تسارع الحكومة العراقية الخطى نحو إيجاد حلول لأزمة الكهرباء التي يعانيها أبناء بلاد الرافدين لأكثر من عقدين بسبب نقص الغاز للمحطات المزودة بالتيار، حيث يعاني غالبية سكان العراق من انقطاع مستمر وعدم استقرار الكهرباء لساعات طويلة لا سيما في أوقات الصيف.
وأبرمت وزارة الكهرباء العراقية مذكرة تفاهم مع شركة "سيمنز" الألمانية لوضع منظومة للطاقة في البلاد، لكن وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل ذكر الأحد الماضي، أن واردات العراق من الغاز الإيراني متوقفة حالياً بشكل كامل لأغراض صيانة الأنبوب داخل الأراضي الإيرانية.
وأضاف فاضل في تصريح صحافي، أن "إمدادات الغاز المورد من إيران وصلت إلى الصفر حالياً"، مبيناً أن "هذا التوقف تسبب بنقص في معدلات إنتاج الطاقة الكهربائية بمعدل 7500 ميغاواط، منها 4500 ميغاواط في بغداد".
وأردف "معدل إنتاج الطاقة الكهربائية في العراق حالياً هو 15 ألف ميغاواط من أصل 24 ألفاً، بسبب توقف إيران عن تجهيز الغاز للمحطات العراقية"، منوهاً إلى أنه "سيسعى في زيارته المرتقبة إلى إيران لحل المشكلة".
وحول الربط الخليجي، أوضح فاضل "مفاوضاتنا مع السعودية والأردن وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي قطعت أشواطاً متقدمة للوصول إلى الربط الثنائي للطاقة الكهربائية".
اتفاقيات "سيمنز" و"Ge"
وكان وزير الكهرباء زياد علي فاضل، أعلن عن توجه بلاده لتوقيع عقود خاصة بالطاقة الكهربائية مع شركة "جي" الأميركية، مشيراً إلى أن العقود أصبحت جاهزة لصيانة الوحدات التوليدية لمدة خمس سنوات.
وأضاف "توجهنا في الحكومة لعقد اتفاقيات وعقود طويلة الأمد لتأهيل وصيانة الوحدات مع الشركات المصنعة مباشر"، مبيناً "وقعنا على اتفاقية مع شركة (سيمنز)، وسنوقع اتفاقية أخرى مع شركة (جي) الأميركية خلال الأيام المقبلة".
وتابع أن "عقودنا أصبحت جاهزة لصيانة الوحدات التوليدية مع كبريات الشركات لمدة خمس سنوات"، موضحاً أن "هناك مجموعة مشاريع لزيادة الإنتاج خلال السنوات الثلاث المقبلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أن "العام الحالي مهم جداً لأنه سيشهد العمل على استثمار الغاز المصاحب لدعم قطاع الإنتاج، وهذا يحتاج إلى عمل كبير"، لافتاً إلى أن "ذلك أدرج ضمن الاتفاقيات مع شركتي (سيمنز) و(جي)".
وبين أن "هناك توجهاً واضحاً نحو الطاقة النظيفة"، موضحاً "نحتاج إلى تقليل كلف إنتاج الطاقة من خلال تقليل استخدام الوقود، وهذا ما نعتمد عليه في المرحلة المقبلة بتنفيذ مشاريع الطاقات الشمسية".
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي زار برلين، أكد في وقت سابق عزم الحكومة على توفير الأموال اللازمة لتنفيذ مذكرة التفاهم مع شركة "سيمنز" الألمانية.
وذكر المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، في بيان، أن "السوداني استقبل في مقر إقامته بالعاصمة الألمانية برلين الرئيس التنفيذي لشركة (سيمنز) الألمانية للطاقة کرستيان بروخ، وبحثا خلال اللقاء آليات التعاون مع الشركة في تطوير قطاع الكهرباء وإزالة العقبات التي كانت تواجه عملها في العراق".
وأشار رئيس الوزراء، بحسب البيان، إلى "عزم الحكومة توفير الأموال اللازمة لتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة مع الشركة على الأرض".
الباحث الاقتصادي بسام رعد اعتبر استعمال الغاز كوقود لتوليد الطاقة الكهربائية الحل الأنسب قياساً باستعمال النفط، كما يعد الأفضل من حيث الاعتبارات البيئية وكفاءة التوليد، وتشكل محطات الكهرباء والمنشآت الصناعية الكم الأكبر من الاستهلاك المحلي للغاز كوقود، حيث استهلك العراق من الغاز الطبيعي خلال عام 2021 ما يقدر بـ17 مليار متر مكعب تقريباً".
وتابع رعد "على رغم أن العراق يمتلك احتياطاً غازياً كبيراً، حيث يأتي في المرتبة الثانية عشرة عالمياً، إضافة إلى كميات كبيرة من الغاز المصاحب، فإنه عجز عن استثمار هذه الموارد المتوفرة لسد احتياجاته المحلية من الغاز، مما اضطره إلى استيراد الغاز من إيران بسبب قرب المسافة ولسهولة نقله عبر الأنابيب، حيث بدأ استيراد الغاز منذ عام 2017 لتلبية الطلب المتصاعد على الطاقة الكهربائية، ويتم حالياً توليد 7500 ميغاواط من خلال واردات الغاز من إيران، أي ثلث الطاقة المنتجة تقريباً والتي تقدر بـ22000 ميغاواط".
وزاد أن "حل معضلة الكهرباء يتطلب تنويع وتطوير عناصر سلسلة الطاقة الكهربائية (الإنتاج، والتوزيع، والنقل)، إضافة إلى تقليل الفاقد من الشبكات، على أن يكون ذلك مصحوباً بسياسة فعالة لتصفير حرق الغاز المصاحب، واستثمار الغاز الطبيعي لسد النقص في إمدادات الوقود، مع تحسين جودة الخدمة الكهربائية المقدمة للمواطنين، واستيفاء أجورها بشكل عادل".
أزمة بسبب الكهرباء
في المقابل، قال أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، إنه "على مدار عشرين عاماً تواجه الحكومات العراقية المتعاقبة انتقادات بسبب سوء إدارتها لموارد الطاقة في البلاد، فمع حرق أكثر من نصف الغاز الطبيعي العراقي، اضطرت بغداد حتى وقت قريب إلى تعويض ذلك باستيراد نحو 52 مليون متر مكعب من الغاز يومياً من طهران".
وأضاف السعدي "حتى الآن لم أجد مبرراً واحداً لاعتماد العراق على إيران مورداً رئيساً للطاقة على رغم وجود سلبيات عديدة، منها صعوبة تسديد المبالغ بسبب العقوبات الأميركية، ناهيك بأسعارهم الباهظة التي تفوق متوسط السعر العالمي، وهناك انتقادات لاذعة بسبب هذا الموضوع، كون العراق بلداً غنياً بالنفط في حين يعاني مواطنوه أزمة انقطاع التيار الكهربائي المستمرة بسبب نقص الطاقة، وغالباً ما يحدث هذا الأمر في الشتاء القارس، وكذلك في منتصف الصيف مع شدة الحر".
وأكمل "بحسب الإحصاءات تصدر طهران نحو 1.2 ميغاواط من الكهرباء إلى بغداد، ويعادل هذا الرقم سبعة في المئة تقريباً من إجمالي احتياجات العراق من الكهرباء البالغة 18.4 ميغاواط، وتحل مساهمة إيران في المرتبة الأولى بين الدول المساهمة في شبكة الكهرباء العراقية، وهي على شكل صادرات غاز طبيعي".
وأضاف أنه "خلال الأعوام الماضية أهدر ما يزيد على نصف الغاز الطبيعي العراقي، إذ يحرق لعدم توفر بنى تحتية ومعدات مناسبة لجمع الغاز من حقول النفط العراقية ثم استخدامه في عملية توليد الكهرباء".
بحسب البنك الدولي، فإن "العراق يحرق نحو 18 مليار متر مكعب من الغاز المرتبط بالبترول سنوياً، ليصبح الأعلى عالمياً بعد روسيا". وتقول وكالة الطاقة الدولية إن "تلك الكمية كافية لمد نحو ثلاثة ملايين منزل بالطاقة".
السعدي لفت إلى أنه "بعد كل المشكلات التي حصلت للعراق بسبب الاعتماد على الغاز الإيراني بات البلد ملزماً الآن بشكل كبير أن يتبع استراتيجية تستهدف استغلال الغاز المصاحب من الحقول النفطية، والتوقف عن حرقه من أجل دعم منظومة الكهرباء باحتياجاتها من الوقود"، داعياً لاتخاذ خطوات عملية من أجل التوجه الجاد نحو إحلال الطاقة النظيفة، والتقليل من الانبعاثات والملوثات، ووضع عديد من الخطط لتحقيق هذه الأهداف من خلال مشروعات الاستثمار الأمثل للغاز المصاحب ومشروعات الطاقة المتجددة.