تتجه الأنظار الإثنين المقبل إلى قصر العدل حيث من المقرر عقد جلسة لاستجواب وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق ووزير الاشغال السابق النائب الحالي غازي زعيتر، وذلك في إطار سلسلة جلسات مشابهة تبدأ في السادس من فبراير (شباط) وتستمر حتى 22 منه وعددها ثماني، حددها المحقق العدلي القاضي طارق البيطار لمجموعة من المدعى عليهم وعددهم 13من بينهم أمنيين وقضاة، وفي مقدمهم المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير جهاز أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا، والمدعى عليه حديثاً المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات. وتؤكد مصادر مقربة من البيطار لـ"اندبندنت عربية" أن جلسة الاستجواب الإثنين لا تزال قائمة في موعدها، وأنه ماض في الإجراءات التي اتخذها، بعد استئناف عمله الأسبوع الماضي، وهو لن يتردد في إصدار مذكرات توقيف غيابية بحق المشنوق وزعيتر إذا لم يحضرا، وأمام هذا الواقع يتخوف كثيرون من تطورات دراماتيكية قد تشهدها أروقة قصر العدل قد تصيب بشظاياها الوضع اللبناني المتأزم أصلاً، خصوصاً إذا قرر القاضي عويدات الرد على قرارات البيطار بتنفيذ مذكرة اعتقال بحقه، على قاعدة "أن البيطار يده مكفوفة بحكم القانون ولم يصدر لغايته أي قرار بقبول أو رفض الرد أو نقل أو عدم نقل الدعوى من أمامه" كما نص بيان سابق صادر عن مدعي عام التمييز.
ترتيبات البيطار للإثنين أنجزت وعويدات مستنفر
وعلى رغم إبلاغ النيابة العامة التمييزية البيطار رسمياً في كتاب، "أنها لن تنفذ أياً من التبليغات التي أحالها إليها لإبلاغ مدعى عليهم بمواعيد جلسات التحقيق معهم"، إلا أن التبليغ قد تم لصقاً بواسطة موظف من دائرة المباشرين في بيروت، وذكرت مصادر قضائية لـ"اندبندنت عربية" أن زعيتر والمشنوق المدعوان للاستجواب الإثنين قد أبلغا لصقاً، فيما علم أن رئيس الحكومة السابق حسان دياب المحددة جلسة استجوابه الأربعاء الثامن من فبراير، قد أبلغ لصقاً على باب مكتبه، بعد تعذر تنفيذ الأمر على باب منزله، إذ منع حراسه وصول الموظف المكلف إلى المبنى الذي يقطن فيه.
واستكمالاً لتحضير الإجراءات المطلوبة لجلسة السادس من فبراير، وفي رسالة واضحة بعدم تراجعه، أراد تسجيلها قبل الإثنين، حضر القاضي البيطار إلى مكتبه في قصر العدل الأربعاء المنصرم، في إطار دوام عمل عادي وفق مصادره وبقي هناك ثلاث ساعات، وأكدت مصادر مقربة منه أنه لن يقبل بأن يعرقله شيء، ولن يتردد بإصدار مذكرات توقيف غيابية بحق من سيتغيب عن جلسات الاستجواب، ويكمل عمله بعدها وصولاً إلى إصدار القرار الاتهامي، علماً بأن مذكرات التوقيف هي إدارية وتبقى قائمة وموجودة حتى لو لم تعمم أو تنفذ، كما هي الحال بالنسبة إلى مذكرات التوقيف الصادرة بحق الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر، وتؤكد المصادر المقربة من البيطار أن الخطوات التي سيتخذها المحقق العدلي ستستند إلى قانون المحاكمات الجزائية، وهو لن يقع في فخ تخطي القانون. في المقابل لا يبدو المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات في وارد التراجع أيضاً عن اعتبار البيطار "مغتصب سلطة ولا يحق له استئناف التحقيق طالما يده لا تزال مكفوفة"، وتؤكد مصادر قضائية مقربة من عويدات لـ"اندبندنت عربية" أنه لن يتردد في اتخاذ الإجراء المناسب بحق البيطار إذا نفذ الأخير قراراته غير القانونية، حتى لو وصل الأمر إلى إصدار مذكرة جلب بحقه وإحضاره بالقوة، وتصف المصادر المقربة من عويدات الدراسة التي استند إليها المحقق العدلي لاستئناف عمله في قضية انفجار المرفأ بعد توقف دام 13 شهراً، بالهرطقة القانونية وبأنها أتت في غير سياق، وهي لم تشر إلى المحقق العدلي بل إلى قضاة المجلس العدلي. وعن اعتبار قرارات عويدات غير قانونية أيضاً، وهو مدعى عليه نتيجة قرار صادر عن المحقق العدلي، ترد المصادر نفسها بأن الادعاء أتى مخالفاً لأصول ملاحقات القضاة وتحديداً للمادة 344 وما يليها، وتؤكد أن النيابة العامة التمييزية لن تقبل بأي قرار اتهامي سيصدر عن البيطار وستعتبره باطلاً لأنه مخالف للقانون.
مجلس القضاء الأعلى يحاول سحب فتيل الانفجار
مصدر قضائي آخر يؤكد لـ"اندبندنت عربية" أن وحده رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود قادر على إيجاد حل لهذه الأزمة، على اعتبار أنه الوحيد الذي يستطيع، وفق المصدر نفسه، أن "يتمنى" على البيطار التراجع عن قراراته الأخيرة، والعودة إلى مربع انتظار بت طلبات الرد المقدمة ضده قبل استئناف عمله، فالحل الوحيد المتبقي، بحسب ما يتردد في أروقة قصر العدل، لتلافي مواجهة قضائية قد تنسحب إلى الشارع، هو تراجع البيطار عن الادعاءات التي اتخذها في الأيام الأخيرة، مقابل تراجع عويدات عن ادعائه على البيطار ومنعه من السفر، على اعتبار أن التراجع عن إطلاق سراح الموقوفين الذي اتخذه المدعي العام التمييزي، والذي اعتبر غير قانوني، قد يكون من الصعب الرجوع عنه. وقبل أيام قليلة على يوم الحسم في السادس من فبراير، تؤكد مصادر رئيس مجلس القضاء الأعلى تمسكه بالكتاب وبحثه عن الحلول المناسبة والقانونية لمعالجة الأزمة، وهو لهذه الغاية عقد لقاء الإثنين المنصرم مع المدعي العام التمييزي وآخر الثلاثاء مع وزير العدل هنري خوري، ومع عدد من القضاة أعضاء مجلس القضاء الأعلى، نافياً حصول اجتماع بينه وبين القاضي البيطار الذي زار قصر العدل الأربعاء، مؤكداً في المقابل أن لا شيء يمنع رأس السلطة القضائية من أن يلتقي من يريد، وفيما يتريث القاضي عبود بالدعوة إلى اجتماع لمجلس القضاء الأعلى لحسم القضية، نظراً للانقسامات الحادة في صفوفه، ما يجعل النصاب لأي اجتماع غير متوافر، يبدو أنه حتى الآن لا نتائج ملموسة لمساعي عبود، وسط كلام عن صعوبة الحلول، خصوصاً أن "القانون للأسف صار وجهة نظر" كما تقول مصادر مقربة من رئيس مجلس القضاء الأعلى.
وبحسب ما هو ظاهر فإن أي تسوية في هذا الموضوع باتت معقدة خصوصاً أن لا البيطار ولا عويدات مستعدان للتراجع، كما أن عودة البيطار إلى المربع الأول ووقف مسار التحقيق، أمر لن يمر مرور الكرام لدى أهالي ضحايا الانفجار وكذلك لدى المجتمع الدولي، الداعم للتحقيقات وحق الشعب اللبناني في معرفة الحقيقة ومحاسبة الفاعلين، وسط مخاوف جدية من صدام كبير وتحركات اعتراضية في الشارع لا أحد يدري كيف تنتهي، كما أن جرعة الدعم التي تلقاها المحقق العدلي من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، حيث يطالبه في الاستمرار في عمله حتى الوصول إلى كشف الحقيقة، ستكون عاملاً إضافياً لعدم تراجع البيطار عن قراراته، مقابل ما يتردد عن دعم الثنائي الشيعي، "حركة أمل" و "حزب الله"، لعويدات وحثه على عدم التراجع، بعدما كان "حزب الله" أول من طالب بـ"قبع" البيطار، والحل إذاً قبل الإثنين المقبل بات يحتاج إلى معجزة.
الدعاوى بحق البيطار بلغت 45
واستناداً إلى ما اعتبراه "أخطاء ارتكبها باستئناف التحقيق من دون مسوغ قانوني"، تقدم الأربعاء المنصرم النائبان غازي زعيتر وعلي حسن خليل (مقربان من رئيس البرلمان نبيه بري)، بدعوى جديدة أمام محكمة التمييز المدنية، طلبا فيها رد البيطار وتنحيته عن الملف، وتأتي هذه الدعوى استكمالاً لثلاث دعاوى كان رفعها كل من زعيتر وخليل الإثنين ضد البيطار أيضاً، الأولى أمام النيابة العامة التمييزية اتهمته بارتكاب جرائم "اغتصاب السلطة، ومخالفة قرارات قضائية، وإثارة النعرات المذهبية والعنصرية، وانتحال صفة محقق عدلي"، والثانية أمام هيئة التفتيش المركزي بـ"ارتكاب مخالفات مسلكية"، والثالثة أمام محكمة التمييز الجزائية تطالب بنقل ملف المرفأ من عهدته وتعيين قاض بديل منه بسبب "الارتياب المشروع"، وبذلك يرتفع عدد الدعاوى المقامة ضد البيطار إلى 45 دعوى، كلها تتضمن الوقائع ذاتها وتطالب بعزله عن النظر بهذا الملف، واستناداً إلى الاجتهاد القانوني الذي استند إليه القاضي البيطار لاستئناف عمله في انفجار المرفأ، الذي لم يصدر بعد أي قرار قضائي رسمي في مخالفته فإن دعاوى الرد بحق المحقق العدلي لن تمنعه من استكمال عمله حتى إصدار القرار الاتهامي، وكان البيطار قد استند إلى اجتهاد كان أعده رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي السابق فيليب خير الله، اعتبر فيه أن المجلس العدلي هيئة مستقلة موازية للهيئة العامة لمحكمة التمييز، ورأى أن أي قرار ينص على تنحية المحقق العدلي هو إلغاء لموقع أنشئ بموجب مرسوم وزاري، بحيث لا يحتاج المحقق العدلي إلى إذن لملاحقة المدعى عليهم، كونه أساساً مفوضاً للقيام بهذه المهمة.