بثت قناة إيطالية قبل أيام تقريراً صحافياً كشف عن تجاوزات تتم داخل مراكز حجز وعمليات ترحيل قسرية ضد مهاجرين تونسيين. وتضمن التقرير إجبار عدد من عناصر الأمن الإيطالي مهاجرين غير نظاميين على تناول أدوية مهدئة تصيب متناولها بالخمول وتدفعه إلى النوم، كما نشرت القناة فيديو صادماً لشاب مكبل اليدين يجبره عنصر أمن إيطالي على تناول مخدر.
وأثار ذلك غضباً بين المواطنين التونسيين. وقال الناشط الحقوقي المقيم في إيطاليا مجدي كرباعي إن "المهاجرين غير النظاميين يتعرضون لانتهاكات جسيمة من قبل السلطات الإيطالية في مراكز الاحتجاز، وأسفرت هذه الانتهاكات عن وفاة عدد من المحتجزين على غرار وسام عبداللطيف في عام 2021، إذ تم حقنه بأدوية مهدئة للأعصاب أدت إلى وفاته بعد 72 ساعة، وأيضاً وفاة تونسي آخر غرقاً بعد مطاردته من قبل السلطات الإيطالية".
تواطؤ السلطات
وأكد كرباعي أن "وتيرة الانتهاكات ضد المهاجرين التونسيين ارتفعت في الآونة الأخيرة، إذ كثفت السلطات الإيطالية حملتها ضدهم"، واصفاً إياها بـ"حملة اصطياد المهاجرين". وأضاف أن "الوضع داخل مراكز الحجز كارثي ومعاملة السلطات الإيطالية للمهاجرين غير إنسانية، الأمر الذي دفع حقوقيين إلى التنديد بهذه الممارسات من خلال وقفات احتجاجية". وزاد كرباعي أن "السلطات الإيطالية ترغم المحتجزين في مراكز إيواء المهاجرين غير النظاميين على تناول أدوية بهدف التحكم بهم عن طريق إجبارهم على النوم أو الخمول أو بهدف ترحيلهم إلى بلدانهم".
واعتبر أن "صمت السلطات التونسية ضد هذه الممارسات العنصرية يعتبر تواطؤاً"، محملاً إياها "المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية للانتهاكات التي يتعرض لها التونسيون في مراكز الاحتجاز الإيطالية". ورأى كرباعي أن "ضعف موقف تونس ناتج عن وضعها الاقتصادي الحرج".
صمت رسمي
ولم يصدر عن السلطات التونسية أي موقف حول ما يحصل للمهاجرين في مراكز الإيواء الإيطالية، بينما جرى آخر اتصال هاتفي بين وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان جارندي، ونظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني في 10 يناير (كانون الثاني) الحالي. وتحادث الوزيران، بحسب بيان نشرته الخارجية التونسية، في العلاقات الثنائية وأفق تطويرها في كل المجالات ذات الاهتمام المشترك، كما تطرقا إلى موضوع الهجرة غير النظامية، وأكدا ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق بهدف معالجتها وإيجاد الحلول المناسبة لها، نظراً إلى ما أصبحت تشكله من تحديات وتداعيات أمنية وإنسانية وتنموية.
وأكد الطرفان بحسب البيان أهمية اعتماد مقاربة شاملة ووضع آليات بهدف تشجيع الهجرة النظامية.
واتفق الوزيران في ختام المحادثة على تبادل الزيارات من أجل بحث مجمل أوجه التعاون وتشخيص الحلول الكفيلة باحتواء إشكاليات الهجرة غير النظامية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب دراسة أجريت بالشراكة بين منظمة "محامون بلا حدود" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" و"جمعية الدراسات القانونية حول الهجرة بإيطاليا"، أصبحت تونس تشكل الوجهة الرئيسة للمرحلين من إيطاليا بنسبة (73.5 في المئة)، وذلك بترحيل نحو 1922 تونسياً في عام 2020، إضافة إلى 1872 آخرين في عام 2021.
وكشفت الدراسة الميدانية عن انتهاكات مختلفة تتم داخل مراكز الترحيل الإيطالية كالحرمان من الوصول إلى العدالة، وغياب إيصال المعلومة بلغة مفهومة لأصحاب الحقوق، وعدم وجود سبيل اعتراض فعال أمام القاضي على القرار القضائي. وبحسب الدراسة ذاتها فإن 89 في المئة من المستجوبين لم يتم إعلامهم بسبب احتجازهم، و80 في المئة منهم لم تصدر بشأنهم أي وثيقة من قبل السلطات الإيطالية تبرر عملية ترحيلهم.
الترحيل القسري
وأظهرت الدراسة أن ظروف الاحتجاز داخل هذه المراكز تفتقر إلى مقومات الكرامة، إذ إن 53 في المئة من المستجوبين لم يحصلوا على فراش لائق، وصرح 68.6 في المئة منهم بعدم كفاية الأكل.
علاوة على ذلك، فإن الشعور بانعدام الأمن لدى المستجوبين شائع لدى نسبة كبيرة منهم، إذ إن أكثر من 70 في المئة لا يشعرون بالأمان داخل مراكز الاحتجاز، حيث تعرض 88 في المئة منهم إلى الاعتداء بالعنف من قبل القائمين على المراكز.
في السياق، صرح الناطق الرسمي باسم "المنتدى التونسي للحريات الاقتصادية والاجتماعية" رمضان بن عمر أنه "بالنسبة إلى المعاملات غير الإنسانية التي تمارسها السلطات الإيطالية ضد المهاجرين التونسيين فهي ممارسات قديمة، تزايدت منذ عام 2011 مع ارتفاع وتيرة الهجرة غير النظامية". مضيفاً أنه "منذ ذلك الوقت، بدأت اتفاقيات الترحيل القسري للمهاجرين، إذ يتم التعامل مع من يقاوم سياسات الترحيل بعنف شديد، فمنذ وصول المهاجرين إلى الأراضي الإيطالية يتم فرزهم، ويكون مسار التونسيين منهم نحو الترحيل الجماعي إلى تونس ولا يتم إعلامهم بحقوقهم، غالباً ما يكون التعامل عنصرياً وعنيفاً، في تعارض كلي مع مبادئ حقوق الإنسان"، بالتالي، ووفق ما قال بن عمر، فإن المنظمات الحقوقية ترفض الممارسات القمعية للهجرة، وتطالب السلطات الإيطالية بالسهر على ضمان ظروف لائقة تحترم القانون الدولي وحقوق الإنسان، مع التنديد بطريقة التنظيم الحالي لعملية الهجرة هناك.