خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصادي الصيني على المدى المتوسط، على رغم أنه رفع توقعاته لثاني أكبر اقتصاد في العالم لعام 2023، مما يبرز التحديات الاقتصادية المستمرة التي تواجهها بكين على رغم التغيير الأخير نحو نغمة أكثر دعماً للنمو.
ويتوقع الصندوق الدولي أنه في غضون خمس سنوات، ستنمو الصين بمعدل سنوي قدره 3.8 في المئة، وفقاً لأحدث تقييم للاقتصاد الصيني في مراجعة المادة الرابعة الصادرة، أمس الجمعة، بانخفاض عن توقعات الصندوق لأكتوبر (تشرين الأول) عند 4.6 في المئة.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن صندوق النقد الدولي أنه رفع تقديرات توسع الصين هذا العام بمقدار 0.8 نقطة مئوية إلى 5.2 في المئة، مشيراً إلى رفع البلاد لقيود "كوفيد" الصارمة بشكل أسرع من المتوقع، والتعافي المحتمل في الاستهلاك الخاص.
وتشير البيانات الصينية الرسمية إلى أن معدل النمو في الصين بلغ ثلاثة في المئة العام الماضي، وهو أحد أبطأ معدلاته منذ عقود.
وكان الرئيس الصيني شي جينبينغ أظهر، أخيراً، بعد حصوله على فترة ولاية ثالثة مدتها خمس سنوات، استعداده لتعديل السياسات لتعزيز النمو.
وعلى مدار الشهرين الماضيين، قام فجأة بتفكيك سياسته الخاصة بعدم وجود" كوفيد"، التي تضمنت عمليات إغلاق قاسية واختبارات جماعية، وخففت قيود التمويل على مطوري العقارات وأعطت تعليمات إلى أتباعها للإشارة إلى إنهاء الحملة التنظيمية الحكومية على قطاع التكنولوجيا الخاص.
تقلص عدد السكان وانخفاض النمو
في حين تعكس التوقعات الأكثر تشاؤماً لصندوق النقد الدولي في ما يتعلق بآفاق الصين على المدى المتوسط مزيجاً من تقلص عدد السكان وانخفاض النمو في الإنتاجية أو الناتج لكل عامل ووحدة رأس المال، إذ انخفض نمو الإنتاجية في الصين بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة إذ أصبح قطاع الدولة أكبر، مما أدى إلى استبعاد الشركات الخاصة التي تميل إلى أن تكون أكثر رشاقة وربحية.
وأظهرت أبحاث الصندوق أن "إنتاجية الشركات المملوكة للدولة، في المتوسط، تمثل 80 في المئة فحسب مقارنة بإنتاجية الشركات الخاصة في نفس القطاع، ومع ذلك، تلعب الشركات الحكومية دوراً متزايد الأهمية في اقتصاد الصين، إذ تلجأ السلطات إليها لضمان الإمدادات أثناء الوباء وتنفيذ حملة الاكتفاء الذاتي التكنولوجي لبكين وسط التوترات المتزايدة مع الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.
زيادة أعباء الشركات المملوكة للصين
وجاء في تقرير الصندوق "تم تكليف الشركات المملوكة للدولة بإحراز تقدم في القطاعات والتقنيات ذات الأهمية الاستراتيجية المتأثرة بالضغوط الجيو-اقتصادية المتزايدة، مما يزيد من أعبائها بالمسؤوليات".
ودعا الصندوق بكين إلى إجراء إصلاحات متوقفة منذ فترة طويلة في قطاع الدولة وتسهيل منافسة الشركات الخاصة مع الشركات الحكومية، وحتى الآن، أظهرت بكين إشارات قليلة إلى التحرك في هذا الاتجاه وفقاً لتقرير الصندوق، في حين استجابت السلطات الصينية لتوصيات الصندوق من خلال تكرار التزامها ما يسمى إصلاح الملكية المختلطة التي قالت إنها ستساعد في تعريف المستثمرين الاستراتيجيين وتشجع أنواعاً مختلفة من رأس المال للاستفادة من نقاط القوة لدى بعضها البعض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت الفكرة الأصلية لـ"إصلاح الملكية المختلطة" التي يعود تاريخها إلى أواخر التسعينيات، هي تشجيع رأس المال الخاص على الاستثمار في الشركات الحكومية، مما يجلب مزيداً من فطنة القطاع الخاص إلى قطاع الدولة المتضخم في الصين، ومع ذلك وفي ظل قيادة الرئيس الصيني على مدار العقد الماضي تسير العملية في الاتجاه المعاكس، إذ تستوعب الشركات الحكومية الكبيرة الشركات الأصغر للحفاظ على استمرارها، وإعادة تشكيل استراتيجيات الشركات الأصغر لخدمة الدولة.
الصين نحو انخفاض سكاني طويل
وفي إشارة أخرى مقلقة للاقتصاد الصيني، تقلص عدد سكان البلاد العام الماضي للمرة الأولى منذ أوائل عام 1960، إيذاناً ببداية انخفاض سكاني طويل الأجل، في ظل توقعات أن يضغط التحول الديموغرافي التكتوني على نظام المعاشات التقاعدية في الصين وسوق الإسكان المضطرب بالفعل، مما يهدد هدف القيادة، المعلن عنه في عام 2020، بتوسيع ثروة البلاد ومضاعفة حجم الاقتصاد بحلول عام 2035.
الصندوق يوصي برفع سن التقاعد في الصين
وقال المتخصص في الشأن الاقتصادي الصيني لاري هو من مجموعة "ماغوايار غروب" لشبكة "سي أن بي سي" إنه "كان كل 10 صينيين في سن العمل يدعمون متقاعداً واحداً في عام 2002، انخفضت هذه النسبة إلى خمسة في عام 2021 وستنخفض أكثر إلى أربعة في عام 2030".
وأوصى الصندوق بأن ترفع بكين سن التقاعد تدريجاً إلى 65 عاماً وتستثمر مزيداً في رأس المال البشري وكانت الصين قد سمحت منذ فترة طويلة للرجال بالتقاعد في سن الـ60 والنساء في سن الـ55 أو قبل ذلك، وبشكل عام، فإن الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز الإنتاجية تعني متوسط معدلات نمو بنحو 4.5 في المئة و4.75 في المئة بين عامي 2023 و2027، وفقاً للصندوق.
رياح نمو معاكسة
ويتوقع الصندوق الدولي أن "تواجه الصين أيضاً رياحاً معاكسة ضد النمو على المدى القريب، إذ توقعت رئيسة بعثة الصين الجديدة لدى الصندوق سونالي غين شاندرا أن تنتعش الصين بقوة هذا العام"، مستدركة "لكن هناك بعض المخاطر السلبية الملحة"، مضيفة أن "المخاطر بما في ذلك موجات متجددة من عدوى كوفيد، واستمرار التراجع في قطاع العقارات وارتفاع محتمل في التضخم يمكن أن يؤدي إلى انتكاسة انتعاش الصين في عام 2023".
وقالت شاندرا إن "المناقشات الأخيرة المؤيدة للنمو في بكين قدمت إشارات طيبة ومرحبة إلى أن الحكومة تميل نحو دعم الأنشطة الاقتصادية"، مضيفة "إننا نتطلع إلى سماع إجراءات محددة تدعم تنفيذ رؤية السياسة هذه".