تقدمت الحكومة الكويتية باستقالتها الأسبوع الماضي بعد قرابة ثلاثة أشهر من تشكيلها، وهي الحكومة الثالثة التي يشكلها الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح وكانت أولاها بعد انتخابات سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، واستقالت بعد تعثر وتعديلات في حقائبها واستقالات فردية داخلها.
عدد الحكومات التي تشكلت منذ إعلان الدستور الكويتي عام 1962 بلغ 41 حكومة بمعدل حكومة كل سنة ونصف السنة، وهذه الأرقام بحد ذاتها تعكس حالاً من عدم الاستقرار أو القدرة على الإنجاز في حكومات عمرها قصير للغاية، بل إن بعض حكومات "تصريف العاجل من الأعمال" عمرها بعد استقالتها قد يتجاوز عمر حكومات قائمة.
تعيش الإدارة السياسية الكويتية حالاً من الجمود والتراجع على جميع المستويات، فمؤشرات التنمية والفساد والشفافية المتراجعة هي بعض غيض من فيض من الحال المتردية التي وصلت إليها البلاد. ولقد لخص عنوان مجلة "إيكونوميست" الشهيرة الحال الكويتية كالتالي، "أزمة نظام سياسي، وسياسات اقتصادية قصيرة النظر أدت إلى حال التراجع في الكويت". فما إن تستفيق البلد من فضيحة فساد حتى تدخل أخرى، وما إن تستوعب قراراً قراقوشياً حكومياً، حتى يصدر قرار آخر أكثر فوضوية وغرابة.
وتعيش الأطراف السياسية في البلاد حالاً من التلاوم المتبادل، ففريق يرى أن هناك دولة عميقة عملت على مأسسة الفساد على مدى عقود، وأنه لا مناص من التخلص من الدولة العميقة واجتثاث الفساد وإلا فسنبقى نراوح مكاننا لعقود مقبلة، بل إن بعضهم يحذر من أن الدولة العميقة قد تنقلب على النظام السياسي القائم إذا شعرت بأن مصالحها في خطر.
وهناك أيضاً من يلوم الحكومات والسلطة، مؤكداً عدم قناعتهما بالديمقراطية السياسية والنظام الديمقراطي برمته، وهو ما سماه الناشط الكويتي المعروف أحمد الديين "عقلية المشيخة السلطوية" التي يتصارع أصحابها في ما بينهم على الهيمنة والمناصب المتقدمة، ويذهب هذا الفريق إلى أن أصحاب هذه العقلية متربصون يتحينون الفرصة للانقضاض على النظام الدستوري برمته، وتأثير هذه العقلية هو الذي يعرقل التعاون بين الحكومة والبرلمان ويشيع الفساد والإفساد والجمود والتراجع كي "يكفر" الناس بالديمقراطية ولا يأسفوا على تعليق نظامها حين ينقضون عليه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فريق ثالث يرى أن ما يجري سببه البرلمان، حيث أهملت، بل أضعفت، السلطة السياسية قوى البلاد المدنية ومؤسسات المجتمع المدني، وتركت المجتمع عرضة للقبلية السياسية والأحزاب الدينية السياسية وقوى فئوية ضيقة النظر على مدى نصف القرن الماضي، وهذه الحال أنتجت برلمانات نفعية شعبوية تفكر بمصالحها الشخصية ومصالح أحزابها وقبائلها وفئاتها من الناخبين، وهو ما لن يحقق التنمية المنشودة مهما تغيرت الحكومات ومهما أجري من انتخابات، فالنتيجة كانت ولا تزال واحدة، وهي غياب مشروع الدولة المدنية تاركاً أجيالاً عرضة للاختطاف من قبل أحزاب الدين السياسي والتناحر القبلي والفئوي، وتركيبة البرلمانات تعكس ذلك.
أما الفريق الرابع الذي يميل إليه كاتب هذه السطور، فيرى أن النظام السياسي الدستوري الكويتي عفا عليه الزمن وأن تعديلات جذرية حان وقتها منذ زمن بعيد، ويبرر أصحاب هذا الرأي موقفهم بأن واضعي الدستور أشاروا إلى أن عمره خمس سنوات وأنه قابل للتعديل بعد ذلك، وكان ذلك قبل 60 عاماً، لكن الدستور ما زال كما هو، والمجالس تتراجع بتشكيلاتها المضحكة أحياناً، والمخزية أحياناً أخرى، وذلك لغياب العمل المدني المؤسسي الذي تؤمن به الدولة وتتبناه ليكون ضمن مشروعها التنموي المستقبلي الشامل.
يتأفف الشارع الكويتي ويدرك بإحساسه الوطني أن مشكلات الكويت هي السهل الممتنع، بلد صغير بشعب صغير العدد وبثروات هائلة، إذا ما توافرت له الإرادة السياسية والإدارة الحديثة المحوكمة، فإنه سينهض "عروساً للخليج" مرة أخرى.
الوضع في البلاد يراوح مكانه منذ عقود، انتخابات وحكومات وحل برلمانات وانتخابات واستقالات الحكومات، بينما لسان حال الكويتي البسيط يردد، وبعدييين؟ وبعدييين؟