ذكرت دراسة جديدة أن عدم تغطية المشردين ببرامج العناية الصحية يشير إلى وجود "تصور مسبق عنهم يتضمن وصمة وتمييزاً" ضمن المؤسسات الصحية، ما يدفع أشخاص لا يملكون مكاناً ثابتاً إلى "حلقات متكررة من التشرد" ويتسبب في وقوع "وفيات غير مبررة".
ووفق هذه الدراسة التي أجرتها "جامعة برمنغهام"، وجد باحثون أن الأشخاص المشردون حُرموا من التسجيل في عيادات الطب العام وأُخرجوا من المستشفيات إلى الشوارع من دون تحويلهم إلى مقدمي خدمات الرعاية الصحية الأولية.
وتكررت تلك الصورة مع خدمات الصحة النفسية- العقلية ومكافحة تعاطي المخدرات التي أقصت أيضاً أولئك الذين في أشد الحاجة إليها. كذلك ذكرت الدراسة أن متطلبات الحصول على خدمات المراكز "تعيق بشكل فعال" المرضى الذين يلحقون الأذى بأنفسهم بمن فيهم أولئك الذين حاولوا الانتحار في فترة قريبة من زمن طلبهم المساعدة من تلك المراكز.
وفي هذا السياق، أخبر رجل في سن الرابعة والثلاثين الباحثين، إنه ارتكب جرائم بقصد الذهاب إلى السجن كي يحصل على عناية صحية. ووفق كلماته، "أردت الامتناع عن الكحول الذي قالوا إنه سيقتلني، لكني لم أحصل على تمويل حتى أبريل (نيسان)... ذهبت تلقائيا إلى السجن لثلاثة أسابيع كي يستطيعوا مساعدتي على التخلص منه".
استندت الدراسة إلى 22 مقابلة مع مشردين راشدين في أربعة مآوٍ، وأبلَغ المشاركون فيها عن انعدام المساواة في الوصول إلى دوائر الخدمات الصحية السائدة، وعانى عديد منهم تجارب سلبية معها.
وتمثّل أكبر العوائق التي شخصتها الدراسة في غياب "مكان سكن ثابت" بالنسبة إلى عيادات الطب العام العادية التي غالباً ما يطلب موظفو الاستقبال فيها دليلاً على عنوان ثابت وبطاقة هوية.
وإذا كان بعضهم سجل لدى عيادة للطب العام قبل أن يصبحوا مشردين، وآخرون اعتمدوا على أصدقاء وأقارب لتزويدهم بعنوان ثابت، فإن آخرين منهم أشاروا إلى أنه "من غير الممكن" الحصول على تسجيل لدى عيادة للطب العام إذا كانوا ينامون في العراء.
في المقابل، ذكر أفراد يعانون أمراضاً نفسيّة- عقلية أو يتعاطون المخدرات، إن تلك العيادات أخبرتهم إنهم لا يستطيعون الحصول على دعم طبي قبل أن يتمكنوا أولاً من معالجة مشكلة تعاطيهم المخدرات، ما يلقي بهم في "حلقة مفرغة".
وفي هذا السياق، ذكر شاب في سن الرابعة والعشرين للباحثين إنه " إذا كنتَ مدمنا على الكحول أو المخدرات، فلن يمسوك لأنهم يظنون أنّك تشكّل خطراً كبيراً.. عليك ألا تتعاطى [مخدرات الكيف] كعلاج ذاتي، لكن حين لا يكون بإمكانك الحصول على الخدمات الطبية ماذا يمكن أن تفعل غير ذلك؟".
كذلك قدم مشاركون في الدراسة الميدانية شهادات عن الكيفية التي يؤدي فيها سوء انتقال خدمات الرعاية بين مراكز الخدمات الاجتماعية ونظيرتها الصحية، إلى تكريس حلقة التشرد. ووصف أحدهم كيف أنه دُفع إلى الشوارع على الرغم من أنه أخبر الموظفين المعنيين بظروف عيشه.
من ناحية أخرى، ذكر نصف المشاركين في الدراسة أنهم ذهبوا إلى قسم "الحوادث والطوارئ" خلال الاثني عشر شهراً التي سبقت إجراء المقابلات معهم، وأشار عديد منهم إلى أنهم لجأوا إلى ذلك بسبب أوقات الانتظار الطويلة والصعوبة في الذهاب إلى عيادات الطب العام. ولاحظ آخرون إن الحصول على الخدمات الطبية في العيادات المحلية لم يكن سهلاً بسبب عدم قدرتهم على الوصول إلى الانترنت، إضافة إلى عدم الاستقرار في أحوال معيشتهم.
ومن اللافت أن النتائج المستنبطة من هذه الدراسة تأتي وسط ارتفاع ملحوظ لظاهرة النوم في العراء بإنجلترا، إذ أظهرت الأرقام الحكومية أن عدد الأشخاص الذين ينامون في الشوارع ازداد بمعدل 165 في المائة خلال الثماني سنوات الأخيرة.
في منحىً متصل، ذكر الدكتور فيبهو بوديال المحاضر الأقدم في كلية الصيدلة بجامعة برمنغهام إن "وجود تمييز ووصمة متصورة في أذهان العاملين في مراكز العناية الصحية يبدو أكثر رسوخا من السابق... ويُظهر ذلك مدى الحاجة إلى بذل جهد كبير كي تصير الرعاية الصحية الأولية أكثر شمولاً لتضم المشردين".
وشرح الدكتور بوديال أنه في الوقت الذي قدمت المراكز الصحية المتخصصة التي أنشئت في شتى أنحاء بريطانيا قدرا من الراحة، إلاّ إن الإقصاء من العناية الصحية يدفع البعض إلى "حلقات متكررة من التشرد".
وأضاف، "إن إتاحة الخدمات الصحية للجميع و سهولة الوصول إلى العمل الوقائي خلال المرحلة الأولية من حلقة التشرد، تشكّل الطريق الوحيد في مشوار المضي قدما لتخفيف تأثير العامل الصحي على ظاهرة التشرد، وحلقاته المتكررة، ما قد يؤدي تالياً إلى خفض عدد المشردين الذين يزيدةن من أعباء أقسام الطوارئ، وبالتالي منع حالات الوفاة غير المبررة".
في ذلك الصدد، أوضح جون غلاكين، مؤسّس "ستريتس كيتشِن" (حرفياً، "مطبخ الشوارع") التي تدعم المشردين، إنه رأى مرضى كثيرين في الشوارع بمن فيهم أولئك الذين "أخرجوا للتو من المستشفيات بقمصان نومهم والأثواب التي كانوا يرتدونها خلال فترة مرضهم".
وبحسب غلاكين، "رُفِضَ كثيرون منهم من عيادات الطب العام بصورة مغلوطة، وكذلك فإنهم لا يستطيعون الحصول على خدمات المراكز الصحية... هذا يعني أن أمراضاً بسيطة تصبح بعد فترة قصيرة مشاكل خطيرة تهدد الحياة بالنسبة إلى المشردين... نحن فعلاً في حاجة إلى تسهيل الوصول إلى الرعاية الصحية بالنسبة إلى من لا عنواناً ثابتاً لهم، ما يمكن من إنقاذ حياة كثيرين، إضافة إلى إعطائهم رعاية أفضل لاحقاً".
وفي ذلك السياق، ذكر أليكس كنينغهام، وزير الإسكان في حكومة الظل العمالية، إن "الوزراء في نطاق الحكومة، ولفترة طويلة، فشلوا في فهم أزمة التشرد التي خلقوها وكيف أن المشردين يُقصَون من الخدمات الأكثر أساسيّة مثل العناية الصحية".
وأضاف، "حان الوقت كي يقروا بالتأثير الذي تركته سياساتهم على المشردين، وأن يضمنوا ليس مجرد توفير احتياجات مؤسّسة "هيئة الصحة الوطنية" التي تعمل الآن فوق طاقتها، كي تعتني بهم (= المشردين)، لكن أن يضمنوا أيضاً معرفة المشردين كيفية الحصول على الخدمات الصحية".
في المقابل، أورد متحدث باسم "هيئة الصحة الوطنية" إن "مراكزنا متوفرة للجميع... ستزيد الهيئة انفاقها على الخدمات الخاصة بالمشردين، بما قد يصل إلى30 مليون جنيه إسترليني".
© The Independent