فاز الرسام الفرنسي السوري الأصل رياض سطوف بالجائزة الكبرى في الدورة الخمسين لمهرجان أنغوليم الدولي لفن القصص المصورة، والذي تستمر أنشطته حتى التاسع والعشرين من الشهر الجاري. وهي أرفع جائزة في مجال القصص المصورة في فرنسا، ويُعد مهرجان أنغوليم الذي ينظم سنوياً في جنوب فرنسا منذ عام 1974 واحداً من أبرز المهرجانات الدولية المتخصصة في هذا المجال، ويستقطب سنوياً أكثر من مئتي ألف زائر. تم الإعلان عن اسم الفائز في حفل حضرته وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك وهي من أصل لبناني. وكان اختيار سطوف للفوز بهذه الجائزة بناءً على تصويت أُجري عبر الإنترنت شارك فيه عدد كبير من المتخصصين في مجال القصص المصورة البارزين، تغلّب خلاله رياض سطوف على عدد من المنافسين المرموقين بينهم الفرنسية كاترين موريس والأميركية أليسون بشدل.
تُكلل هذه الجائزة المسيرة الإبداعية للرسام رياض سطوف، التي لم تتوقف عند حدود القصص المصورة فقط، فهو صانع أفلام أيضاً، وأسس حديثاً دار نشر "المستقبل"، والمعنية بمجال القصص المصورة. وبهذا الفوز يكون سطوف المولود عام 1978 هو أصغر من فاز بهذه الجائزة منذ تدشينها.
مسيرة إبداعية
من يعرف رياض سطوف يدرك جيداً أن فوزه بهذه الجائزة كان مُستحقاً، فقد استطاع خلال مسيرته أن يحفر اسمه بين أبرز المحترفين في حقل فن القصص المصورة في فرنسا وأوروبا، بل أصبح واحداً من أهم المُبدعين في هذا المجال على المستوى الدولي. تحظى مؤلفات سطوف بانتشار واسع في أوروبا وخارجها، حتى أن سلسلته المصورة "عربي المستقبل" قد بيع منها أكثر من ثلاثة ملايين نسخة وتُرجمت حتى الآن إلى ثلاث وعشرين لغة، وتصدرت قائمة أكثر كتب الرسوم المصورة رواجاً في فرنسا عند صدور المجلد الأول منها عام 2014، كما حقق مجلداه "دفاتر إستر" و"الممثل الشاب" نجاحاً مماثلاً.
بدأ رياض سطوف مسيرته الاحترافية في مجال القصص المصورة كرسام في مجلة "تشارلي إيبدو" حيث عمل بانتظام لأكثر من عشر سنوات، وله كتاب بعنوان "أسرار المُراهقين" ضم جانباً من رسومه المنشورة خلال هذه الفترة. إضافة إلى ذلك أصدر سطوف حتى الآن ما يزيد على الثلاثين مطبوعة أخرى، حظي الكثير منها بانتشار ملحوظ على المستوى الدولي. وإلى جانب هذه الجائزة كان سطوف واحداً من الرسامين القلائل الذين فازوا سابقاً في مهرجان أنغوليم مرتين بجائزة أفضل مطبوعة في فن القصص المصورة. فاز بها في عام 2010 عن مطبوعته "باسكال الوحشي"، وفاز بها مرة أخرى في عام 2015 عن الجزء الأول من كتابه "عربي المستقبل". وفي كلمته أمام الجمهور أرجع سطوف الفضل إلى جدته لأمه، التي ألهمته العمل في فن القصص المصورة، إذ بدأ مسيرته كما يقول بوضع رسوم هزلية يستطيع بها لفت انتباهها، وهي التي لم تكن من المهتمين بهذا الفن.
ولد رياض سطوف في فرنسا لأب سوري وأم فرنسية وانتقل للعيش مع أسرته في سوريا، ثم عاش فترة في ليبيا في ظل حكم الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وتنقل بين مدن شرق أوسطية أخرى. هذه السنوات التي عاشها متنقلاً مع أسرته بين مدن الشرق الأوسط ألهمت سطوف قصته المصورة "عربي المستقبل"، وهي تعد التجربة الأبرز بين إصداراته المتعددة. كان والد سطوف مُعلماً مؤمناً بالأفكار القومية، وبأن التعليم هو السبيل الوحيد للنهضة العربية، ولهذا السبب غادر فرنسا للمُشاركة في مسيرة النهضة التي آمن بها، وعمل على إعداد ابنه الصغير ليكون عربي المستقبل، الموعود والمُشرق.
شعارات وسلبيات
بعيونه الصغيرة كان سطوف قادراً على رؤية ما يعتري هذه الشعارات من سلبيات، ويلمح أوجه التناقض بين الرغبة في التحرر من أثر الاستعمار والاستسلام لسطوة الاستبداد والتقاليد. عاين كما يقول كيف كان معلمو مدرسته الابتدائية يلقنونه وأقرانه، كلمات عن الكبرياء والكرامة، وفي الوقت نفسه يعاقبونهم بالضرب المبرح والمُهين على أقل خطأ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تناول سطوف في المجلد الأول والثاني من سلسلة "عربي المستقبل" جانباً من طفولته التي قضاها متنقلاً بين سوريا وليبيا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، قبل انتقاله للعيش في فرنسا. وابتداءً من المجلد الثالث استغرق سطوف في رواية تجربته كمراهق يعيش في أحد الأحياء الفقيرة في إقليم بريتاني غربَ فرنسا، وكيف تعامل مع التحديات التي واجهها في هذه السن المُبكرة.
في سلسلة "عربي المستقبل" كما في إصداراته الأخرى، لا يرسم رياض سطوف صوراً هزلية بغرض السخرية أو تأكيداً لهوية ما، بل يبدو كمن يكتشف طبيعته كشخص عالق بين جذوره الفرنسية والسورية، محاولاً البحث عن أسباب الخلاف والاختلاف بين هاتين الثقافتين. هو يفعل ذلك بمُخيلة قادرة على تحويل هذه الصور المؤلمة التي لا تزال عالقة في ذاكرتة إلى صور مرحة، وباعثة على التفكير والتأمل. إلى جانب ذلك يستطيع المطلع على قصصه المصورة الاستمتاع بخطوطه المُنسابة، التي تراوح بين التبسيط والمبالغة ولمساته اللونية الخفيفة والمُبهجة.