نقل جنرال أميركي رفيع المستوى إلى وزير الدفاع بن والاس بأن الجيش البريطاني ما عاد يعتبر قوة قتالية "من الفئة الأولى" بعد عقود من خفض تمويله. ويأتي هذا التصريح في أعقاب التعليقات التي أدلى بها رئيس لجنة الدفاع النيابية بشأن "تفريغ" القدرات الدفاعية البريطانية من الداخل، والتحذيرات التي أطلقتها الأسبوع الماضي كتيبة كاملة من رؤساء الدفاع السابقين بشأن خطورة وضع القوات، والقاعدة الصناعية العسكرية البريطانية. وقد تكلم عن الموضوع اللورد ستيراب واللورد ويست واللورد بيتش واللورد هوتن.
هل كلام الجنرال الأميركي صحيح؟
نعم، وفق رأي مصادر الدفاع البريطانية. "خلاصة الأمر أنه لديك جهاز كامل يعجز عن حماية المملكة المتحدة وحلفائنا منذ عقد من الزمن. لدينا رئيس وزراء ووزير مالية في زمن حرب. سيحفظ التاريخ الخيارات التي يتخذانها في الأسابيع المقبلة باعتبارها خيارات أساسية تؤكد إما على إيمان هذه الحكومة الحقيقي بأن واجبها الأول يتمثل في الذود عن المملكة، أو أن هذا الكلام ليس سوى شعار فارغ". وتريد المصادر من ريشي سوناك وجيريمي هانت أن يزيدا موازنة الدفاع بمبلغ ثلاثة مليارات جنيه سنوياً على الأقل، ويوقفا خطة تقليص حجم الجيش بشكل متفاقم، ويسهلا شراء معدات جديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل سيقدم سوناك وهانت يد المساعدة للجيش؟
هذا غير مؤكد، نظراً لأن الأولوية هي لمكافحة التضخم. أرادت ليز تراس أن يبلغ الإنفاق على الدفاع ثلاثة في المئة من المدخول القومي مع حلول عام 2030. لكن منذ فشل حكمها، ضعف هذا الالتزام. وقلل سوناك من أهميته، إذ اعتبره "هدفاً اعتباطياً".
وقد اكتفى هانت بالإشارة إلى إن ذلك الإنفاق سيشكل اثنين في المئة سنوياً، بانتظار مراجعة الاستعراض المتكامل للموازنة في مارس (آذار) على الأرجح. في المقابل، وصف والاس نسبة الثلاثة في المئة بأنها "مؤشر مخطط له"، أياً كان معنى هذه الجملة.
ما القوة العسكرية "من الفئة الأولى"؟
لقد ذكر الجنرال الأميركي إن بريطانيا ليست قوة قتالية "من الفئة الأولى" بمعنى أنها ليست على غرار الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو فرنسا، بل إنها "بالكاد" تصنف في الفئة الثانية. إن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الحقيقية الوحيدة التي تمتلك نفوذاً عالمياً ومرونة عالية، ولديها موارد تقنية واقتصادية وصناعية تدعمها. تستطيع الولايات المتحدة خوض حروب عدة في الوقت ذاته، والقتال في البر والبحر والجو وفي الفضاء، إضافة إلى امتلاكها قدرات نووية. تأتي بعدها دول كروسيا والصين اللتين تعتبران مهيمنتان في بعض المناطق ولديهما جيوش كبيرة وترسانة نووية هائلة، لكنهما ليستا الأكثر تقدماً بالضرورة من ناحية التقنيات والقدرة اللوجستية والمرونة والنفوذ العالمي. تتمتع فرنسا، ويمكننا أن نجادل بأن بريطانيا كذلك، بنفوذ عالمي وتجربة أكبر، إضافة إلى قدرات ردع نووي، لكنهما أصغر حجماً. واستطراداً، تصنف الدول الأخرى مثل إيران وكوريا الشمالية وإسرائيل وتركيا والهند وباكستان، في خانة اللاعبين العسكريين الإقليميين، وتتمتع بمواطن قوى وضعف متفاوتة. واستطراداً، تتمتع ألمانيا واليابان بالإمكانات، لأسباب تاريخية جزئياً، لكنهما لا تملكان الإرادة أو القدرة على أخذ دور لاعب عالمي بأكثر مما هما عليه الآن. وثمة انحياز قانوني وثقافي في الدولتين نحو الدفاع عن النفس وضد الانتشار [عسكرياً] في الخارج.
ما رأي وزارة الدفاع؟
تؤيد وزارة الدفاع وجهة نظر المنتقدين. وتأتي تصريحات والاس أقرب إلى كلام متحدث باسم المعارضة. إذ يقر بصراحة بأن حكومته، على غرار حكومات العمال التي سبقتها، أهملت القوات العسكرية و"أفرغتها من الداخل". ويتمثل انتقاده الوحيد لنواب العمال بعدم اعترافهم بأن حكومتي بلير وبراون كانتا سيئتين أيضاً. أصبحت وزارة الدفاع أقرب إلى مقر حركة تمرد تهاجم رئاسة الوزراء ووزارة المالية، بدل أن تكون وزارة تدعمهما وتشاركهما المسؤولية.
[يتوجب إلقاء اللوم على] الجهة المسؤولة عن شراء المعدات العسكرية على امتداد القرن الماضي أو أكثر، أياً كانت. يسجل التاريخ ضعف بريطانيا بشكل خاص في مجال إدارة المشاريع بشكل فاعل وفي الوقت المناسب. ويقدم الهدر نموذجاً عن ذلك. يعتبر مشروع "أجاكس" الكارثي للمركبات المصفحة الجديدة آخر مشروع ضمن سلسلة من المشتريات الدفاعية الفاشلة أو الباهظة الثمن. وعلى نحو مماثل، ما زال الغموض يحيط بمستقبل الفرقاطة من "الطراز 32" (Type 32)، مع أن هذا الموضوع يتعلق بـ"الكلفة" أكثر منه بالمشكلات التقنية.
وفي الغالب، تسفر مشكلات شراء المعدات عن شراء معدات أميركية أو التعاون مع الحلفاء في صناعة طائرات قتالية مثلاً. ويتمثل آخر الأمثلة عن ذلك بالمبادرة الجديدة في مجال الطائرات مع إيطاليا واليابان. ويمكن الإقرار بإنها أضعفت "المرونة القتالية".
في سياق متصل، أدت صفقة "بريكست" [خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي] إلى عرقلة التعاون في مجال الدفاع والأمن، سواء في مجال السياسة الصناعية أو نشر القوات، في منطقة البحر المتوسط مثلاً. بالتالي، لم يعد بإمكان المملكة المتحدة أن تستفيد من ثقل الاتحاد الأوروبي الدبلوماسي ومن تضامن الأمم المتحدة (في مسألة فوكلاند وإقليم المحيط الهندي البريطاني مثلاً).
ماذا نتوقع من قواتنا المسلحة؟
إننا نبالغ في تطلبنا. إذ تكمن المشكلة الرئيسة التي تكبر منذ سنوات في أن الحكومات المتعاقبة من الأحزاب كافة تواصل مطالبة القوات المسلحة ببذل جهد أكبر بموارد أقل، على رغم دورها الذي ينحو اليوم نحو العالمية أكثر من أي وقت مضى، منذ تخلت بريطانيا عن مسؤولياتها في "شرق عدن" قبل نصف قرن مضى. وتضم قائمة المتطلبات الطويلة أوكرانيا، وحلف الناتو وتحالف أوكوس، والمجال النووي والسيبراني والذكاء الاصطناعي ومكافحة الإرهاب وحفظ السلام والخدمة لتغطية أوقات الإضراب وغيرها.
هل يمكن الحصول على أصوات الناخبين عبر سياسة دفاعية قوية؟
قلة من بينهم. وحتى الآن، في ظل تفاقم خطر التوسع الروسي والإرهاب العالمي والهجمات السيبرانية، يبدو الناخبون غير مبالين في أفضل الأحوال بموضوع الدفاع. لا شك في أن الجيش البريطاني يملك "حلفاء" أقل يمكنه أن يطلب منهم الدفاع عنه. ومع تراجع عدد أفراد الجيش، يتضاءل نفوذهم في المجتمع. ومع هذا، ثمة احترام كبير لشجاعتهم وتضحياتهم التاريخية. لكن إلى أن تبدو الحرب وشيكة، يميل الناخبون إلى القلق أكثر بشأن نفقة المعيشة وهيئة "الخدمات الطبية الوطنية" والمدارس والهجرة.
إذاً، ليس هذا بالموضوع الرابح بالنسبة إلى المحافظين؟
ما زالت تلك المسألة من بين المجالات التي يتقدم فيها المحافظون على العمال (27 في المئة في مقابل 19 في المئة، وفق مؤسسة "يوغوف"، بتاريخ نوفمبر / تشرين الثاني 2022). في المقابل لا يبرز هذا الموضوع بشكل عام على قدم المساواة مع المواضيع الأخرى، ولا يؤثر عادة في سلوك الناخبين خارج بعض الدوائر الانتخابية، كـ"بورتموث". منذ تولي كير ستارمر زعامة حزب العمال، تقلص الفارق كثيراً بين الحزبين الرئيسين في مواضيع تشمل الناتو والسلاح النووي، والتزامات الإنفاق العامة ورعاية عناصر الخدمة السابقين وغيرها من الأمور. ويتناقض هذا الواقع مع سنوات تاتشر حين تعزز الإنفاق الدفاعي بشكل حقيقي حتى في فترات الركود الاقتصادي. في أوج حقبة "الحرب الباردة" مع روسيا، حظيت تلك السياسة بشعبية واسعة في أوساط الناخبين المحافظين. ربما تتكرر هذه الحال قريباً.
© The Independent