حينما تأتي الحلول الطبية من مصدر لم يكن يخطر على البال فإن الأمر يكون بمثابة هدية أو معجزة صغيرة، أو حتى ثورة على نطاق محدود، بخاصة إذا كان الأمر يتعلق بمكمل غذائي يعالج مرضى القلب.
ومنحت دراسة مصدرها جامعة أوساكا اليابانية ونشرتها جمعية القلب الأوروبية الأمل لمرضى الشريان التاجي الذين يئسوا من العلاجات التقليدية غير المجدية في حالتهم، بحيث تبين أن عدداً منهم تمكنوا من التحسن خلال فترة قصيرة بعد تناولهم مكملاً غذائياً في المتناول هو "تريكابرين" الذي يسهم في تكسير الدهون الثلاثية، ومن ثم تراجع مستوى التصلب الشرياني وتخلصوا من آلامهم المبرحة.
وبحسب تلك النتائج فإن مكملاً غذائياً بسيطاً أعراضه الجانبية غير قاسية ربما يكون مدخلاً لوضع خطة علاجية ثورية لمرضى اعتلال عضلة القلب والأوعية الدموية الثلاثي، لكن هل الأمر بهذه السهولة؟ أو هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التدقيق في كل حالة على حدة، لا سيما أن التجاوب مع العلاجات غير المعتادة يختلف من شخص إلى آخر، والأمر يصبح أكثر حساسية مع مرض دقيق مثل القلب.
دراسة تمنح الأمل ولكن
الدراسة خرجت من جامعة في اليابان وهي البلاد التي لطالما اشتهرت بممارسات "طب كامبو"، سواء شعبياً أو عبر الإشراف الطبي، وهو نظام تشخيص وعلاج يخضع لمحددات الطب الياباني التقليدي ويهتم بشكل خاص بعالم الأعشاب والمكملات الغذائية، فيدرسون تأثيراتها باعتبار أن الأعشاب العلاجية أيضاً لها تأثيراتها التي لا تختلف عن نظيرتها الكيماوية، بالتالي ينبغي استعمالها بحذر.
وفي ما يتعلق بالدواء محل الدراسة فهو بحسب نشرته الطبية عبارة عن مركب يستند إلى مكونات طبيعية من بينها زيت جوز الهند ونوع من أنواع الدوم المستخلص من بعض أنواع النخيل، وهو معروف في الطب الشعبي بخصائصه في خفض ضغط الدم والحد من الدهون كذلك.
ويتضمن الدواء بشكل أساس حمض الديكانويك وله خصائص علاجية مفيدة، إذ إنه يحسن من عمل الأنسولين في الدم، لكن قبل التفاؤل التام ينبغي في البداية فهم طبيعة عمل الأدوية المصاحبة للأنظمة الغذائية وكيف تؤثر المكملات في الخطط العلاجية، بخاصة أن الدراسة تحدثت عن عدد حالات مرضى يعدون على أصابع اليد الواحدة، هم من خضعوا للتجربة.
ليست كل الحالات سواء
تقول استشارية التغذية العلاجية هالة عسكر إن هناك بعض الأمراض يكون النظام الغذائي العلاجي لأصحابها أمراً رئيساً ويحسن من كفاءة العلاج الدوائي الكيماوي، وهو ما يفرق بين مريض غير ملتزم بنظام وجبات صحية، وآخر لديه المرض نفسه لكنه حريص مع الجرعات الدوائية على طعام متوازن يتوافق وحاله، بخاصة مع أمراض القلب والكبد والسكر والسرطان والسمنة ودهون الدم، وكذلك الأمراض المتعلقة بالمزاج والاكتئاب لأنها تسبب أعراضاً جسدية مثل سقوط الشعر وغيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ما يتعلق بالمكملات الغذائية، ترى عسكر أنها يجب أن تؤخذ تحت إشراف طبي، لافتة إلى أنه من المعروف أن نبات الدوم الطبيعي يخفض مستوى ضغط الدم، بالتالي يفيد في حالات كثيرة، لكنها تحذر من تناول أية مكملات غذائية من دون استشارة الطبيب مهما كانت مأمونيتها، بخاصة لمريض القلب الذي يعد حالة خاصة من المرضى، قائلة إن "حتى بعض الأعشاب الطبيعية والمكملات المأخوذة من مواد نباتية تماماً أثبتت فاعليتها وفائدتها ربما تضر مريض قلب، لكنها تفيد آخر على نحو متناقض تقريباً، فما بالنا بالمكملات الغذائية ذات التركيب الكيماوي".
وضربت عسكر مثلاً بمريض قلب "تناول مكملاً غذائياً معروفاً بأنه يفيد صحة القلب بالفعل، لكن تأثيره كان عكسياً بالنسبة إلى هذا المريض على رغم تناوله تحت إشراف طبي، فتم إيقاف الجرعات فوراً"، مشددة على أن استجابة الأجساد للأعشاب والمكملات مختلفة من شخص إلى آخر، بالتالي التعميم غير دقيق وربما يضر أكثر مما ينفع.
نظرية المؤامرة
بحسب عسكر، جرت العادة أن يتشكك الجمهور في نتائج بعض الدراسات، بخاصة تلك المتعلقة بالأدوية، مرة لأن الدراسات العلمية والطبية قد تناقض بعضها بعضاً من فترة إلى أخرى، ومرة لأن هناك شعوراً دائماً بوجود مؤامرة ما تحدث حتى لو كانت غير حقيقية، فبعضهم يروج لتلك النظرية المحببة لدى قطاعات كثيرة ويتهم بعض الشركات بتمويل دراسات معينة والوقوف ورائها للترويج لدواء جديد بشكل علمي ثم يعقبه رواج تجاري بالتأكيد ومن ثم تحقيق أرباح، وهي أمور ثبت من خلال مواقف كثيرة أنها تحدث حتى لو بشكل نادر.
ومن جهته ينبه أستاذ أمراض القلب وعميد معهد القلب المصري السابق الطبيب أحمد فتحي لأن بروتوكول علاج أي مريض يتم التعامل معه بجدية شديدة ووفقاً لدلائل محددة، وليس بناء على دراسات فردية نشرت على نطاق محدود، بل ينبغي أن تحظى بتدقيق من قبل دوريات علمية متعددة موثوق بها، ثم في ما بعد تناقش في مؤتمرات طبية عالمية متخصصة، مؤكداً أنه يجب وضع عوامل كثيرة في الاعتبار عند التعامل مع أي جديد في الدراسات الطبية ومن أبرزها على سبيل المثال حجم العينة التي تم تجريب الدواء عليها.
وتابع أن المعتاد عدم إعطاء مريض القلب أية مكملات غذائية إلا إذا كانت فحوصاته تدل على أنه بحاجة إليها بالفعل، لكنها حتى الآن ليست ضمن البروتوكول العلاجي الثابت بالطبع.
جدل وحفاوة
بالعودة إلى استشارية التغذية العلاجية هالة عسكر، فإنها تؤكد أن هناك ثقافة غير صحية بالمرة منتشرة في المجتمع وهي الرغبة في تناول الأدوية الكيماوية باعتبارها حلاً سحرياً، سواء بداع أو من دون داع، مضيفة أن بعض المكونات مثل زيت جوز الهند والدوم هي على سبيل المثال غير آمنة لمرضى القلب ولافتة إلى أنه من الأفضل لمريض القلب بشكل عام ألا يتناول أية مركبات تؤثر في عمل الدورة الدموية لأنها غير محمودة العواقب ومن بينها مشروبات مثل القرفة والزنجبيل، لكن تلك المركبات تفيد بالطبع في تخفيض مستويات الكوليسترول والدهون.
وتنصح عسكر المرضى بتقريب برنامجهم الغذائي من قائمة الأكل العادية، معتبرة ذلك قمة النجاح، وقالت "ليس شرطاً أن يكون الأكل العلاجي والصحي مكلفاً، بالعكس فالطعام التقليدي المتاح في الأسواق العادية يؤدي الغرض بفاعلية، ببدائل مفيدة وفي المتناول، فالتركيز على قوائم الممنوعات ليس هو الهدف وإنما الغاية هي الوصول إلى طريقة حياة سهلة التطبيق تلائم الوضع الصحي غير العادي".
على جانب آخر لا تزال الدراسة التي أعدت في جامعة أوساكا اليابانية تحظى بحفاوة في بعض الأوساط باعتبارها مؤشراً قوياً إلى النجاح في علاج حال طبية صعبة من دون التعرض لمضاعفات سيئة، إذ يطمئن العلماء المشرفون بأن المواظبة على تناول الدواء محل البحث أدى بالفعل وبالتجربة إلى تراجع ملحوظ في مستوى تصلب الشريان التاجي وفي تخلص المرضى من الآلام المصاحبة له وأيضاً آثاره المتعلقة بمشكلات التنفس.