أيام صعبة يعيشها الجنيه الإسترليني ربما تذكرنا بما حدث خلال العام 1967، حينما تعرض الاقتصاد البريطاني لأزمة في ذلك الوقت واضطرت لندن إلى خفض قيمة الجنيه الإسترليني بأكثر من 14% حتى بلغت قيمته نحو 2.40 دولار في هذا الوقت.
وربما تشير هذا البيانات إلى أن أفضل حقبة ازدهر فيها الجنيه الإسترليني ليتصدر عرش سوق العملات العالمية كانت خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، أي منذ نحو نصف قرن، وقد تحوّلت العملة البريطانية إلى الخسائر المستمرة إلى أن جاء "بريكست" ليقضي على ما تبقى منها.
البيانات تشير إلى تراجع الجنيه الإسترليني دون 1.24 دولار في تعاملات أمس الثلاثاء، مع تصاعد المخاوف من خروج بريطاني "بريكست" من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، أو ما يسمى بالخروج العشوائي، الذي سينعكس سلباً على قطاعات التجارة والمال.
وخلال العامين الماضيين تحول الإسترليني من منافس قوي في سوق العملات العالمية إلى منافس في سوق الخسائر التي تتكبدها عملات الأسواق الناشئة والتي بدأت قبل عامين تقريباً، على الرغم من احتفاظ العملات الأخرى بعيداً عن عملات الأسواق الناشئة بموقعها في سوق العملات العالمية.
1967... أعلى قيمة للإسترليني مقابل الدولار
وخلال 10 سنوات من تاريخ تسجيل أعلى سعر أمام الدولار، وتحديداً خلال العام 1976 ارتفع معدل البطالة وقفز التضخم، وطلبت الحكومة البريطانية إثر هذه الأزمة قرضا من صندوق النقد الدولي ليهبط الجنيه الإسترليني إلى نحو 1.7 دولار.
لكن التدخل الذي قام به بنك إنجلترا خلال العام 1979 كان بمثابة نقطة تحول للإسترليني، فقد تم رفع القيود عن أسعار الصرف، وللمرة الأولى سمح بنك إنجلترا بتعويم العملة (أي تحرير سعر صرفها)، ليستعيد الإسترليني جزءاً من عافيته ويصعد ليسجل 2 دولار.
وخلال العام 1985 تسببت تدخلات دولية في أسواق العملات في ارتفاع الدولار على حساب الجنيه الإسترليني الذي سجلت قيمته أقل من 1.2 دولار.
وبحلول العام 1992 خرجت المملكة المتحدة من آلية سعر الصرف الأوروبية وضارب المستثمر الأميركي الشهير "جورج سوروس" ضد الجنيه الإسترليني لتهبط قيمته بأكثر من 20% ليبلغ سعره نحو 1.5 دولار.
ومنذ ذلك الوقت، والإسترليني يواصل خسائره، إلى أن جاء العام 2016 ليحمل الصدمة الأكبر في تاريخ الإسترليني، حيث صوّت البريطانيون في استفتاء تاريخي لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتعرض الجنيه الإسترليني بعدها مباشرة لأكبر خسائر يومية على الإطلاق مسجلا أدنى مستوى في 30 عاما أمام الدولار، وسجل مستوى 1.33 مقابل الدولار، وواصل تراجعه ليجرى تداوله بين مستويات 1.2 و1.25 للدولار خلال الفترة الحالية.
استقالة "ماي" تدعم الأداء الإيجابي وتقلص الخسائر
لكن إعلان استقالة رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، خلقت دعماً قوياً للإسترليني، حيث سجل ارتفاعاً قوياً بعد سلسلة طويلة من الخسائر مقابل الدولار واليورو مع تحديد "ماي" موعدا لاستقالتها، بعد يومين من السعي لدفع اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من هذه الارتفاعات، لكن اتسمت التداولات بالتقلب في الوقت الذي زادت فيه المخاوف من أن خليفتها سيكون زعيما منتقدا للاتحاد الأوروبي على الأرجح، مما قد يعزز احتمالات خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي دون اتفاق.
أخيراً، دخلت المنافسة الانتخابية على زعامة حزب المحافظين ورئاسة الوزراء مراحلها الأخيرة بين المرشحين المتنافسين، وهما بوريس جونسون وجيريمي هانت. وأثارت الحملة الانتخابية موقف المرشحين إزاء قضايا داخلية وإقليمية أوروبية وأخرى دولية. أبرزها الموقف من الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي "بريكست".
خسائر جديدة تنتظر العملة البريطانية في 2019
وأظهر استطلاع أجرته وكالة "بلومبيرغ" الشهر الماضي، أن الجنيه الإسترليني سيتراجع لأدنى مستوى له خلال عامين وبواقع أكثر من 2% ليصل إلى 1.24 دولار إذا ما حلّ شخص يدعم الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست" دون التوصل لاتفاق.
وفي حين أن الاستطلاع يرى أن مثل هذه النتيجة هي السيناريو الأكثر احتمالاً بنسبة 70% يتوقع المحللون أن يمنع النواب خروجاً لبريطانيا من دون اتفاق وتراجعا أكبر لقيمة العملة.
وتأرجحت قيمة الجنيه الإسترليني صعودا وهبوطا منذ الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي أجري عام 2016، وزادت حدة التذبذبات في ظل تنحي ماي بعد فشلها في الحصول على موافقة البرلمان المنقسم على خطتها مع بروكسل. ويحاول بعض المتنافسين على منصب "ماي" إعادة طرح "بريكست" من دون اتفاق على الطاولة.
وقال مرشحون، من بينهم وزير الخارجية السابق، بوريس جونسون، الأوفر حظا حاليا لخلافة ماي، والوزير السابق المعني بشؤون "بريكست"، دومينيك راب، إنهم مستعدون للسماح بإتمام عملية "بريكست" من دون التواصل لاتفاق، للتأكد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بحلول الموعد النهائي في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
أدنى مستوى في أكثر من عامين
ومنتصف الشهر الماضي، عمّق الجنيه الإسترليني من خسائره أمام الدولار الأميركي واليورو، ليكون عند أدنى مستوى في 27 شهراً، وسط مخاوف بشأن "بريكست" من دون صفقة. ويأتي الهبوط في قيمة العملة المحلية لبريطانيا بالتزامن مع ترقب طريقة تعامل رئيس وزراء جديد للبلاد ليكون خلفاً لـ"تريزا ماي" مع ملف "بريكست".
ويرى كل من المتنافسين على المنصب "بوريس جونسون" و"جيريمي هانت" أن ما يسمى بخطة الدعم لتجنب الحدود الصعبة في أيرلندا -والتي تعتبرها بروكسل ضرورية- يجب إلغاؤها.
ومن المقرر اختيار رئيس الوزراء الجديد الأسبوع المقبل مع اقتراب الموعد النهائي المحدد للبريكست.
كما من المقرر أن تترك المملكة المتحدة عضوية الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بحسب التمديد للمادة 50 بدلاً من الموعد السابق في 29 مارس (آذار) الماضي.
ركود اقتصادي هو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية
كانت دراسة حديثة حذرت من أن المملكة المتحدة تواجه خطراً بشأن حدوث ركود اقتصادي هو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية بسبب عدم اليقين حيال البريكست والتباطؤ الاقتصادي العالمي.
لكن محافظ بنك إنجلترا "مارك كارني" أكد أن المركزي البريطاني لديه القدرة على التعامل مع أيّ تأثير اقتصادي جراء البريكست.
وأظهرت بيانات حديثة، أن أجور العاملين في المملكة المتحدة سجلت أسرع وتيرة ارتفاع في 11 عاماً خلال الثلاثة أشهر المنتهية في شهر مايو (أيار) الماضي مع استقرار معدل البطالة عند أدنى مستوى بـ45 عاماً.
وأشارت الدراسة، إلى أنّ كلفة تعويض الشركات في المملكة المتحدة عن الانسحاب من دون اتفاق ستبلغ 22 مليار جنيه إسترليني (27.28 مليار دولار) سنوياً، أي ما يفوق نصف ميزانية المدارس في البلاد.
وتحذّر الدراسة من حاجة بعض القطاعات إلى خطط إنقاذ ضخمة بسبب الرسوم الباهظة الجديدة التي ستتكبدها، ومن هذه القطاعات قطاع صناعة السيارات والصناعات الكيماوية والنسيج والطائرات ومعظم القطاع الزراعي.