تعتقد دوائر القرار في النظام الإيراني، وتحديداً المرشد الأعلى علي خامنئي وقيادة حرس الثورة، أن الاستراتيجية الأميركية والغربية في التركيز على استهداف مؤسسة حرس الثورة العسكرية ينبع من إدراك هذه الدول أهمية الدور الذي تلعبه هذه المؤسسة على المستويين الدفاعي والأمني وقدرتها على خلق المجالات الاستراتيجية لإيران، فضلاً عن دورها الأساس والمفصلي في الدفاع عن النظام الإسلامي وقدراته الاستراتيجية. وأن مساعي هذه الدول تقوم على عدد من الفرضيات تضع حرس الثورة في صلب وبؤرة التركيز بما يساعد في ترجمة وتطبيق أهدافها المختلفة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
من هنا، فإن استهداف الحرس والتركيز عليه، ومحاولة محاصرته وتصنيفه في خانة المنظمات الإرهابية بدأ اعتماده مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي كان الجهة الأولى دولياً التي وضعت الحرس على لائحة المنظمات الإرهابية، واستمرت مع دول أخرى، لتصل أخيراً الى البرلمان الأوروبي الذي اعتمد هذا التصنيف وأصدر توصية للمستوى السياسي في الاتحاد الأوروبي لاعتمادها على خلفية اتهام الحرس بالتدخل في الحرب الأوكرانية وانتهاك حقوق الإنسان في الداخل.
وتعتقد الدوائر الإيرانية المعنية بحرس الثورة أن المنطلقات الغربية في التعامل مع الحرس تأخذ في الاعتبار عينه ما تصفه من دور لهذه المؤسسة في كثير من المجالات والقطاعات ذات الطابع الأمني والعسكري والاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي.
ففي التصنيف الغربي، يعتبر حرس الثورة العامل الأساس في تثبيت موقع المرشد الأعلى للنظام وتنفيذ سياساته وتوجيهاته، إلى جانب دوره الأساس والمفصلي في ترسيم وتنفيذ وتطبيق السياسات الاستراتيجية للنظام في المنطقة بما يساعد على حمايته واستمراره وصموده في حالتي الأزمات والسلام، وقدرته على تعطيل دوره في تحقيق التوازن الداخلي والحؤول دون حصول أي ثورة أو تغيير في إيران، وأن أي جهد أو مسعى لتعزيز وتوسيع دور القوى والتوجهات المعتدلة والوسطية داخل إيران يمرّ من بوابة إضعاف الحرس وتحجيم دوره وفعاليته، وأن الوصول إلى هذا الهدف لا بدّ أن يمر من بوابة التصويب على القواعد الشعبية أولاً والتشكيك بدوره وتضخيم الآثار السلبية لموقعه داخل معادلة الحكم والإدارة، باستخدام كل الوسائل السياسية والاستخباراتية والأمنية والقانونية التي تؤدي، بالتالي، إلى التشكيك في مرجعيته التي ستنعكس على موقعه ودوره الإقليمي والدولي، ولاحقاً السيطرة عليه.
وتعتقد هذه الدوائر أن استهداف الحرس والتصويب عليه، هو نتيجة اعتقاد الدول الغربية بالدور المحوري الذي يقوم به الحرس في تأمين البنى التحتية في المجال الإلكتروني والحروب غير التقليدية، فضلاً عن دوره في تنمية البرامج الاستراتيجية للنظام في المجالات النووية والصاروخية والطائرات المسيرة والأسلحة الاستراتيجية، إلى جانب دوره في إدارة الأزمات السياسية والأمنية والاستخباراتية والاقتصادية، بخاصة ما يتعلق في جهود الالتفاف على العقوبات.
من هنا يمكن الوقوف على أبعاد الحراك السياسي والدبلوماسي الذي شهدته الساحة الإيرانية في الأيام الأخيرة بالتزامن مع صدور توصية البرلمان الأوروبي، ولعل التعبير الدقيق عن حجم التحدي الذي فرضه التوجه الأوروبي في التعامل مع الحرس، هو موقف وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، مؤكداً أن حرس الثورة "هو هيئة سيادية وحارس الأمن القومي الإيراني ويلعب دوراً في الحفاظ على أمن المنطقة ومكافحة الإرهاب بشكل حقيقي"، في استعادة واضحة للكلام التحذيري الإيراني الذي نقله عبد اللهيان إلى منسق السياسات الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عندما اعتبر أن تصنيف الحرس إرهابياً بمثابة قيام أوروبا بإطلاق النار على قدمها، وأن المصالح الأوروبية في إيران والمنطقة ستتعرض لاهتزاز أضرار هي بغنى عنها نتيجة مواقفها العدائية ضد إيران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تفسير مواقف عبد اللهيان في تواصله الدبلوماسي مع مراكز القرار الأوروبي، فإن دوائر الحرس والقرار في النظام الإيراني تعتقد أن الدول الغربية لن تكون قادرة على إدراج الحرس على قائمة المنظمات الإرهابية، أما إذ قامت بمثل هذا الخطأ فإنها ستواجه ردود فعل من الصعب عليها التنبؤ بها، بخاصة أن أي خطوة ستقوم بها إيران ستكون من باب الدفاع عن النفس وعن موقعها ودور مؤسساتها في هرمية النظام والقرار. وانطلاقاً مما يتمتع به الحرس من موقع ومكانة قانونية وحقوقية في الدستور والقوانين الدولية، وهذا يعقد عملية تنصيف أو إدراج مؤسسة رسمية وقومية ضمن قوائم الجماعات والمنظمات الإرهابية.
وعليه، فإن النظام ينظر إلى أي مسعى غربي للقيام بهذه الخطوة سواء على مستوى جماعي كما البرلمان الأوروبي أو على مستوى الدول منفردة، لن يحظى بغطاء قانوني أو شرعية قانونية وتأييد عام لدى الرأي العام الداخلي لهذه الدول أو الرأي العام العالمي. بالتالي، فإن فقدان هذا الغطاء سيعقّد عملية حصول إجماع دولي ليس فقط في المرحلة الحالية، بل في المستقبل أيضاً.
وتتسلح إيران في موقفها التصعيدي في مواجهة استهداف مؤسسة الحرس، أن كل الإجراءات والأنشطة والأفعال التي يقوم بها الحرس تقع ضمن، وفي إطار المهام الموكلة له في المادتين 150 و147 من الدستور، بخاصة ما يتعلق بالسياسات الداخلية والإقليمية، وهي مهام وواجبات لا تقتصر فقط على الحرس، بل تشمل كل القوات المسلحة التي من ضمنها الحرس، وهي سياسية يتوجب على المؤسسة العسكرية مجتمعة تنفيذها وتطبيقها بما يخدم مصالح النظام القومية والاستراتيجية.