مع عدم ظهور مرشحين مؤكدين للانتخابات الرئاسية الأميركية، العام المقبل، باستثناء الرئيس السابق دونالد ترمب، والرئيس الحالي جو بايدن الذي ينتظر أن يعلن ترشحه الرسمي خلال أسابيع، أثار السيناتور الديمقراطي المعتدل عن ولاية وست فيرجينيا الجدل بتصريحاته الأخيرة التي لم يستبعد فيها ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2024، من دون أن يحدد إذا كانت المنافسة ستكون من داخل الحزب الديمقراطي أم من خارجه، فما الذي يمكن أن يحدثه هذا الترشح إذا تحقق بالفعل؟ وهل ستنجح محاولته في تحدي الرئيس بايدن؟
سبب الدهشة
على رغم أن الرئيس الأميركي جو بايدن عبر في أكثر من مناسبة عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024، فإنه يتحين الفرصة المناسبة للإعلان عن ذلك في وقت قريب، يعتقد المراقبون أنه سيكون في الفترة ما بين منتصف فبراير (شباط)، وحلول الربيع المقبل، وحتى يحين هذا الموعد، يحجم أكثر المرشحين المحتملين في الحزب الديمقراطي عن تحدي الرئيس الحالي على رغم القلق الذي أبداه البعض بسبب عمر الرئيس الذي سيبلغ 82 سنة في موعد الانتخابات ويصل إلى 86 سنة إذا نجح في السباق الرئاسي وأكمل فترة ولايته الثانية.
ومع ذلك، أثار السيناتور الديمقراطي جو مانشين، الأسبوع الماضي، كثيراً من الدهشة، حينما ترك الباب مفتوحاً، ولم يستبعد إمكانية تحديه الرئيس بايدن على المنصب الرئاسي في حديثه لبرنامج "واجه الصحافة" على قناة "أن بي سي"، إذ لم يقل مانشين ما إذا كان سيدعم إعادة انتخاب بايدن. وأشار بدلاً من ذلك إلى أن الولايات المتحدة في حاجة إلى رئيس يوحد الأميركيين، وأنه كان واضحاً في إبلاغ بايدن أنه قام بعمل جيد مع عديد من التيارات، لكن هناك كثيراً يتعين عليه القيام به بعد أن انجرف بعيداً إلى اليسار، في حين يريد الأميركيون شخصاً وسطياً يتحدون حوله.
ديناميكية جديدة
وعلى رغم غموض تصريحات مانشين، ورفضه الإجابة عما إذا كان سيترشح للرئاسة من داخل الحزب الديمقراطي أم من خارجه، باعتباره وسطياً يمثل ولاية وست فيرجينيا التي تعد من أكثر الولايات الأميركية المحافظة وصوتت لصالح دونالد ترمب في انتخابات 2016 و2020، فإن إمكانية ترشح مانشين للرئاسة، ستضيف في كل الأحوال ديناميكية جديدة ومثيرة للاهتمام في سباق 2024 نحو البيت الأبيض.
أحد أسباب هذه الديناميكية أن مانشين، إذا قرر التحدي من داخل الحزب الديمقراطي، لن يسبب فقط اضطراباً في السباق الرئاسي في الوقت الذي يحجم فيه الآخرون عن تحدي الرئيس الحالي، وإنما أيضاً لأن مانشين لم يحدد ما إذا كان سيسعى إلى إعادة انتخابه لمجلس الشيوخ عام 2024، في وقت يتطلع فيه الجمهوريون لقلب مقعده في ولاية وست فيرجينيا خلال مسعاهم إلى استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ، إذ أطلق أليكس موني عضو مجلس النواب عن الولاية بالفعل تحدياً لمانشين، وأعرب جمهوريون آخرون رفيعو المستوى من وست فيرجينيا عن اهتمامهم بالمقعد، بمن فيهم الحاكم جيم جاستيس والمدعي العام للولاية باتريك موريسي.
في الوقت نفسه، يواجه الديمقراطيون في الانتخابات المقبلة لمجلس الشيوخ، خريطة مواتية للغاية للجمهوريين ويتطلعون إلى الاحتفاظ بالسيطرة على عدد من المقاعد، ويراهنون على التزام مانشين الحفاظ على مقعده في هذه الولاية الحاسمة بالنسبة إليهم، بخاصة أن الديمقراطيين أصبحوا على ثقة بأنه لا أحد يمكنه الاحتفاظ بالمقعد لصالحهم سوى مانشين، على رغم أن الديمقراطيين لا يثقون به بعد أن أثار سخطهم وغضبهم خلال العامين الماضيين عندما أسقط دعمه، بالتالي أفشل مشروع قانون "إعادة البناء بشكل أفضل" الذي راهن عليه بايدن والحزب بسبب كلفته المتوقعة بنحو 1.75 تريليون دولار منها مليارات الدولارات على مواجهة التغير المناخي.
ما طريقه للترشح؟
لكن، بعد أن انتهى الدور الاعتراضي الذي مارسه مانشين خلال النصف الأول من ولاية بايدن، بعد أن فاز الديمقراطيون بمقعد إضافي في مجلس الشيوخ، وعدم وجود مشاريع قوانين جديدة يمكن أن يدفع بها الديمقراطيون في وجود مجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون، مما يتطلب توافقاً بين الحزبين، يصبح التساؤل الأهم هو ما إذا كان سيخوض الانتخابات الرئاسية من داخل الحزب الديمقراطي أم من داخل الحزب الجمهوري أم سيختار أن يكون مستقلاً أو من حزب جديد؟
يعتقد كيث نوتون، خبير الانتخابات والمؤسس المشارك لشركة استراتيجيات الغالبية الصامتة، أنه إذا كان مانشين سيختار الطريق المستقل، فمن المرجح أن ترشحه سينتهي بالإدلاء ببيان بدلاً من المنافسة بشكل قوي على المكتب البيضاوي، بالنظر إلى أن سجل ترشيحات المستقلين أو المرشحين عن أحزاب ثالثة في التاريخ الأميركي ضعيف للغاية، إذ لم يفز مرشح من حزب جديد بالرئاسة أبداً منذ ما قبل الحرب الأهلية على الأقل.
وكان أفضل أداء بين هؤلاء هو الرئيس السابق ثيودور روزفلت الذي خاض الانتخابات عبر حزب جديد عام 1912، واحتل المركز الثاني في الانتخابات التي فاز بها وودرو ويلسون، ومنذ ذلك الوقت، لم يفز أي مستقل بأي ولاية، بينما كان أفضل مرشح وطني هو روس بيرو عام 1992، حيث حصل على 18.9 في المئة من الأصوات الشعبية، وكاد يفوز بولاية مين.
الترشح عبر حزب جديد
وقد يكون مانشين قادراً على نيل ترشيح حزب "فوروارد الجديد" الذي يعني "إلى الأمام"، مما يمنحه بعض مظاهر التنظيم وجمع التبرعات، وربما يكون مناسباً تماماً من حيث البحث عن هوية وسطية جديدة تحقق بعض الجذب الحقيقي مع الناخبين، وفي سباق بين بايدن البالغ من العمر 82 سنة وقت الانتخابات نهاية العام المقبل وترمب الذي سيبلغ من العمر 78 سنة، قد يفضل الناخبون جو مانشين الذي سيبلغ من العمر 77 سنة، لكن واقع تقديم مرشح مستقل هو مانشين من شأنه أن يدخله في دائرة الضوء العامة، إذ من المتوقع أن يجبر خطابه كلا المرشحين الحزبين الرئيسين على الرد، ومن المرجح في هذه الحالة أن يكون مانشين مرشحاً يتمتع بالقدرة على قلب السباق، ومن المؤكد، كما حدث مع المرشحين المعروفين المستقلين في السابق، أن يكلف إما الديمقراطيين أو الجمهوريين البيت الأبيض، من خلال سحب أصوات بعض الوسطيين الذين كانوا يصوتون لصالح أحد الحزبين.
الترشح جمهورياً
وعلى رغم أن هذا الاحتمال هو الأبعد، فإن بعض المتبرعين في الحزب الجمهوري طرحوه في وقت سابق من العام الماضي على جو مانشين، وفقاً لما نشره موقع "إنسايدر"، إذ أبلغوه رغبتهم بأن يواجه ترمب بصفته مرشحاً جمهورياً عام 2024، بعد أن أحبط السيناتور الديمقراطي الجوانب الرئيسة لأجندة الرئيس جو بايدن، كما ذكرت قناة "سي أن بي سي" أن مانشين حضر مأدبة غداء لجمع التبرعات في واحدة من ممتلكات الملياردير نيلسون بيلتز في فلوريدا، وهو مستثمر أسهم في دعم حملة إعادة انتخاب مانشين، وأن عديداً من كبار المديرين التنفيذيين في حفل جمع التبرعات أبدوا رغبتهم في أن يبدل مانشين انتماءه الحزبي، ما يؤدي به إلى تحدي الرئيس السابق ترمب في الانتخابات التمهيدية الرئاسية وخوض الانتخابات الرئاسية ضد بايدن في الانتخابات العامة عام 2024.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان من بين أبرز الحاضرين الرئيس التنفيذي لشركة "بلاكستون" ستيفن شوارزمان وكين لانغون وبرنارد ماركوس المؤسسان المشاركان في سلسلة متاجر "هوم ديبو" ذائعة الصيت، والمستثمر الملياردير ليون كوبرمان، إلى جانب ما لا يقل عن 50 من المديرين التنفيذيين الآخرين الذين يسهمون في التبرعات لصالح الجمهوريين، بحسب ما أفادت "سي أن بي سي"، نقلاً عن أحد الحضور الذي قال إن الملياردير بيلتز يدعم السيناتور مانشين بوصفه سياسياً منتخباً نادراً يضع أميركا قبل الحزب، وهناك حاجة ماسة إليه اليوم، لكن مانشين أوضح أنه غير مهتم بتبديل الأحزاب، وانتقد تقريراً صدر قبل أشهر عدة زعم أنه سيغير انتماءه الحزبي باعتباره هراءً، ومع ذلك قال مانشين الديمقراطي المحافظ إنه لا يعرف أين ينتمي في نظام الحزبين في البلاد.
ويشير موقع "ذا هيل" إلى أنه من غير المحتمل أن يصوت الناخبون المحافظون لصالح مانشين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري نظراً إلى سجل التصويت الذي نحته في السنوات الأخيرة، وعارض فيه إلغاء قانون الرعاية الميسرة عام 2017، وأدلى بصوته لإدانة ترمب في محاكمتي عزله، كما كان داعماً موثوقاً لمرشحة بايدن في المحكمة العليا القاضية كيتانجي براون جاكسون، فضلاً عن معارضة مانشين التخفيضات الضريبية التي طرحها الجمهوريون عام 2017 وفضل زيادة الضرائب على أغنى الأميركيين.
الترشح ديمقراطياً
والبديل الأكثر إثارة للاهتمام هو محاولة مانشين ترشيح نفسه لمنصب الرئيس من داخل الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه، والذي سيكون من وجهة نظر البعض نهاية لآمال بايدن في إعادة انتخابه، ففي حين أن الناخبين الديمقراطيين ليسوا بالضرورة متعطشين لترشيح مانشين، إلا أنهم يبحثون عن شخص آخر غير بايدن الذي أشار استطلاع أجرته مؤسسة "يوغوف" إلى أن 37 في المئة فقط من الديمقراطيين يريدونه أن يترشح مرة أخرى.
وبعيداً من تواصله مع أعلى شريحة من قيادات الحزب، يمكن أن يراهن مانشين على مناشدة الناخبين الديمقراطيين المعتدلين والأكثر وسطية أو حتى الناخبين الرافضين منهج وأداء اليسار التقدمي، ويمكن أن يضع نفسه في صورة الفائز الوحيد المحتمل في مواجهة ترمب أو غيره من المرشحين الجمهوريين المحتملين، وإذا كان بايدن قد اكتسح منافسيه الديمقراطيين عام 2020 في المقام الأول على أساس الخوف من أن المرشحين الآخرين لن يتمكنوا من هزيمة ترمب، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن ترمب يتساوى، وأحياناً يتقدم بايدن على المستوى الوطني على رغم المشكلات القانونية المتصاعدة حوله.
هل ينتصر مانشين؟
عادةً ما يتغلب الرؤساء الحاليون على خصومهم من داخل الحزب خلال التجديد لولاية ثانية، وعلى رغم نقيصة بايدن في ما يتعلق بالسن، فإن مانشين يعد أصغر قليلاً، لكنه ليس شاباً، كما أن بايدن وقع عديداً من التشريعات الكبيرة، وعديد منها بدعم من الحزبين، وكان أداء الديمقراطيين جيداً في انتخابات التجديد النصفي، مما جعل الحزب الديمقراطي يلتحم حوله، وإذا قرر الترشح لإعادة انتخابه، فمن المؤكد أن مؤسسة الحزب الديمقراطي ستكون داعمة له، وهذا سيجعل مهمة مانشين صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، بخاصة أن قيادات اليسار اتهمته بإفشال استراتيجية الحزب وبرغبته في إفشال الرئيس بايدن.
ولهذا يقارن البعض ترشيح مانشين المحتمل بتحدي المرشح للانتخابات الرئاسية يوجين مكارثي عام 1968 للرئيس ليندون جونسون في خضم حرب فيتنام، مما أدى إلى تخلي جونسون عن ترشحه، وخسارة ماكارثي في الانتخابات العامة أمام ريتشارد نيكسون، لكن إذا تنحى بايدن وقرر عدم الترشح لولاية ثانية في مواجهة مانشين، وهو أمر مستبعد حتى الآن على الأقل لاختلاف الظروف، فقد يرى مانشين أنه يمكنه الفوز إذا واجه مجموعة من التقدميين المتشددين ونائب رئيس متعثر مثل كامالا هاريس التي تقل نسبة تأييدها بين الأميركيين عن بايدن، ومع ذلك، فسوف تكون معركة من هذا النوع طويلة ومريرة، وقد تنتهي باتفاق بين المرشحين الآخرين لإقصاء مانشين وتركه في العراء، لكن في النهاية قد يضر هذا التنافس بالجميع ويخسر الحزب الديمقراطي الانتخابات العامة في مواجهة أي مرشح جمهوري، بخاصة أن التجارب التاريخية تشير إلى أن الرؤساء الذين لا يخوضون جولاتهم الانتخابية لدورة ثانية، لا يكسب حزبهم في الغالب المعركة الانتخابية مع الحزب المنافس.