تلقت الحكومة (البريطانية) تحذيراً من التأثير المدمر للإضرابات القطاعية المستمرة، إذ تشير التحليلات إلى أن هذه الإضرابات الأخيرة سببت ضرراً للاقتصاد قيمته ستة مليارات جنيه استرليني.
غير أن الضرر لا يقتصر على الاقتصاد، إذ من المقرر أن تتعرض المدارس لتعطيل كبير وأن يواجه المرضى في هيئة خدمات الصحة الوطنية لمزيد من التأخير بعد أن أعلنت النقابات إضرابات لقطاعي التمريض والتدريس في شهري فبراير (شباط) ومارس (آذار).
كما تواجه الحكومة إجراءات محتملة على مستوى القطاعات من موظفي سيارات الإسعاف وسائقي القطارات وعمال البريد ورجال الإطفاء ومسؤولي قوات الحدود وموظفي مراكز العمل وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية. وأخبر زعماء النقابات "اندبندنت" عن الدفع نحو مزيد من العمل "المنسق" في الأسابيع المقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبلغت التكلفة الاقتصادية للاضطرابات القطاعية التي شهدتها البلاد منذ الصيف الماضي ما لا يقل عن 6.6 مليار جنيه استرليني، وفقاً لتحليل "اندبندنت" لتقديرات رؤساء القطاعات والخبراء الاقتصاديين.
ويقدر مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال (CEBR) قيمة التأثير المباشر في إنتاج الشركات من أيام العمل الضائعة بـ 1.4 مليار جنيه استرليني في الأشهر الثمانية حتى يناير (كانون الثاني).
وقد كلفت الآثار الإضافية للإضرابات مثل الإضرابات في السكك الحديد الحانات والمطاعم والفنادق ما لا يقل عن 2.5 مليار جنيه استرليني من الخسائر التجارية منذ الصيف وفقاً لشركة "قطاع الضيافة البريطاني" UKHospitality. وقالت شبكة السكك الحديد إن الإضرابات كلفتها 400 مليون جنيه استرليني من إيرادات التذاكر المفقودة.
كما قدر مركز أبحاث البيع بالتجزئة أن تكلفة الإضرابات في السكك الحديد والبريد لتجار التجزئة في المملكة المتحدة ستزيد على 2.3 مليار جنيه استرليني لفترة عيد الميلاد ومبيعات يناير.
وقال الخبير الاقتصادي كارل تومسون "نحن نتأرجح على حافة الركود وأي نوع من الضغط الهبوطي الناجم عن الإضرابات سيكون له تأثير غير محمود في الاقتصاد".
وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة "قطاع الضيافة البريطاني" UKHospitality إن الصناعة ما تزال تعاني من "الأضرار الجانبية" الناجمة عن الخلاف المستمر مع قطاع شبكة السكك الحديد. وحثت الوزراء والنقابات على التوصل إلى اتفاق قائلة إن الخسائر "ببساطة لا يمكن تحملها".
وتشير أحدث الأرقام الرسمية إلى أن 467 ألف يوم عمل قد ضاعت بسبب الإضرابات في نوفمبر (تشرين الثاني)، ما رفع الموجة الحالية من الاضطرابات القطاعية إلى أعلى مستوى لها منذ 30 عاماً لم تشهده البلاد منذ أواخر عهد حكومة مارغريت تاتشر.
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية إن أكثر من 1.6 مليون يوم عمل ضاعت بسبب الإضرابات في عام 2022، وهو أعلى رقم سنوي منذ عام 1990، عندما خسرت البلاد 1.9 مليون يوم عمل.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يواجه فيه الآباء احتمال أخذ إجازة من العمل لرعاية أطفالهم، إذ يعكف الوزراء على وضع خطط مع مديري المدارس لإبقاء أكبر عدد ممكن من المدارس مفتوحة خلال سبعة أيام من الإضرابات بدءاً من الأول من فبراير (شباط).
وتخطط بعض المدارس لإعادة التعلم عبر الإنترنت وتأمل الحكومة أن تتمكن بعض الصناديق الاستئمانية للأكاديميات من تجميع مواردها مما يزيد من احتمال نقل بعض التلاميذ إلى أماكن مختلفة. وقال السيد تومسون: "إن الآثار غير المباشرة من حيث تغيب الآباء عن العمل لرعاية أطفالهم ستزيد من أي تكاليف ناجمة عن الإضرابات".
ومن المتوقع أيضاً أن يتكبد الطلاب خسائر في تحصيلهم التعليمي، إذ سيشارك أكثر من 70 ألفاً من موظفي الجامعة في إضراب لمدة 18 يوما خلال شهري فبراير ومارس (آذار)، حسبما أعلن اتحاد الجامعات والكليات في وقت سابق من هذا الشهر.
من المقرر أيضاً أن يتصاعد الاضطراب في هيئة خدمات الصحة البريطانية، إذ سيبدأ الممرضون والممرضات إضراباً آخر في 18 و19 يناير، وأعلنت الكلية الملكية للتمريض عن إضرابات أكبر في السادس و السابع من فبراير. ويدرس اتحاد النقابات العامة والبلدية GMB أيضاً اتخاذ مزيد من الإجراءات في صفوف موظفي سيارات الإسعاف بسبب عدم إحراز تقدم في المحادثات مع وزير الصحة ستيف باركلي.
وقلل قادة النقابات من أهمية الحديث عن "إضراب عام" يتم فيه تنسيق العمل القطاعي عبر قطاعات متعددة. لكن المعلمين وسائقي القطارات وموظفي الخدمة المدنية سيضرِبون جميعاً في "يوم تحرك" في الأول من فبراير.
وتتوقع نقابة الخدمات العامة والتجارية تصعيداً "كبيراً" في الإضرابات المتزامنة اعتباراً من مارس إذا ظلت الحكومة غير راغبة في التفاوض على صفقات تحسين الأجور للعام الحالي.
وقال مارك سيروتكا الأمين العام للنقابة لـ"اندبندنت": "إن النقابات ستعمل معاً بشكل أوثق"، وقد رتبت نقابته أكبر إضراب لها على الإطلاق خلال "يوم التحرك" في الأول من فبراير سيشهد خروج 100 ألف موظف مدني من عشرات الوكالات الحكومية.
ويواجه المسافرون مزيداً من فوضى السفر عندما يضرب موظفو حرس الحدود في كل مطار وميناء في البلاد. ويشمل ذلك ميناء دوفر، أكثر الموانئ ازدحاماً في البلاد، حيث حذرت نقابة الخدمات العامة والتجارية من مشكلات "كبيرة" محتملة للشحن وحركة المرور.
وبعد أشهر من الفوضى في قطاع السكك الحديدية، هناك أمل في التوصل إلى اتفاق لحل النزاع الذي عطل ملايين رحلات القطارات ومترو الأنفاق.
وقد وافقت نقابة السكك الحديد والبحرية والنقل على العمل مع رؤساء القطاع من أجل الخروج بعرض جديد. لكن سائقي القطارات في نقابة أسليف للسكك الحديد سيضربون مرة أخرى في الأول والثالث من فبراير بعد أن رفضت نقابتهم صفقة الأجور.
وقالت الأمينة العامة المساعدة لاتحاد النقابات كيت بيل: "لا أحد يأخذ قرار الإضراب باستخفاف، إذا لم نصلح أزمة التوظيف في خدماتنا العامة، فإن التكلفة على صحة أمتنا واقتصادها ستكون أكبر بكثير من أي تحرك قطاعي".
وأضافت: "الضربة الحقيقية للاقتصاد سببها 12 عاماً من سوء الإدارة التي مارسها حزب المحافظين إلى جانب جمود النمو ومستوى المعيشة".
كما يواجه العمال المضربون تكاليف متزايدة لأنهم يتخلون عن أجورهم لأيام الإضراب، وتقدم النقابات التي تمثل عمال هيئة خدمات الصحة البريطانية ما يصل إلى 50 جنيهاً استرلينياً يومياً للموظفين المضربين عن العمل. وقد ناشدت النقابة الوطنية لعمال السكك الحديد والنقل البحري والبري الجمهور للتبرع لمساعدة الموظفين الذين يعانون من "خصومات خطيرة".
لكن قادة النقابات أكدوا أنهم لن يستسلموا وأصروا على أن التفويضات ستجدد لمدة ستة أشهر للتحرك القطاعي وأن الاضطرابات سوف تتصاعد طوال عام 2023 إذا رفضت الحكومة التفاوض بشأن الخلافات الحالية.
ويحث الوزراء رؤساء نقابات القطاع العام على "التطلع إلى الأمام" في عملية مراجعة الأجور في العام المقبل، على رغم أن باركلي أشار إلى أنه قد يكون على استعداد للنظر في "رفع" مكافآت أجور العام المقبل لموظفي هيئة خدمات الصحة الوطنية إذا تبين وجود وفورات متأتية عن الكفاءة.
ولا يزال التعاطف مع العمال المضربين قوياً، وأظهر استطلاع للرأي أجرته "اندبندنت" في نهاية الشهر الماضي أن 63 في المئة سيدعمون ممرضي وممرضات هيئة خدمات الصحة الوطنية لاتخاذ مزيد من الإجراءات في عام 2023، وفقاً لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة سافانتا. إضافة إلى ذلك، أعرب عدد أكبر من الناخبين عن دعمهم للإضراب القطاعي من قبل المعلمين وموظفي السكك الحديد وسائقي الحافلات وعمال البريد أكثر من أولئك الذين عارضوا.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، وجد استطلاع للرأي أن غالبية البريطانيين يواصلون دعم الممرضات والممرضين وموظفي سيارات الإسعاف المضربين. وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة "يوغوف" الإثنين، أن 51 في المئة من الناخبين يؤيدون المعلمين الذين سيشاركون في الإضراب.
© The Independent