يخوض مرضى السرطان في تونس رحلة بحث شاقة للحصول على الأدوية المناسبة للعلاج، وتفاقم هذه الرحلة معاناتهم بعد أن شحت الأدوية في البلاد، وبات الحصول على الدواء لمن يخضع لحصص العلاج الكيماوي كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، والمحظوظون فقط يحصلون عليه من الخارج بعد أن عجزت صيدليات المستشفيات العمومية عن توفيره بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها الصيدلية المركزية والصعوبات التي تعيشها المستشفيات العامة.
وضاعفت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية محنة التونسيين، وبخاصة الذين يعانون أمراضاً مزمنة، حيث يذوق عديد منهم الصعوبات للحصول على علبة دواء تخفف عنهم آلام المرض، بيد أن الدولة تقف عاجزة أمام تفاقم الأزمات.
تكثيف الكشف المبكر عن السرطان
الشابة حنين المانسي من مدينة قصيبة المديوني تحدثت لـ"اندبندنت عربية" عن معاناتها من أجل الحصول على الدواء لوالدتها المصابة بمرض السرطان، وتخضع حالياً للعلاج الكيماوي، قائلة "إنها رحلة مريرة أن تجد نفسك عاجزاً عن إيجاد الدواء"، داعية الدولة إلى تكثيف حملات الكشف المبكر عن سرطان الثدي من أجل حماية النساء قبل الوصول إلى مراحل متقدمة ويعجز عندها المرضى عن إيجاد الأدوية اللازمة.
وأضافت أن "مواعيد الفحوصات الطبية متباعدة بين الكشف الأولي وإجراء التحاليل، بينما يسابق المرض الزمن لينتشر سريعاً في الجسم"، لافتة إلى "الاكتظاظ الكبير في المستشفيات العمومية عند إجراء العلاج الكيماوي، ومئات المرضى يقفون في صفوف الانتظار".
وتوجهت المانسي بالشكر إلى جمعية "التحدي" لمكافحة السرطان التي "تقدم يد المساعدة لوالدتها ولبقية المرضى"، مستغربة من "تراجع الدولة عن رعاية مواطنيها".
اللجوء إلى مواقع التواصل
حتى عهد قريب كانت الصناديق الاجتماعية تتكفل تغطية قيمة الأدوية المخصصة لمرضى السرطان، وبسبب الأزمة الاقتصادية والمالية وتكدس ديون هذه الصناديق، وبخاصة صندوق التأمين على المرض لدى المستشفيات العمومية، عجزت عن توفيره بسبب غلاء أسعاره في السوق الدولية.
الشاب عنتر الشعباني (32 سنة) من العاصمة يعاني سرطان القولون، وتحدث عن "معاناته مع المرض، ومع البيروقراطية الإدارية في القطاع الصحي، وعن نقص الدواء الذي تسبب له في ألم إضافي".
ويقول الشعباني، "أسابق الزمن من أجل الحصول على الأدوية، عندما كنت أخضع للعلاج الكيماوي في مستشفى العمران بالعاصمة أحياناً كثيرة أتنقل إلى المستشفى، ولا أجد الدواء كاملاً، فأضطر إلى البحث عنه في مستشفى آخر، أو على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن "كثيراً من المصابين يواجهون الإشكاليات نفسها، وبخاصة طول الانتظار في المستشفيات العمومية، بينما المرض الخبيث ينتشر في الجسم بلا رحمة". ويتواصل الشعباني مع الجمعيات الناشطة في المجال بحثاً عن الأدوية.
5 مراكز للعلاج بالأشعة
ويؤكد رئيس جمعية "التحدي" لمكافحة السرطان، نبيل فتح الله في تصريح خاص، أن "جميع أدوية مرض السرطان مفقودة تقريباً منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2022"، لافتاً إلى "الاكتظاظ الكبير على المراكز الخمسة الموجودة في البلاد (العاصمة وسوسة وجندوبة وصفاقس وقابس) المتخصصة في العلاج بالأشعة، وهي غير قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من المصابين بهذا المرض".
وعن كيفية تحصيل الأدوية يضيف أن "أعضاء الجمعية يعملون على تجميع الأدوية من الخارج بعلاقاتهم الخاصة، وباستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، علاوة على تبرعات عدد من التونسيين بالأدوية لإعادة توزيعها على مستحقيها".
ويقول فتح الله، "لقد تنصلت الدولة من كل مسؤولياتها الاجتماعية والصحية، بينما يفتك المرض بعشرات التونسيين الذين لم يجدوا سبيلاً لتوفير الدواء".
وكشف عن أن "جمعية التحدي لمكافحة السرطان وضعت جناحاً للعلاج بالأشعة في مستشفى المنستير لتخفيف الضغط على الولايات المجاورة"، مشدداً على أن "مريض السرطان رهين اللوبيات المتحكمة في قطاع الأدوية والصعوبات المادية التي تواجهها الصيدلية المركزية وعجز الدولة عن تحسين المنظومة الصحية المهترئة".
الحديث عن فقدان الأدوية مبالغ فيه
في المقابل، أقر رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة، علي بصيلة، بـ"وجود نقص في الأدوية الموردة أو المصنعة محلياً"، إلا أنه أكد في الوقت ذاته أن "هناك مبالغة من بعض الجهات في الحديث عن فقدان الأدوية"، مشيراً إلى أن "المرصد الوطني للأدوية هو الجهة الرسمية الوحيدة المخول لها توفير الإحصائيات الدقيقة حول هذا الأمر".
وأضاف أن "بعض الأصناف المفقودة يمكن تعويضها بأدوية مماثلة". ويقر المرصد الوطني للأدوية، بـ"اضطراب شهري" في التزود بالأدوية في السوق المحلية لنحو 300 دواء شمل جميع الأصناف.
ويذكر أن تونس تستورد نصف حاجاتها من الأدوية، وقد بلغ إجمالي ديون الصيدلية المركزية تجاه المزودين الخارجيين بنهاية 2021 نحو 2100 مليون دينار (700 مليون دولار)، كما تجاوزت ديون الصيدلية المركزية لدى المستشفيات والمؤسسات الصحية وصندوق التأمين على المرض 1200 مليون دينار (400 مليون دولار)، مما أفقدها السيولة الكافية لتوفير الأدوية وضخها في السوق.