شهدت الخرطوم في الفترة من 31 يناير (كانون الثاني) والثالث من فبراير (شباط) الجاري، نقاشاً واسعاً حول كيفية تعزيز سبل تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان الموقع بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، عبر إزالة العوائق السياسية والعملية التي تواجه تنفيذ هذا الاتفاق، وبحث أسباب تعثر استكمال السلام مع الحركات المسلحة التي لم توقع على الاتفاق.
وأوصى مؤتمر دعت إليه الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد، بعنوان "اتفاق جوبا لسلام السودان واستكماله"، بضرورة التمسك بهذا الاتفاق، والمحافظة على المكاسب التي تحققت للنازحين واللاجئين والمجتمعات المحلية التي تضررت من الحرب، مع أهمية تضمين الاتفاق في الدستور من أجل أن تكون بنوده نصوصاً دستورية محكمة، فضلاً عن تعزيز آليات تنفيذ الاتفاق وحشد السند الشعبي والدعم الدولي من أجل تسهيل عملية التنفيذ وتسريعها. فيما أشارت التوصيات إلى المشكلات والمعوقات التي أدت إلى تعثر تنفيذ الاتفاق، على رأسها ضعف التمويل، وضعف الإرادة السياسية، وعدم الاستقرار السياسي الذي ساد المشهد خلال الفترة الماضية.
ومن المقرر أن تشكل هذه التوصيات أساس النصوص التي سترد في الاتفاق السياسي النهائي وخريطة طريق تعين الحكومة المدنية الانتقالية الجديدة على تنفيذ السلام واستكماله.
بث روح جديدة
في المقابل، يرى رئيس الحركة الشعبية القيادي في قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) ياسر عرمان أن مراجعة اتفاق جوبا للسلام واجب بغية الوصول إلى طرق ومناهج لبث روح جديدة فيه، لكنه أكد عدم وجود نية لدى تحالف قوى الحرية والتغيير لإلغائه.
ويشير إلى أن هناك انقساماً لدى الرأي العام السوداني في شأن هذا الاتفاق بسبب دعم قيادات بعض الحركات المسلحة انقلاب 25 أكتوبر الذي نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان. ويبين عرمان أن قيادات تلك الحركات اهتمت بكراسي السلطة ولم تهتم بالقضايا الحقيقية التي تهم الشعب السوداني مثل النازحين واللاجئين والترتيبات الأمنية ونظام الحكم.
لغم المسارات
في السياق ذاته، يقول المحلل السياسي الحاج حمد "المشكلة في اتفاق سلام جوبا إنه لم تتم مراجعة نصوصه بشكل منطقي يتماشى مع واقع حال البلد، مما جعل فيه أكثر من لغم، بخاصة مسألة المسارات الثلاثة (الوسط والشمال والشرق)، فكأنه ينقل الأزمة للأماكن الهادئة التي ليس فيها صراعات، بالتالي خلقت هذه المسارات بلبلة، وشغلت الناس عن مسار الصراع الحقيقي ممثلاً في المناطق المتأثرة بالحرب وهي درافور والنيل الأزرق وجنوب كردفان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف حمد، "هذا الوضع المعوج في اتفاق جوبا جعل عديداً من الأطراف، بخاصة الموقعة على الاتفاق الإطاري الذي وقع بين العسكريين ومجموعة من القوى المدنية بقيادة تحالف الحرية والتغيير في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تنادي بإصلاحه، وتحديداً بإلغاء المسارات الثلاثة لما تحمله من تناقضات واضحة، وهو ما عارضته الكتلة الديمقراطية المعارضة للاتفاق الإطاري".
كيد سياسي
لكن في المقابل، أوضح نائب رئيس جبهة كفاح السودانية، والقيادي في الجبهة الثورية، حذيفة محيي الدين البلول، أن "ما جرى في الخرطوم الأيام الماضية من نقاشات حول اتفاق سلام جوبا لا قيمة له، وهو عبارة عن كيد سياسي، وذلك لما تشهده الساحة السياسية من تشظٍّ وانسداد في الأفق، فالحديث عن اتفاق السلام بهذه السطحية من غالبية السياسيين الذين شاركوا في هذا المؤتمر ينم عن جهل ببنود الاتفاق الذي لامست ملفاته الأساسية جذور الأزمة، بخاصة في ما يتعلق بالنازحين واللاجئين والتعويضات والأراضي والعدالة والعدالة الانتقالية، لكن المؤسف أن هذه الملفات ظلت حبراً علي ورق لأكثر من عامين، نظراً إلى غياب الإرادة السياسية من قبل القوى الفاعلة صاحبة الحظوظ التاريخية في السلطة والثروة والهيمنة، فضلاً عن تنصلها عن الاتفاق نفسه من أجل إعادة الهيمنة على مفاصل الدولة السودانية، وذلك لعدم رضاها ورغبتها في التشكيل الجديد للسلطة الذي لم تشهده البلاد طوال تاريخها".
وأضاف البلول، "طبيعة الصراع في نظري هو بين تيار يريد الهيمنة والاستئثار علي الحظوظ التاريخية لمجموعة معينة استفادت من الاختلال في هيكل الدولة على مدى ما يقارب العقود السبعة. وتيار يسعي لإعادة هيكلة الدولة على أسس جديدة".
وتابع، "فيما يتعلق بالحديث عن أن اتفاق جوبا يركز في مضمونه على توزيع السلطة والثروة، فهو حديث مُجافٍ للواقع، فما تم من استحقاق في ملف السلطة لا يتجاوز اثنين في المئة من استحقاقات أطراف العملية السلمية في أفضل الأحوال، فالحملة الشعواء التي تنطلق من أصحاب الامتيازات التاريخية هي حملة عنصرية رافضة للتنوع في هياكل حكومة الثورة التي دفع السودانيون مهراً غالياً من أجل التغيير، فكانت ثورة تراكمية أسهمت فيها حركات الكفاح المسلح والشباب والشيوخ والنساء والأطفال في كل ولايات السودان".
جدية التنفيذ
يواصل القيادي في الجبهة الثورية، "في تقديري أن اتفاق جوبا للسلام أوقف آلة الحرب وحقن دماء السودانيين منذ توقيعه ووفر موارد مالية كبيرة للشعب السوداني كانت تذهب لدعم المجهود الحربي في ظل النظام البائد، فإذا كان تمت إدارتها بصدق في عهد حكومة الفترة الانتقالية في الأعوام الثلاثة السابقة لكفت شعبنا الأزمات المتلاحقة، لكن سوء إدارة الفترة الانتقالية وفشلها الذريع أفشلا اقتصاد البلاد وأفشلا إمكاناتها".
ويوضح البلول، "مشكلة البلاد الأساسية ليست في اتفاق جوبا بقدر ما هي في أنانية وذاتية سياسييه الذين يمارسون السياسة بلا أخلاق ولا وازع ديني دون أي اهتمام بصون أوطانهم وحمايتها من الانزلاق، لكن على رغم ذلك فإن السلام أتى برداً وسلاماً على أرواح أسر كانت تصبح وتمسي على أصوات الراجمات".
وخلص البلول إلى القول، "اتفاق جوبا للسلام ليس في حاجة إلى تصحيح مسار أو مراجعة وتعديل، فقط يحتاج إلى جدية لتنفيذ كل بنوده، فهو جاء خصماً على تجار السياسة وتجار الحروب والانتهازيين من ساسة بلادي".
450 مشاركاً
شارك في مؤتمر استكمال سلام جوبا ما يفوق 450 مشاركاً ومشاركة، بينهم أكثر من 350 يمثلون ولايات السودان المختلفة، بخاصة تلك المتأثرة بالنزاعات المسلحة، فيما يعتبر 60 في المئة منهم خارج القوى الموقعة على الاتفاق السياسي الإطاري، حيث ينتمون إلى فئات عديدة مثل النازحين والمجتمع المدني والشباب والنساء والإدارات الأهلية والمجموعات الدينية والقوى السياسية والمتخصصين في القضايا ذات الصلة، في حين تمثل نسبة النساء 40 في المئة من إجمالي المشاركين في المؤتمر.