ادعى المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب)، القاضي طارق البيطار على أربعة قضاة بينهم النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات في قضية انفجار مرفأ بيروت، في إجراء غير مسبوق رفضته النيابة العامة التمييزية اليوم الثلاثاء، ما ينذر بأزمة قضائية وسط ضغوط سياسية عرقلت التحقيق منذ انطلاقه.
وعلى رغم عشرات الدعاوى التي طالبت بعزله وعلّقت تحقيقاته منذ أكثر من عام، استأنف البيطار الاثنين تحقيقاته في الانفجار.
وحدّد الثلاثاء مواعيد لاستجواب 13 شخصاً مدعى عليهم، على أن تحصل في الفترة الممتدة بين السادس و22 من من فبراير (شباط)، في إطار دعاوى حق عام "بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي"، من دون تفاصيل محددة حول المآخذ على كل من المدعى عليهم.
رد عويدات
وجاء تحديد مواعيد الاستجواب غداة ادعائه على ثمانية أشخاص، بينهم النائب العام التمييزي غسان عويدات، إضافة الى ثلاثة قضاة آخرين، في إجراء غير مسبوق في تاريخ لبنان، البلد الذي تسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب منذ عقود وتعطل التدخلات السياسية عمل المؤسسات الدستورية والقضائية.
ورد عويدات الثلاثاء برفض كافة قرارات البيطار. ووجه كتاباً الى "المحقق العدلي المكفوفة يده"، وفق تعبيره، وجاء فيه "نؤكد أن يدكم مكفوفة بحكم القانون ولم يصدر لغايته أي قرار بقبول أو برفض ردّكم أو نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامكم".
وقال عويدات لوكالة الصحافة الفرنسية، "لم نتبلغ قرار البيطار باستئناف عمله سوى عبر الإعلام، وبما أنه اعتبرنا كنيابة عامة غير موجودين، فنحن نعتبره أيضاً غير موجود".
وكان مسؤول قضائي أوضح أن النيابة العامة التمييزية، بتوجيهها الكتاب اليوم إلى البيطار، تكون رفضت كافة القرارات التي اتخذها، بينها استئنافه التحقيق.
وتبلغ ثلاثة سياسيين، لصقاً لاستجوابهم من المحقق العدلي في السادس والثامن من فبراير (شباط) المقبلين. وللغاية، استدعي الوزير السابق نهاد المشنوق (وزير داخلية سابق)، والنائب غازي زعيتر (كتلة نواب رئيس مجلس النواب نبيه بري) في السادس من فبراير المقبل، ورئيس الحكومة السابق حسان دياب في الثامن منه. وعلقت أوراق التبليغ على حائط على مقربة من مكتب المحقق العدلي.
استئناف التحقيقات
ومعلوم أن القاضي البيطار قرر، الإثنين، استئناف تحقيقاته في ملف المرفأ، بعد 13 شهراً على كف يده عن هذا الملف بسبب سيل من دعاوى المخاصمة، وطلبات رده ورد القاضي الناظر بطلب رده. واستند قراره إلى دراسة قانونية اعتبرت أن صلاحية المحقق العدلي حصرية لا يمكن ردها أو نقل الدعوى من يده إلى يد قاضٍ آخر، كون مركزه لصيقاً به، فإذا غاب هو غاب هذا المركز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان أفيد بأن القاضي البيطار حدد جلسات لاستجواب ثمانية أشخاص مسؤولين أمنيين وقضائيين بصفة مدعى عليهم، ومنهم اللواءان المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم ورئيس جهاز أمن الدولة أنطوان صليبا، ومن دون طلب إذن مسبق للملاحقة نظراً إلى سلطة المحقق العدلي الواسعة، وصدور مرسوم إحالة القضية إلى المجلس العدلي عن مجلس الوزراء، الأمر الذي يعد بذاته تفويضاً مسبقاً بالملاحقة والتحقيق صادر عن المرجع الإداري الأعلى في البلاد، وتنتفي الحاجة معه للحصول على أي إذن إداري يوجبه القانون في التحقيقات العادية.
وعباس ابراهيم تربطه علاقة جيدة بالقوى السياسية خصوصاً ميليشيا "حزب الله"، اللاعب السياسي والعسكري الأبرز في لبنان، فيما يعد طوني صليبا مقرباً من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون.
النيابة التمييزية
وأشارت مصادر قضائية، بحسب وسائل إعلام لبنانية، إلى أن النيابة العامة التمييزية ستعمم على الأجهزة الأمنية عدم تنفيذ التبليغات وقرارات إخلاءات السبيل الصادرة عن المحقق العدلي طارق بيطار، والتي تعتبرها "باطلة"، وأن مكتب النائب العام التمييزي غسان عويدات أبلغ أهالي ومحامي الموقوفين المخلى سبيلهم من قبل القاضي بيطار بأن النيابة العامة التمييزية لن تصادق على إخلاءات سبيلهم.
وكان المحقق العدلي قد التقى وفداً فرنسياً قضائياً في بيروت، نهاية الأسبوع الماضي، معلناً التمسك بملف تحقيق المرفأ وعدم تنازله عن القضية تحت أي ضغط.
وأوقع الانفجار في الرابع من أغسطس (آب) 2020 أكثر من 215 قتيلاً و6500 جريح. ومنذ البداية، عزت السلطات اللبنانية الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية، واندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبين لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحرّكوا ساكناً.
وأوضح مصدر قضائي أن عويدات أشرف عام 2019 على تحقيقات أولية أجراها جهاز أمن الدولة حول وجود ثغرات في العنبر رقم 12 حيث كانت تخزّن شحنة نيترات الأمونيوم.
وكان البيطار ادّعى في صيف 2021 على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وطلب رفع الحصانة عن نواب آنذاك، بينهم وزيرا الأشغال السابقان يوسف فنيانوس وغازي زعيتر، ووزير المالية السابق علي حسن خليل. كما طلب الإذن لاستجواب كل من ابراهيم وصليبا.
وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن نواب شغلوا مناصب وزارية، ما حال دون استجوابهم. وامتنعت وزارة الداخلية عن منح البيطار الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيين تحت سلطتهم، وامتنعت قوى الأمن عن تنفيذ مذكرات توقيف.