ما إن وصل رئيس الاستخبارات العامة في مصر اللواء عباس كامل العاصمة السودانية الخرطوم في الثاني من يناير (كانون الثاني)، حتى بدأت مجالس السودانيين تتهامس عن سر هذه الزيارة في وقت تشهد الساحة السياسية توتراً وانقساماً حول الاتفاق الإطاري الذي وقع في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) بين المكون العسكري ومجموعة من المدنيين بقيادة قوى "الحرية والتغيير" (المجلس المركزي) لتأسيس سلطة مدنية في البلاد تنهي الأزمة السياسية التي استمرت لأكثر من عام بسبب انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ليعلن بعدها الجانب المصري دعوته كل الأطراف السودانية لورشة عمل تستضيفها القاهرة خلال الفترة من الأول حتى الثامن من فبراير (شباط) بعنوان "آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع"، وذلك بهدف إيجاد منبر لحوار يؤدي لتوافق سوداني - سوداني.
لكن كيف ينظر المراقبون السياسيون للمبادرة المصرية من ناحية إحداثها خرقاً أم انقساماً في المشهد السوداني؟
مشاركة واسعة
يقول الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية اللواء ركن بالمعاش أمين إسماعيل مجذوب "في تقديري أن المبادرة المصرية الخاصة بتقريب وجهات النظر لإكمال التسوية السياسية في السودان، ككل المبادرات الدولية والإقليمية التي تم رفد الساحة السياسية بها كالمبادرة السعودية - الأميركية، والآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد، فضلاً عن المبادرات المحلية، لكنها أي المبادرة المصرية، ربما تأخرت كثيراً في طرق باب الأزمة السودانية، ويرجع ذلك لانشغال القاهرة بأزمتها الاقتصادية، وملفات تخص القضية الفلسطينية والأوضاع في غزة والحرم الأقصى، بيد أننا في السودان نعتبر مصر جارة شقيقة تربطنا بها علاقة تاريخية منذ عشرينيات القرن الماضي، بالتالي لديها علاقات أفقية ورأسية مع كل أطراف أزمة البلاد السياسية".
وأضاف "ما طرحته القاهرة من ملاحظات أثناء زيارة رئيس استخباراتها العامة اللواء عباس كامل للخرطوم مطلع يناير الحالي، تتمثل في أن تكون هناك مشاركة واسعة للقوى السياسية السودانية في الاتفاق السياسي النهائي المرتقب. ودعت لاستضافة ورشة عمل تقود لحوار سوداني- سوداني بين الفرقاء السودانيين. وقد سبق أن أيدت الخارجية المصرية في بيان لها الاتفاق الإطاري على أمل أن يؤدي إلى إنهاء هذه الأزمة، ومن ثم تم توضيح من الجانب المصري بأن ما قدمته مصر ليس مبادرة إنما هو تقريب لوجهات النظر بين أطراف الأزمة السودانية".
توتر الأجواء
وتابع مجذوب "بالتالي إذا كان المقصود هو تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين فلا خلاف في ذلك، لكن إذا كان الأمر يتعلق بمبادرة، فأعتقد أن بعض أطراف الأزمة السودانية بخاصة الكتلة الديمقراطية، تمسكوا بها وحاولوا جعلها واحدة من أركان هذه الأزمة في حال تم قبولها أو رفضها، وهو أمر يزيد من التوتر في المشهد السوداني، ورأينا ذلك في بيان قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) الذي رفض الدعوة المصرية للمشاركة في ورشة العمل مع توضيح أسباب الرفض، لذلك أرى أنه يجب عدم تحميل الجهد المصري أكثر مما يجب، فالذين يضعون الدعوة أو المبادرة المصرية مقابل المبادرة السعودية - الأميركية يسعون إلى توتير الأجواء".
واستبعد أن تكون المبادرة المصرية مجرد محاولة ومسعى لتعويق التسوية بوضع عراقيل أمام الوصول إلى اتفاق نهائي ما لم تثبت وقائع على الأرض، فهذه المبادرة وجدت ضوءاً أخضر من القوى الدولية الفاعلة، كمحاولة لتجميع أكبر قدر ممكن من المكونات السياسية السودانية للتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي، على رغم أن قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) قسمت هذه المكونات إلى ثلاث فئات: قوى الانتفاضة، والقوى التي شاركت مع النظام السابق، والقوى الداعمة لانقلاب 25 أكتوبر، وهي تقسيمات فيها نوع من التمييز السلبي.
وأردف الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية قائلاً "نعلم أن المكون العسكري لم يعلن رأيه حتى الآن في المبادرة المصرية رفضاً أو قبولاً بها، نظراً إلى حساسية الأمر، لكن في رأيي أن ما نادت به هذه المبادرة يتماشى مع رؤية القوات المسلحة بتوسيع الماعون الخاص بالاتفاق الإطاري لضم بقية القوى السياسية في البلاد ما عدا حزب المؤتمر الوطني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحريك الجمود
في المقابل، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم الزمزمي بشير، أن المبادرة المصرية جاءت في الوقت المناسب نظراً إلى عدم إجماع الطيف السياسي السوداني سواء من اليمين أو اليسار على الاتفاق الإطاري، الذي وقع أخيراً بين المكونين العسكري والمدني، بالتالي تعد هذه المبادرة فرصة مواتية لتحريك الجمود الذي أصاب العملية السياسية في البلاد، لا سيما أنها محسوبة الخطوات.
وواصل بشير "في نظري أن فرصة نجاح المبادرة المصرية أكثر من الاتفاق الإطاري لما للقاهرة من تأثير على معظم القوى السياسية السودانية، إذ ظلت لأكثر من 70 عاماً شريكاً في حكم السودان، فضلاً عما تحظى به من دعم دولي بخاصة من جانب واشنطن، لكن عموماً أياً كانت المبادرات فإذا أسهمت في لم الشمل وتحقيق الاستقرار وتكوين حكومة مدنية تقود لانتخابات عامة، فهو المطلب السياسي الأول في البلاد".
ومضى بالقول "صحيح أن مصر تتحرك باتجاه مصالحها الأمنية والاستراتيجية والاقتصادية، لكنها ليست بعيدة عن الأمن القومي السوداني، فهي تتضرر من حدوث أي خلل في السودان أمنياً وسياسياً، بالتالي فهي تريد جمع كل الخيوط لإحداث خرق في العملية السياسية السودانية، وإن كان هناك تحديات وعقبات ستواجهها لكن باستطاعتها التغلب عليها".
واستبعد أستاذ العلوم السياسية أن تكون القاهرة تسعى إلى إعادة تجربتها السياسية في السودان، فهي تعرف تماماً اختلاف البيئتين السياسيتين والاجتماعيتين في كلا البلدين، وأنه من الصعب بمكان حدوث ذلك، فمصر تريد فقط أن تلعب دوراً يدفع إلى إنجاح التوافق السوداني- السوداني الذي يضمن استقرار البلاد سياسياً.
الانتفاضة المضادة
وكانت قوى "الحرية والتغيير" أعلنت رفضها المشاركة في الورشة المزمع عقدها في القاهرة ضمن ما عرف بالمبادرة المصرية، مبينة أن الاتفاق الإطاري وضع أساساً جيداً لعملية يقودها ويمتلكها السودانيون، إذ شكلت اختراقاً في مسار استرداد التحول المدني الديمقراطي.
وقالت في بيان لها إن "التقدم في الاتفاق الإطاري يجعل الورشة متأخرة عن هذا السياق، وقد تجاوزها الزمن فعلياً"، موضحة أنها تلقت دعوة من الحكومة المصرية عبر القنصل العام في سفارتها بالخرطوم، للمشاركة في ورشة عمل تعقد في القاهرة خلال الفترة من الأول حتى الثامن فبراير بعنوان "آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع".
ورأى البيان أن الورشة تشكل منبراً لقوى الانتفاضة المضادة التي تأمل أن تحتشد في المبادرة المصرية لتقويض الجهود الشعبية السودانية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي، مؤكداً أن هذه القوى مرتبطة بالنظام السابق الذي أضرت سياساته بالبلدين وشعبيهما.
وجددت قوى "الحرية والتغيير" ترحيبها في الوقت نفسه بكل الجهود الدولية والإقليمية لدعم مسار العملية السياسية التي تأسست على الاتفاق الإطاري، وتقدمت خطوات مهمة ببداية المرحلة النهائية التي أنجزت أول مؤتمراتها، لافتة إلى أن جميع القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري تنتظم في عمل دؤوب لاستكمال قضاياها والوصول بأسرع ما تيسر لحل ديمقراطي عادل، يعبر عن آمال الشارع وتطلعاته، وتتمثل فيه المطالب الجوهرية التي قامت من أجلها انتفاضة ديسمبر.