يشكل ملف المهاجرين العراقيين في أوروبا نسبة كبيرة من اهتمامات الحكومات المتعاقبة بعد هزيمة تنظيم "داعش" في العراق، الذي تسبب في ازدياد أعداد المهاجرين نحو القارة الباردة، مشكلين نسبة سكانية لا تقل ثقلاً عن السكان الأصليين لتلك البلدان.
ويعد ملف المهاجرين العراقيين مشتركاً بين العراق ودول الاتحاد الأوروبي خلال المباحثات التي يجريها الطرفان، كان آخرها بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالعاصمة الألمانية برلين، في 13 يناير (كانون الثاني) الحالي، أوضاع المهاجرين العراقيين في ألمانيا، وتشكيل لجنة مشتركة تمهد الطريق لعودتهم الطوعية إلى بلدهم.
وتشير أرقام الحكومة الألمانية إلى أن أعداد العراقيين المقيمين أو طالبي اللجوء في ألمانيا نحو ربع مليون عراقي، محتلين المركز الخامس للاجئين المقيمين في ألمانيا بعد القادمين من سوريا وكوسوفو وألبانيا وصربيا.
وكانت جمعية "المهاجرين العائدين من أوروبا" في إقليم كردستان، كشفت في وقت سابق، أن قرابة 20 ألف مواطن من الإقليم هاجروا إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال عام 2022.
وتسببت الأوضاع والاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية التي شهدها العراق خلال العقود الأخيرة في ازدياد نسبة هجرة مواطنيه إلى الخارج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس الجمعية بكر علي في مؤتمر صحافي إن "19 ألفاً و200 مواطن من إقليم كردستان هاجروا إلى أوروبا من طريق السواحل التركية والحدود البيلاروسية".
وأشار إلى "تسجيل ظواهر عدة للحصول على تأشيرة الدخول، منها بمقابل مالي، أو كما هو منتشر بشكل ملحوظ من الحصول على تأشيرة الدخول البوسنية"، مبيناً أن "المواطنين قصدوا دول الاتحاد الأوروبي عبر هذين الطريقين".
وتابع أن "2300 شخص من سكان إدارة منطقة رابرين المستقلة من المواطنين المهاجرين من إقليم كردستان إلى أوروبا"، واصفاً المنطقة بأن "لها حصة الأسد في الهجرة وتكبد الخسائر البشرية بين صفوف المهاجرين".
ونوه إلى أن "29 مواطناً غالبيتهم من فئة الشباب، لقوا حتفهم خلال محاولة الهجرة إلى أوروبا عام 2022، من بينهم سبعة أشخاص من سكان إدارة منطقة رابرين"، مضيفاً "تمكنا من إعادة جثث بعض الذين قضوا أثناء الرحلة، وجزء منهم ما زال مفقوداً، ونبذل الجهود مع حكومة الإقليم لإعادة جثثهم".
خطوة إيجابية
ووصف الباحث السياسي علي البيدر خطوة التفاهمات بين بغداد وبرلين حول عودة اللاجئين بـ"الإيجابية"، مشيراً إلى أنها "من الممكن أن تسهم في إعادة المهاجرين، لكن يجب ألا تؤثر في ملف رافضي العودة".
وزاد، "اليوم الأوضاع في العراق تسمح بعودة المهاجرين، لكنها ليست مثالية"، مبيناً أن "المهاجرين يرفضون العودة ليس لشيء، بل لأنهم اعتادوا العيش في تلك الدول والمجتمعات، لما تمتلكه من نظام وقوانين".
وتابع "إذا نجحت الحكومة الحالية في تطبيع الأوضاع في البلاد والقضاء على الفوضى، فإن جميع المهاجرين سيعودون إلى البلاد طواعية"، لافتاً إلى أن "الدول الغربية بحاجة إلى المهاجرين كأيد عاملة ولن تفرط بهم".
وأعرب البيدر عن أمله بعدم توظيف هذا الملف مستقبلاً في إجبار المهاجرين على العودة، داعياً الحكومة إلى تقديم امتيازات وإغراءات تجبر المهاجرين على العودة، كالقروض والتوظيف وتسهيل إجراءات الحصول على أوراق رسمية.
دوافع الهجرة
وللهجرة دوافع اقتصادية واجتماعية، وفق ما يؤكد أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، مضيفاً أن "هجرة العراقيين إلى أوروبا مرت بموجات عدة، الأولى خلال فترة الثمانينيات وأكثرهم من المعارضين السياسيين الذين استلموا الآن مناصب في الحكومة العراقية الحالية، أما الموجة الثانية فكانت في فترة الحصار الاقتصادي خلال تسعينيات القرن الماضي، والموجة الكبرى كانت بين عامي 2006 و2008 بعد الاحتلال الأميركي واندلاع موجة العنف الطائفي، وفي هذه السنوات فتحت ألمانيا وبقية الدول الأوروبية أبوابها للعراقيين".
ويلفت السعدي إلى أن "ما يدفع العراقيين للاستقرار في ألمانيا، وأيضاً بعض الدول الإسكندنافية، كونها من دول الرفاهية التي تحترم الإنسان وتوفر كل الخدمات العامة، إضافة إلى الدعم الاقتصادي للاجئين".
ويتابع "في بدايات الهجرة خلال السنين السابقة، وفرت هذه الدول للاجئين عند وصولهم المسكن والغذاء والمعيشة، وبعد ذلك بدأ من حصل على الإقامة رحلة الاندماج في المجتمع بتعلم اللغة ومعادلة الشهادة ثم البحث عن عمل، وساعدته على ذلك دائرة التوظيف التي تعمل على تطوير قدرات اللاجئين للحصول على حرفة معينة للعمل بها والعيش بكرامة، لكن الوضع تغير الآن بشكل كبير"، عازياً ذلك إلى الاستقرار الأمني النسبي في العراق، حتى إن مفوضية اللاجئين لم تصدر في تقريرها السنوي الأخير ما يشير إلى خطورة على المواطنين في العراق بعد أن كانت تفيد في تقاريرها بأن المدنيين أصبحوا هدفاً يومياً لأعمال العنف.
ووفقاً لأستاذ الاقتصاد الدولي، فإن "تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في ألمانيا وبقية الدول الأوروبية بسبب الحرب الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا، التي ألقت بظلالها على الاقتصاد في معظم الدول الأوروبية التي تعاني أزمات التضخم والطاقة، أدى إلى إغلاق عديد من المعامل والشركات التي سرحت أعداداً هائلة من العاملين فيها، ومعظمهم لاجئون".
ويرى السعدي أن "الحكومة الألمانية اليوم تشجع عودة اللاجئين العراقيين إلى بلدهم بتقديم مساعدات مالية تصل إلى ثلاثة آلاف يورو (نحو 3.26 ألف دولار) للعائلة الواحدة، إضافة إلى فتح مراكز مساعدة تقدم المشورة والدعم للعائدين من قبل السلطات الألمانية، ومن المتوقع أن تسفر زيارة السوداني إلى تعاون بين بغداد وبرلين، لتوفير فرص العمل والتوظيف لهم في العراق، وهذا هو الكلام المتداول في الإعلام، لكن في المقابل فإن فكرة العودة لدى كثير من العراقيين تشكل هاجساً مقلقاً، لأن وضع العراق هش، واقتصاده يعتمد فقط على النفط، وهناك نسب كبيرة من البطالة في البلاد، إضافة إلى انخفاض الدينار أمام الدولار، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر والتضخم".
يعتقد السعدي أن "قرار العودة بشكل طوعي سيعتمد على ظروف الشخص في ألمانيا، بمعنى أن الذين حققوا نجاحاً هناك من خلال الدراسة أو العمل والاندماج في المجتمع الألماني لن يعودوا إلى العراق، أما الذين يعانون صعوبات، مثل عدم الحصول على الإقامة والجهل باللغة وعدم إيجاد فرصة عمل والحنين إلى الوطن بسبب وجود عوائلهم في العراق، فسيكون قرار العودة أفضل بالنسبة إليهم".