بعد غياب دام 17 عاماً، حط رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة يوم الإثنين 23 يناير (كانون الثاني) الحالي، في فرنسا في زيارة لافتة جرت في ظل علاقات ثنائية لم تعرف الهدوء في السنوات الأخيرة، وما زاد من أهميتها أنها تأتي قبل أيام من موعد حلول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ضيفاً على نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفي ظل تصاعد التوتر في منطقة الساحل واستمرار الأزمة بين الجزائر والرباط.
سرية وبيانات دبلوماسية مقتضبة
وعلى رغم السرية التي تحيط بزيارة قائد أركان الجيش الجزائري، ولقاءاته مع مختلف المسؤولين الفرنسيين في باريس، والاكتفاء ببيانات دبلوماسية مقتضبة، إلا أن التعاون الثنائي والأوضاع في الساحل والتوتر المستمر مع المغرب، ملفات فرضت نفسها في مختلف المباحثات التي جرت بين وفدي البلدين.
وقالت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان إن "الزيارة تندرج في إطار تعزيز التعاون بين الجيش الوطني الشعبي والجيوش الفرنسية، وستمكن الطرفين من التباحث حول المسائل ذات الاهتمام المشترك". وأوضحت أن الزيارة أتت بدعوة من رئيس أركان الجيوش الفرنسية، الفريق أول تيري بورخارد.
من جهتها، أعلنت الرئاسة الفرنسية أن رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، التقى الرئيس ماكرون في قصر الإليزيه في إطار الزيارة الرسمية التي يقوم بها إلى فرنسا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
3 ملفات وتحضير زيارة تبون
وتأتي الزيارة على وقع تصاعد التوتر بين الجزائر والمغرب، وفي خضم جهود فرنسية- جزائرية لإعادة الاستقرار في منطقة الساحل بعد انتهاء عملية "برخان" العسكرية وانسحاب آخر جندي فرنسي من شمال مالي. كما سيكون الملف الليبي حاضراً في الاجتماعات المرتقبة، حيث يتخوف البلدان من ضياع جهود إعادة الأمن والاستقرار وبعث العملية السياسية في البلاد.
في المقابل، أشارت أطراف عدة إلى أن تواجد رئيس أركان الجيش الجزائري في باريس تحضيراً لزيارة سيجريها الرئيس الجزائري إلى فرنسا، مقررة في نهاية شهر مايو (أيار) المقبل، وذلك بعد زيارة قام بها ماكرون إلى الجزائر في أغسطس (آب) 2022، أعادت العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي، إثر أزمة تسببت فيها تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي في أكتوبر (تشرين الأول) 2021.
صفقات أسلحة وتعاون في الساحل؟
وفي ما تعلق بالمغرب، يعد موقف فرنسا من الصحراء الغربية غير واضح ويشوبه الغموض "المتعمد"، وهو ما فهمته أطراف عدة بما فيهم الرباط، على أنه مرتبط بمصالح، بالتالي فإن باريس ربما قد تجعل من ذلك طريقاً لإبرام صفقات أسلحة مع الجزائر، التي خسرت المرتبة الأولى على لائحة زبائن الأسلحة الفرنسية الصنع لصالح المغرب، لا سيما أن مداخيل الجزائر باتت تسيل لعاب دول عدة.
أما بخصوص الوضع في منطقة الساحل وشمال مالي تحديداً، فإن التعاون بين البلدين يظهر أنه أصبح واجباً مع خروج آخر جندي فرنسي من المنطقة، وأمام المصالح المتنوعة التي تتخوف باريس من ضياعها في ظل النفوذ المتنامي لروسيا وتركيا والصين، إضافة إلى تصاعد الاعتداءات الإرهابية التي تهدد استقرار المنطقة وتفتح الأبواب أمام مزيد من التدخلات، وهو ما أشار إليه أستاذ الدراسات الدولية الباحث في مجلس الشرق الأوسط للقضايا الدولية، يحيى زبير، بالقول إن "انحسار نفوذ فرنسا الأفريقي يجبرها على التعاون مع الجزائر"، وأضاف زبير، أن "أحد أهداف الشراكة بين البلدين هو التأكيد على أهمية الجزائر كلاعب مستقل على الصعيد الدولي، غير مرتهن لواشنطن أو لموسكو أو لبكين"، مشدداً على أن "الجزائر تريد من خلال الشراكة مع باريس الحد قدر المستطاع من الدعم الفرنسي للمغرب بالنسبة إلى مسألة الصحراء الغربية، وأبرز أنها تريد التصدي للتحالف العسكري بين المغرب وإسرائيل، الذي ترى فيه تهديداً حقيقياً لأمنها القومي".
في السياق، رجح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبدالقادر عبدالعالي، أن "الملفات المتناولة ستكون قضية الساحل وحاجة فرنسا إلى الجزائر للعب دور وظيفي في المنطقة يخدم أهداف باريس في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والمنجمية والاستراتيجية"، وقال إن "ذلك ما يمكن أن تتفاوض حوله الجزائر بناءً على مواقفها السابقة، التي أكدت فيها على مبادئها الاستقلالية والسيادية".