خلصت "نيويورك تايمز" في تقرير أعدته عن شد حبال بين سبع ولايات على مياه نهر كولورادو إلى أن الأزمة المحيطة حول تقاسم موارد هذا النهر هي خير دليل على طغيان التغير المناخي على كاهل حياة الأميركيين ليس، على صعيد البنية التحتية فحسب، على غرار السدود والخزانات، بل كذلك على القواعد القانونية التي نظمت أركان حياتهم.
وسلطت الصحيفة الضوء على النزاع بين سبع ولايات أميركية تعتمد على مياه نهر كولورادو التي ينحسر منسوبها يوماً بعد يوم. وأشارت إلى أن الولايات هذه يرجح ألا تتفق طوعاً على خطة لتقنين استخدامها للمياه، مما سيضطر الحكومة الفيدرالية إلى فرض قيود على استخدام المياه ستكون الأولى من نوعها وستطاول 40 مليون أميركي. وكانت وزارة الداخلية طالبت الولايات بالتوصل طوعاً إلى خطة تقنين بحلول نهاية يناير (كانون الثاني) الحالي، ولا سيما بعد التراجع المتسارع لمستويات المياه في بحيرتي ميد وباول اللتين توفران المياه والطاقة الكهرومائية لأريزونا ونيفادا وكاليفورنيا. وتعزو السلطات الظاهرة إلى الجفاف وتغير المناخ والنمو السكاني.
ونقلت الصحيفة عن كيفن موران، الذي يدير لدى "صندوق الدفاع عن البيئة" حملات على صعيد السياسات المائية على مستوى الولايات والمستوى الفيدرالي، قوله: "اعتبروا حوض نهر كولورادو عبارة عن كارثة تتكشف بوتيرة بطيئة. لقد آن حقاً أوان الإقرار بالأزمة ومواجهة مفاعيلها". ولفت المفاوضون إلى أن الولايات، وتشمل إلى جانب الثلاث المذكورة كولورادو ونيو مكسيكو ويوتاه ووايومنغ، فوتت مهلة سابقة للاتفاق على برنامج لتقنين المياه حددتها لها إدارة الرئيس جو بايدن. ولو اضطرت وزارة الداخلية التي تدير مياه النهر إلى التدخل سيمثل ذلك مخالفة لتقليد عمره قرن اشتمل على ترك الولايات المعنية تتفق على تقاسم مياه النهر. ولم تستبعد الصحيفة مواجهة الحكومة الفيدرالية طعوناً قانونية في حال فرضها على الولايات برنامجاً لتقنين المياه.
ونبهت "نيويورك تايمز" إلى أن "قوانين عمرها قرن، وتحدد أولويات مختلفة لمستخدمي نهر كولورادو بناءً على المدة التي استخدموا فيها المياه بالفعل" أمام مفترق طرق وانعطاف في تغيير نظم توزيع مياه النهر. فمع تغير المناخ، تبرز الحاجة إلى تقنين المياه بناءً على أسس عملية. وخلصت إلى أن "نتيجة هذا النزاع سترسم وجه مستقبل الجنوب الغربي للولايات المتحدة". وقال إريك كون، الذي عمل على اتفاقيات سابقة لتقاسم مياه النهر وتقنينها بوصفه المدير العام لمقاطعة الحفاظ على مياه نهر كولورادو: "نستخدم من المياه كمية أكبر مما ستوفره الطبيعة. لذا، يجب على أحد ما خفض استهلاكه للمياه إلى حد كبير".
وأشارت الصحيفة إلى أن اتفاقية تعود إلى عام 1922 أبرمتها الولايات المعنية حددت استهلاك كل ولاية من مياه النهر، لكن النهر لم يوفر ما متوسطه 17.5 مليون أكر-قدم [فدان قدم] سنوياً من المياه مثلما توقعت الاتفاقية، بل 15 مليوناً فقط. والأكر-قدم يساوي المياه اللازمة لتغطية أكر من الأرض، أو نحو أربعة آلاف متر مربع، بقدم من المياه، أو نحو 30 سنتيمتراً، وهو يكفي استهلاك أسرتين عاديتين لسنة. ولم يظهر النقص لعقود لأن بعض مستخدمي مياه النهر، ولا سيما السكان في أريزونا وبعض القبائل الأميركية الأصلية، افتقرت إلى البنية التحتية اللازمة للحصول على حصصها كاملة، لكن مع تزايد البنية التحتية، زاد الطلب، ثم هبط متوسط المياه التي يوفرها النهر خلال موجة جفاف طويلة، فانخفض إلى 12 مليون أكر-قدم بين عامي 2000 و2022، واقتصر خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على أقل من 10 ملايين.
ولفتت "نيويورك تايمز" إلى أن مكتب الاستصلاح، التابع لوزارة الداخلية والمسؤول عن إدارة الأنهر، يضغط منذ عام 2003 على الولايات المعنية، ولا سيما كاليفورنيا التي تجاوزت حصتها أكثر من مرة، لضبط استهلاكها من ضمن نظام الحصص. وعلى رغم تجاوب الولايات، هبط مستوى مياه بحيرة ميد إلى نحو 314 متراً فوق سطح البحر، وهو أدنى مستوى مسجل. وإذا تراجع المستوى إلى أقل من نحو 290 متراً، سيتوقف سد هوفر عن توليد الطاقة الكهرومائية، وإذ بلغ 273 متراً تقريباً، سيتوقف مرور المياه عبر السد. وفي يونيو (حزيران) 2022، أمهل مكتب الاستصلاح الولايات السبع 60 يوماً لخفض استهلاكها من مياه النهر بواقع مليونين إلى أربعة ملايين أكر-قدم سنوياً، أو 20 إلى 40 في المئة من إجمالي تدفق النهر، لكن المهلة مرت ولم تتفق الولايات على حل، ولم يتقدم المكتب بخطة خاصة به، وجدد مهلة الـ60 يوماً في نوفمبر (تشرين الثاني) على أن تنتهي في نهاية يناير الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق الصحيفة، تصر كولورادو ونيومكسيكو ويوتاه ووايومنغ على أنها لا تستطيع خفض استهلاكها لأنها تسحب المياه من مجرى النهر قبل وصولها إلى أي خزانات، خلافاً لكاليفورنيا وأريزونا اللتين تستجران المياه بعد خروجها من الخزانات، وتؤكد أن مستوى المجرى انخفض بالفعل مما أجبرها على عدم سحب سوى نصف الحصص المخصصة لها تقريباً. أما نيفادا فلو توقفت عن سحب كامل حصتها البالغة 300 ألف أكر-قدم سنوياً فلن يخلف ذلك أثراً يذكر في المشكلة. علماً بأن تخفيض نيفادا لحصتها سيحول لاس فيغاس إلى مدينة مقفرة يتعذر سكنها. وتشير الولاية إلى أنها اتخذت إجراءات تقنين ومنها منع امتلاك حدائق عشبية مستهلكة للمياه. وتطالب كاليفورنيا وأريزونا بعضهما بعضاً بتقديم الخفض الأكبر، ولا سيما مع إعطاء القوانين الناظمة في هذا الصدد كاليفورنيا أولوية على أريزونا، وهي قوانين تفيد الولاية الأخيرة بأنها ما كانت لتوافق عليها لو كانت تعلم أن تغير المناخ سيحل يوماً ما، ويصل جزء كبير من حصة أريزونا إلى بعض من القبائل الأميركية الأصلية التي تمنع قوانين فيدرالية تقليص حصصها من المياه.
ونقل التقرير عن تومي بودرو، نائب الأمين العام لوزارة الداخلية قوله إن الحكومة الفيدرالية ستأخذ في الحسبان "العدالة والصحة العامة والسلامة" إذا اقتضى الأمر تدخلها في حال فشل الولايات المعنية في الاتفاق بحلول نهاية الشهر الحالي. وأضاف أن الوزارة ستقارن بين مطالب تقدمت بها كاليفورنيا بأخذ أولويتها المكرسة قانونياً في الحسبان لدى إقرار الخفض ومطالب أريزونا بوجوب التركيز في هذا الصدد على حاجات المجتمعات المحلية، ولا سيما في منطقة القسم الأقرب إلى المصب من الحوض. وقال: "نحن في السنة الثالثة والعشرين لحال من الجفاف المستمر [من جهة] وإفراط في السحب من النظام [من جهة أخرى]. وفي ضوء هاتين الحالين، ليس شاغلي تحميل اللوم لأي طرف".