قد يجفل المرء مرة أو اثنتين من بعض مشاهد المعارك والعنف في "مدينة النصر" Victory City، الرواية الملحمية الجديدة لسلمان رشدي، بخاصة التوصيفات التصويرية مثل "الطعم اللاذع للنساء أثناء طهيهن على قيد الحياة المثير لشهوة آكلي لحوم البشر"، كتب رشدي هذه الكلمات قبل تعرضه لهجوم مروع في مؤسسة تشوتوكوا في نيويورك في أغسطس (آب) عام 2022، عندما طعن المؤلف البالغ من العمر 75 سنة 15 مرة، ما سبب له فقدان البصر في إحدى عينيه والعجز عن استخدام إحدى اليدين، وكان الكاتب تلقى تهديدات بهدر دمه من إيران في الثمانينيات بعد نشر روايته "آيات شيطانية" The Satanic Verses.
لا تزال شجاعة رشدي وإيمانه الراسخ بحرية التعبير مصدر إلهام، ولا تزال كتاباته الجذلى مصدراً للسعادة، "مدينة النصر" هي تأويل بديل لملحمة هندية قديمة، تتناول تداعيات معركة نشبت بين مملكتين في القرن الرابع عشر جنوب الهند.
القصة التي كُتب جزء منها أثناء حالة الإغلاق التي شهدت إصابة رشدي بفيروس كورونا بدرجة خطيرة، تحكي حكاية بامبا كامبانا Pampa Kampana البالغة من العمر تسع سنوات، بعد أن شهدت وفاة والدتها، أصبحت أداة لآلهة تحمل الاسم نفسه، بامبا، التي تبدأ في التحدث من خلال الفتاة، بامبا كامبانا، التي "يحمل أنفها رائحة لحم والدتها المحترق لبقية حياتها" تلعب دوراً أساسياً في صعود مدينة بيسناغا Bisnaga - "مدينة النصر" – أعجوبة جديدة من عجائب العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
منذ فترة طويلة، يكافح رشدي، مؤلف رواية "أبناء منتصف الليل" Midnight’s Children الحائزة جائزة بوكر، مع الجدالات حول العقل والدين، ويبتكر قصصاً متباينة في عالم لا يُرحب فيه دائماً بالإجابات المعقدة. صعود المدينة الرمزية في هذه الرواية، وهي روايته الخامسة عشرة وأول كتاب له منذ صدور مجموعة مقالاته "لغات الحقيقة" Languages of Truth عام 2021، يسمح لرشدي باستكشاف مسألة الأصول. بفضل ذكائه الساخر المخادع الوسنان، يصوغ بمرح الطريقة التي تبدأ بها بامبا التفاعل البشري في المدينة من خلال خلق خيال الطوائف والمعتقدات. يبدو رشدي وكأنه يقترح أن فقدان الذاكرة التاريخي المفروض على الموضوعات هو عنصر حيوي في الروايات الكبرى عن هياكل السلطة. قال رشدي قبل بضع سنوات، "كل شيء يضعني في مأزق" ولا شك أن روايته الأخيرة ستثير غضب منتقديه المتحمسين.
يرسم رشدي مقارنات مع العالم الحديث، بالطبع صعود الممالك وانحدارها وسقوطها، النظرة اللاذعة لبناء الإمبراطورية، في قصة خيالية عن الطبيعة العابرة للسلطة والسيطرة. يتضح عدم الثبات هذا في العلاقة بين بوكا Bukka وهوكا سانغاما Hukka Sangama، الشقيقين اللذين تكلفهما بامبا زراعة البذور السحرية التي تنبت منها مدينة النصر. في البداية يقاتلان لفظياً من أجل السيادة، قبل أن يعلن هاكا ملكاً. يعرف عن باني الإمبراطورية الصينية المعاصرة الزعيم ماو قوله إن السلطة السياسية تنمو من فوهة البندقية. في مدينة النصر الخاصة برشدي، تنبع القوة من طرف السيف. رائحة الموت النتنة لا تغيب أبداً في هذا الكتاب.
تم الترحيب بـ "مدينة النصر" باعتبارها رواية "نسوية"، ويرجع ذلك أساساً إلى شخصية بامبا الجليلة، وهي الابنة الجميلة لخزفي محبوب، التي لا تتقبل وجود شيء اسمه عمل النساء، أو أن تستسلم لقدرها "وتضحي بجسدها لتلحق ببساطة برجال موتى إلى العالم الآخر".
يوضح رشدي نقطته الشهيرة حول الاعتداء الجنسي من خلال الطريقة التي تستغل بها الشابة بامبا من قبل "الأعزب الذي يدعي التعفف" فيدياساغار Vidyasagar، وهو رجل كبير في السن متدين "فعل ما فعله" بـ بامبا أثناء مشاركتهما كهفاً. يتحرش بـ بامبا من دون أن يعرف اسمها حتى، بينما يقدم نفسه للعالم على أنه رجل "وهب نفسه للتأمل، ويدرس حكمة النصوص المقدسة".
تثير الرواية الذكريات بالتأكيد: رائحة وطعم الكمون والقرنفل والكركم وحبات الهيل الكبيرة، وتصرفات سائسي الفيلة والمتعاملين مع القرود والتجار، تملأ صفحات رواية لا تكل عن السؤال: ما هي طبيعة التاريخ وما هي الحياة البشرية؟
أعتقد أنه للاستمتاع بـ "مدينة النصر" من القلب، عليك أن تكون من محبي الحكايات التي تتضمن الواقعية السحرية والأساطير والرؤى الخارقة للطبيعة. يبدو أن مخيلة رشدي تنطلق بالتأكيد بشكل ممتع من خلال العودة إلى رواية هندية بعد عقد من كتابة الروايات التي تدور أحداثها في الغرب، وعلى رغم أن الخيال الوارد في "مدينة النصر" لن يرضي ذائقة الجميع (وفيه عيوب، بما في ذلك بعض التشبيهات الركيكة)، إلا أنها حكاية نابضة بالحياة وجارفة تحمل رسالة قيمة وهي أن القصص تدوم لفترة أطول من الطغاة والكلمات قادرة على أن تكون النصر الحقيقي.
تصدر رواية "مدينة النصر" لـ سلمان رشدي عن دار جوناثان كيب في التاسع من فبراير (شباط) وتباع النسخة الواحدة منها بسعر 18.99 جنيه استرليني
© The Independent