شهدت المملكة المتحدة مغادرة 1400 فرد من أصحاب الثروات المرتفعة في عام 2022، مع استمرار تدفق الأثرياء خارج البلاد منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" وسط مناخ سياسي مضطرب واقتصاد منهك.
ووجد تقرير جديد صادر عن شركة استشارات المواطنة "هينلي أند بارتنرز" أوردته "بلومبيرغ"، أنه كان هناك تدفق للخارج لـ1400 من أصحاب الثروات التي تتجاوز مليون دولار من المملكة المتحدة في عام 2022، مقارنة بـ2200 ثري في عام 2019 و2800 ثري في عام 2018 و4200 ثري في عام 2017، بإجمالي 10600 ثري مغادر.
ولم تعد بريطانيا العظمى وعاصمتها لندن في قلب رغبات ومصالح عديد من الأثرياء الذين يفضلون الانتقال إلى مكان آخر، فلا يزال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من بين الأسباب، ولكن أيضاً العقوبات ضد الأوليغارشية الروسية، كما انخفضت الرغبة في الاستثمار في الشركات والعقارات الفاخرة والاستفادة من الخدمات المصرفية للمدينة في السنوات الأخيرة.
ووفقاً لـ"هينلي أند بارتنرز"، فإن هروب الأثرياء بدأ بعد فترة وجيزة من التصويت في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، حيث أسهم تصويت البريطانيين لصالح وداع الاتحاد الأوروبي في فقدان أهمية لندن المركزية على المستوى العالمي.
وأجبر عديد من المصرفيين، على سبيل المثال، من قبل أرباب عملهم على الانتقال إلى بلد أوروبي بعد انتقال شركاتهم إلى مركز مالي آخر في القارة، مثل أمستردام أو باريس أو فرانكفورت.
المناخ الاقتصادي الدولي
من بين الأسباب وراء فرار الأثرياء من بريطانيا تشديد اللوائح المتعلقة بأصل رأس المال الأجنبي (بما في ذلك قواعد مكافحة غسل الأموال) والعقوبات البريطانية ضد الدول التي دخلت في علاقات سيئة مع الغرب.
كان الصينيون والعرب قد استثمروا مبالغ كبيرة من رؤوس الأموال في المملكة في الماضي، وكانت لندن منذ فترة طويلة قطب جذب للأثرياء الروس الذين اشتروا مع غيرهم من الأثرياء عقارات فاخرة ساعدت على تضخيم فقاعة العقارات، إلى أن دخلت العلاقات مع موسكو في أزمة، لا سيما بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا وموجة العقوبات المفروضة على رجال الأعمال الروس البارزين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ذلك، فإن استقرار أصحاب الملايين في المملكة المتحدة لا يزال سمة من سمات الدولة، فهناك 737 ألف ثري في البلاد، ولكن تظهر اليوم وجهات مفضلة جديدة للأثرياء.
وبحسب "هينلي أند بارتنرز" فقد استقطبت الإمارات، وخصوصاً دبي، أكبر تدفق من أصحاب الملايين العام الماضي.
ومن بين العوامل الداخلية التي تقلل من جاذبية بريطانيا عدم الاستقرار السياسي الذي اتضح العام الماضي مع ثلاثة تغييرات في القيادة السياسية في غضون بضعة أشهر، وكذلك الركود في وقت يكافح فيه للتعافي في مختلف القطاعات، ناهيك بموجة الاضطرابات التي اجتاحت مختلف القطاعات في البلاد وعلى رأسها الصحة والنقل والتعليم.
المستثمرون يتجنبون بريطانيا
من جانبه، حذر رئيس الصناعة البريطانية من أن المستثمرين العالميين يتجنبون بريطانيا لأن الحكومة ليس لديها خطة اقتصادية متماسكة وتفشل في مواكبة التغيرات في السياسات الاقتصادية العالمية.
وقال المدير العام للاتحاد البريطاني للصناعة (CBI) توني دانكر "المال يغادر المملكة المتحدة". أضاف أن "عدد المستثمرين يتجمد، وجوهر المشكلة هو أنه ليس لدينا استراتيجية".
في الوقت الذي تقوم فيه جميع الاقتصادات والتكتلات الرئيسة في العالم المتقدم بإطلاق برامج استثمارية عملاقة مدعومة باستراتيجية صناعية، لتغيير معالم الاقتصاد العالمي بشكل جذري، تقوم المملكة المتحدة بانتهاج سياسة التقشف المالي.
وكان دانكر قد تحدث على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الذي اختتمت أعماله، أمس الجمعة، بالقول "لقد رفع جو بايدن مستوى المنافسة 100 مرة مع قانون خفض التضخم، وكذلك أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية التي قامت بخطوات لدعم الاستثمار، هذا في نفس الوقت الذي انهارت فيه شركة (بريتيش فولت) في بريطانيا، وهي شركة مهمة في تصنيع بطاريات الليثيوم".
وأضاف "أميركا وأوروبا يتجهان نحو الاقتصاد الأخضر، ولكن ما الأجندة في بريطانيا في ظل هذه الحكومة؟ رغم إمكانات إنتاج الطاقة المتجددة في بحر الشمال".
وقال دانكر، إن المملكة المتحدة يجب ألا تحاول التنافس مع الإعفاءات والامتيازات الضريبية التي قدمها بايدن، ولا ينبغي لها أيضاً أن تحاول مطاردة حزمة الاتحاد الأوروبي المتزايدة باستمرار من الصفقات الخضراء والإعانات الصناعية، "الحقيقة المروعة هي أننا سنخسر حرب الدعم، لقد استنفدنا كل طاقتنا في جمع الضرائب لسد الثغرات، لذا يتعين علينا إيجاد روافع أخرى".
وقال رئيس الاتحاد البريطاني للصناعة "نحن بحاجة إلى إصلاح للحكومة حتى لا نقوم باستمرار بضخ الأموال في دلاء مثقوبة، وهذا يجعل من المهم بشكل مضاعف أن نجعل بريطانيا مكاناً أكثر جاذبية للاستثمار بنظام ضريبي تنافسي".
وبدلاً من ذلك، رفعت المملكة المتحدة ضريبة الشركات بمقدار ست نقاط مئوية إلى 25 في المئة– وهي أحد المستويات الأعلى ما بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- وتجاهلت مناشدات "الخصم الفائق" على الاستثمار الجديد للحد من الضرر الاقتصادي، ويتناقض هذا بشكل رهيب مع الإعفاءات الضريبية التي لا تقاوم لخطة بايدن في الولايات المتحدة.
وقال دانكر "إذا كنا سندخل المنافسة بشجاعة، فما الخطة؟ عندما تتحدث إلى الشركات اليابانية أو شركات الطاقة، فإنها لا تعرف ما خطة النمو وإلى أين تتجه بريطانيا. إنهم بحاجة إلى عرض قابل للاستثمار".
وأضاف، أن الرأي السائد لأعضاء الاتحاد البريطاني للصناعة، أن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، قد فشل في الانتقال إلى لاقتصاد الأخضر، وهو أكبر محفز للنمو في العصر الحالي "الجميع يعتقد أن سوناك غير مهتم بالاقتصاد الأخضر ولا يفهمون السبب".
ويرى رئيس الاتحاد البريطاني للصناعة، أنه ينبغي على حكومة بلاده أن تتجنب الطريق المسدود المتمثل في جذب مستثمرين جدد، وهي أكثر أنواع السياسة الصناعية إهداراً للموارد، ولكن الأفضل تركيز مواردها الشحيحة على رعاية قصص النجاح الحالية.
وتابع قائلاً "ربما تكون أسوأ علامة بارزة في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الذي استمر لخمسة أيام، هو أنه لم يكن هناك حديث عن بريطانيا على الإطلاق، حيث بدا الأمر كما لو أن الجزيرة قد اختفت في البحر".