لينعكس على التحسن في ميزان المدفوعات".
وخلال الاجتماع قالت وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، الدكتورة هالة السعيد، "إن معدل النمو الاقتصادي وصل إلى 5.6% خلال عام 2018 - 2019، كأفضل معدل يتحقق منذ 11 عاماً، وثالث أعلى معدل نمو على مستوى العالم خلال السنة المالية الحالية".
وبلغت الاستثمارات الكلية خلال هذه الفترة حوالي 940 مليار جنيه (56.79 مليار دولار)، منها حوالي 480 مليار جنيه (29 مليار دولار) استثمارات خاصة".
وأضافت "أن معدل البطالة انخفض إلى 8.1% في الربع الثالث من العام الحالي، مقارنة بحوالي 10.6% خلال نفس الفترة من العام الماضي، مع تواصل انخفاض معدلات البطالة النوعية، بما فيها استمرار انخفاض معدل البطالة للإناث، وتراجع مطرد في معدلات البطالة بالريف والحضر، بالإضافة إلى التناقص في نسبة المتعطلين من حملة المؤهلات".