تشهد إسرائيل حالة انقسام لم يسبق أن مرت بها منذ سنوات طويلة، في ظل سياسة الحكومة اليمينية المتطرفة التي تتهمها المعارضة ورجال قانون ومؤرخون، بسعيها إلى القضاء على كيان الدولة والديمقراطية.
ووصلت ذروة التوتر الداخلي مع تهديد ضابط الاحتياط زئيف راز، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزراءه بالقتل، وهو أمر أثار تحركات داخلية بين قياديين وسياسيين صامتين واستنكره بعضهم، فيما اعتبر الرئيس إسحق هرتسوغ ما تمر به إسرائيل "فترة مشحونة للغاية وقابلة للانهيار".
ويعد الضابط راز أحد أبرز قادة حملة الاحتجاج ضد نتنياهو وكان ضابطاً في وحدة سلاح الجو التي قصفت المفاعل النووي العراقي في عام 1981. وأطلق راز هذا التهديد مع استمرار الحكومة في تنفيذ ما تسميه "خطة إصلاح القضاء" التي تعتبرها المعارضة "انقلاباً على القضاء والديمقراطية". وكتب الضابط في تغريدة له "إذا حصل رئيس الحكومة على سلطات ديكتاتورية، يجب قتله هو ووزرائه".
زعيم المعارضة يائير لبيد، الذي يقود الحملة ضد الحكومة الحالية، استنكر تهديدات الضابط على الفور، لكن نتنياهو جعلها مادة غنية للتحريض على المعارضة ومنظمي أعمال الاحتجاج ضد الحكومة، وعلى يائير لبيد بشكل خاص.
ورد نتنياهو على هذا التهديد بوصفه "تصرفاً غير مسؤول يحظى بدعم المعارضة"، ودعا الجميع إلى الوقوف في وجه مثل هذا التحريض. وفي بيان لحزبه الليكود جاء أن "التحريض ضد نتنياهو يتخطى ذروة الجنون، وعلى الشاباك والشرطة التحرك على الفور لاعتقاله والمحرضين الآخرين ضد نتنياهو والوزراء".
تصعيد الاحتجاج
شعبياً وفي أعقاب إصرار الحكومة الإسرائيلية على تنفيذ خطة ما تسميه "الإصلاح القضائي"، وتقضي عملياً على شرعية المحكمة الإسرائيلية والقضاة، يحتدم الصراع والانشقاق الداخلي، وعلى مدار خمسة أسابيع تتواصل أعمال الاحتجاج، سواء بمشاركة عشرات الآلاف بتظاهرات منتشرة في مختلف البلدات الإسرائيلية أو توقيع عرائض احتجاج من شخصيات لها مكانتها المرموقة والمؤثرة، يحذرون فيها من استمرار الحكومة بسياستها الحالية.
وبحسب استطلاع رأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، فإن نسبة 43 في المئة من الإسرائيليين يعتقدون أن الإصلاح ليس جيداً ورأى 63 في المئة أنه من المجدي أن يكون هناك حوار مع المعارضة.
أما حول القلق من حرب أهلية فتوقع ثلث الإسرائيليين احتمال وقوعها، في ظل احتدام الخلافات والنقاشات الداخلية. ويقول أحد معدي الاستطلاع تمار هيرمان إن "المعطيات تظهر انشقاقاً عميقاً في الجمهور الإسرائيلي، ومثل هذا الوضع من الشرخ الداخلي خطر جداً على استقرار الديمقراطية".
المؤرخ ديمتري شومسكي المتخصص في تاريخ شعب إسرائيل حذر من حرب أهلية، وبرأيه فإن الحكومة "تنقض على جهاز القضاء في محاولة لتدمير الهوية القومية للشعب اليهودي، مما يستدعي ضرورة الاستعداد لاحتمال حرب أهلية لا هوادة فيها من أجل الحفاظ على هويتهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف المؤرخ الإسرائيلي "إذا كانت أوساط واسعة من الشعب الإسرائيلي تعتبر انقضاض الحكومة على جهاز القضاء الإسرائيلي محاولة لتخريب البنى التحتية الأساسية لهويتهم القومية، فإنه يجب على هذا الجمهور أن يكون مستعداً لشن حرب دفاعية لا مساومة فيها على قيمة القومية، مثلما في حالات كثيرة من النضالات القومية".
وبحسب شومسكي "من الصعب عدم الشعور بالارتياح من سماع دعوات إلى إنقاذ الديمقراطية الإسرائيلية في التظاهرات الجماعية ضد الانقلاب النظامي، في وقت يقتل فيه الجيش الإسرائيلي فلسطينيين في مخيم جنين للاجئين. مع ذلك يجب الاعتراف بحقيقة أن دوافع خروج عشرات الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج ضد المساس باستقلالية السلطة القضائية تكمن عميقاً في الطبقة القومية الإسرائيلية واليهودية، لأنه أيضاً غداة عملية القدس، التي قتل فيها سبعة إسرائيليين امتلأت ميادين مدن إسرائيل بعشرات الآلاف في عرض مدهش للوطنية الإسرائيلية، وهذه الحقيقة أكبر دليل على ذلك".
وختم شومسكي "من المحزن والمسلي في الوقت نفسه، رؤية كيف أن نتنياهو وليفين، اللذين يسميان أنفسهما بـ(رجال المعسكر القومي)، يعانيان قلة الفهم والجهل في كل ما يتعلق بتشخيص الجذور القومية للاحتجاج الحالي في إسرائيل ضدهما".
من جهته اعتبر رئيس قائمة "المعسكر الوطني" ووزير الأمن السابق بيني غانتس خطة إضعاف جهاز القضاء "بداية حكم استبدادي، وبداية نهاية الديمقراطية الإسرائيلية مثلما نعرفها، وهذا يحدث أثناء مناوبة نتنياهو. والتاريخ سيحكم عليه".
وقال غانتس "أخشى من أزمة دستورية يقول فيها جهاز القضاء والمحكمة العليا إن الحكومة أصدرت أوامر غير قانونية. وعندها سيواجه رئيس أركان الجيش مأزقاً كبيراً جداً".
قلق من سحب الاستثمارات
في ظل هذه الأوضاع وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي تشهد إسرائيل ظاهرة سحب الاستثمارات من البلاد، في مقابل تعالي الأصوات الداعية إلى الهجرة خشية حدوث تداعيات خطرة.
وعبر نتنياهو عن قلقه من هذه الظاهرة بينما اعتبر بنك إسرائيل سحب هؤلاء المستثمرين الأموال بشكل سريع، سيؤدي إلى "زعزعة الأسواق المالية".
وأجرى نتنياهو محادثات مع بنوك استثمارات دولية، ادعى خلالها أن الانقلاب الذي تنفذه الحكومة على جهاز القضاء لن يؤثر في الاقتصاد أو الأعمال التجارية، كما توجه إلى بنك جي بي مورغان، وهو أكبر بنك استثمارات أميركي، بعد أن تلقى معلومات في شأن عزم البنك نشر تقرير يحذر فيه من العواقب الاقتصادية لخطة إضعاف جهاز القضاء.
وعبر مسؤولون في وزارة المالية عن قلقهم من إمكانية سحب أموال ومغادرة مستثمرين، ووقع أكثر من 50 رئيساً ومديراً عاماً لشبكات وشركات إسرائيلية كبيرة على عريضة موجهة إلى نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ ورئيسة المحكمة العليا إستير حيوت ورئيس الكنيست أمير أوحانا، دعوا فيها إلى إجراء حوار حول خطة إضعاف جهاز القضاء، وقالوا إنها "ستؤدي إلى توسيع الانشقاق في الشعب وإلى إلحاق ضرر خطر بالاقتصاد الإسرائيلي".