تتوجه خلال شهر فبراير (شباط) الجاري زهاء 5 آلاف عاملة مغربية صوب إسبانيا للعمل في حقول الفراولة بعد رحلة الفوج الأول بالعدد نفسه الشهر الماضي ويرتقب أن تتم الرحلة الثالثة الشهر المقبل ليكتمل عدد 15 ألف عاملة، وفق اتفاق سابق بين المغرب وإسبانيا.
وتجددت مطالب هيئات ونشطاء حقوقيين في المملكة بضمان حماية آلاف العاملات في حقول الفراولة بجنوب إسبانيا من ممارسات عدة تمارس ضدهن في مزارع الإسبان من قبيل التعسف في التشغيل، أو التحرش الجنسي وحتى الاغتصاب أحياناً، بحسب شهادات متواترة سابقة لعاملات مغربيات.
فئة هشة
وانطلق العمل في برنامج "الهجرة الدائرية" بين المغرب وإسبانيا منذ 17 عاماً (وتعني تمكين اليد العاملة المهاجرة من العودة للبلد الأصلي مع الاحتفاظ بإمكانية العودة من جديد للبلد المستقبل)، مستهدفاً العاملات المغربيات ذوات الأعمار بين 25 و45 سنة اللاتي يمتلكن خبرة في مجال الجني الفلاحي وأن يكن متزوجات أو مطلقات أو أرامل.
وتتم هذه "الهجرة الدائرية" باتفاق بين الجانب المغربي ممثلاً بوزارة التشغيل والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، والجانب الإسباني ممثلاً بمندوبة الحكومة في إقليم هويلبا الذي يطلب اليد العاملة الأجنبية لجني الفاكهة الحمراء، والمدير العام للهجرة وممثلين عن الجمعيات والتعاونيات الزراعية في إسبانيا.
واندلعت خلال الأعوام الأخيرة بشكل متعاقب فضائح وشكاوى لعاملات الفراولة، تابع تفاصيلها الإعلام المغربي والإسباني على السواء، بحيث تقدمت كثيرات منهن بشكاوى في شأن تعرضهن إما للتعسف خلال ساعات العمل، أو الإهانة، أو التحرش الجنسي وهتك العرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترافعت جمعيات حقوقية إسبانية عن عدد من العاملات المغربيات وأيضاً عاملات من جنسيات أجنبية أخرى، قدمن شكاوى إلى الحرس المدني الإسباني وإلى نقابات العمال هناك، خصوصاً بعد ثبوت أدلة تفيد بتعرض العاملات الزراعيات بالفعل لاعتداءات وتحرشات جنسية وغيرها من أصناف الإهانة والحط من الكرامة.
وطالبت جمعيات نسائية وحقوقية مغربية بضرورة "إيلاء عناية خاصة لهذه الفئة الهشة من النساء القرويات اللاتي يهاجرن كعاملات في القرى الأجنبية، وغالبيتهن أميات وفقيرات، وإحداث رقم هاتفي ووضعه رهن إشارة العاملات للتبليغ عن الانتهاكات".
وسبق لوكالة الأنباء الإسبانية أن نشرت العام الماضي تقريراً عن ظروف اشتغال العاملات المغربيات الأكثر عدداً في حقول هويلبا، لا سيما خرق بنود اتفاق العمل في شأن عدد ساعات الشغل التي تتجاوز الـ39 ساعة في الأسبوع المقررة في العقود وأيضاً الحرمان من تعويضات الساعات الإضافية وغيرها من التجاوزات في العمل.
تجاوزات خطرة
يقول مدير المركز المغربي لحقوق الإنسان عبدالإله الخضري إن انتقال العاملات المغربيات إلى إسبانيا للعمل في حقول الفراولة لمدة محددة يعد فرصة لجمع مبلغ من المال لمواجهة ظروفهن المعيشية المريرة في البلاد والتي أصبحت أكثر صعوبة مع ارتفاع الأسعار".
ويرى في تصريحات إلى "اندبندنت عربية" أن "هذا الأمل يصطدم بأخطار كبيرة، فانتقالهن إلى الديار الإسبانية يجعلهن عرضة لمظاهر التحرش والابتزاز والاعتداءات الجنسية من طرف إسبانيين ومغاربة على حد سواء، إضافة إلى عدم احترام بنود عقود العمل التي أبرمنها مع مشغليهن من دون القدرة على الدفاع عن أنفسهن".
وتابع الخضري عدداً من هذه الحالات خلال الأعوام الخمسة الأخيرة وتبين أن هناك تجاوزات مرفوقة بالتهديد بالطرد من العمل في حال البوح بما يتعرضن له من انتهاكات، لكن يبقى من الضروري توعية المغربيات العاملات في حقول الفراولة بإسبانيا بضرورة الدفاع عن حقوقهن وعدم الاستكانة أمام من يعرضهن لهذه الانتهاكات الخطرة.
وشدد الخضري على أن المهمة في هذا الصدد منوطة بجمعيات المجتمع المدني المغربي والإسباني، إذ يتعين تقوية التنسيق في ما بينها لمتابعة القضايا عن كثب والترافع من أجل الدفاع عن حقوق المغربيات العاملات هناك، لكن تبقى التوعية بحقوقهن وحمايتهن قبل وقوع هذه الانتهاكات ضرورة ملحة لأنها الوسيلة الفضلى بدل التعرض للاعتداء واللجوء إلى القضاء الإسباني الذي أثبت الواقع أنه غير قادر على ضمان العدالة في قضاياهن، بخاصة أنهن يضطررن إلى العودة لبلادهن فور انتهاء موسم جني الفراولة".
وأضاف "يتعين أيضاً على الحكومة المغربية عدم التغاضي عن مثل هذه التجاوزات ومناقشة الموضوع مع الحكومة الإسبانية بحزم من أجل اتخاذ تدابير تشريعية وسياسية كفيلة بالحد من الانتهاكات في حق العاملات اللاتي دفعتهن الظروف المزرية إلى البحث عن لقمة العيش في حقول إسبانيا".
بنود الاتفاق
من جهتها، أفادت رئيسة جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة" بشرى عبده "اندبندنت عربية" بأنه يجب في الاتفاقات الموقعة بين المغرب وإسبانيا أن تتضمن بنوداً تنص على حماية عاملات الفراولة والحفاظ على كرامتهن وصون حقوقهن المهنية والإنسانية".
ووفق عبده، فإن "عدداً من العاملات المغربيات في القرى والحقول جنوب إسبانيا يتعرضن للتعنيف أو التحرش أو السب والشتم والإهانة وسلوكات أخرى ربما لا تفصح عنها العاملات خشية طردهن أو عدم عودتهن للعمل في هذه الحقول".
وأبرزت الناشطة الحقوقية أن "الطرف المغربي يتعين عليه حماية حقوق هؤلاء العاملات، ما دمن ينتقلن إلى الاشتغال في إسبانيا عن طريق شركات تشغيل مغربية، بالتالي يجب أن تكون هناك مرافقة ومواكبة ومعاينة لظروف عملهن في الحقول وسماع شكاواهن ومقاضاة من يمارسون ضدهن التحرش أو التعسف".
وأكدت عبده "لا يجب ترك العاملات الزراعيات يلاقين مصيرهن وحدهن، وبنود الاتفاقات يجب أن تتضمن مسألة الحماية والتدابير اللازم اتخاذها عند الإخلال بهذه الحماية"، لافتة إلى أن "فتح منصة إلكترونية من أجل تسجيل شكاوى الضحايا من العاملات أمر لا يجدي كثيراً، لأن معظمهن أميات لا يستطعن الولوج إلى هذه المنصة".
وزارة التشغيل المشرفة على عمليات تنقل العاملات المغربيات إلى الحقول الإسبانية، ردت من قبل على مطالب الحماية بالتأكيد على أن "هناك زيارات ميدانية يقوم بها مفتشو الشغل إلى الحقول الإسبانية، كما أن هناك وسيطات يتابعن وضع العاملات، علاوة على ما يقوم به الحرس الإسباني من زيارات تفقدية لأماكن الشغل".