ما هي أهم المواضيع التي تشغل بال نواب #حزب_المحافظين حالياً؟ هل هي أزمة #غلاء_المعيشة، أو موجة #الإضرابات التي لا نهاية لها، أم أنها الأوضاع المزرية والخطيرة التي تعاني منها هيئة الخدمات الصحية الوطنية (أن أتش أس) NHS؟
لا يبدو أنها أي من هذه المواضيع الآنفة الذكر، بل هم منشغلون بشكل يشبه الهوس بالتساؤل عما إذا كانت انتخابات العام المقبل ستشبه تلك التي حدثت في عام 1992، عندما خالف رئيس الحكومة جون ميجور كافة توقعات استطلاعات الرأي ونجح بتحقيق فوز مفاجئ، أم أنها ستكون مشابهة لانتخابات عام 1997 التي تكبد خلالها المحافظون خسارة مدوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على رغم أن ريشي سوناك تدرب على ترديد موقف حكومي أقوى حيال سبل مواجهة القوارب الصغيرة (المحملة بالمهاجرين، وسيعلن عن تفاصيله قريباً)، لقد رأينا "ريشي سوناك العاقل"، خلال المقابلة التي أجراها مع الإعلامي بيرس مورغان على قناة "توك تي في" Talk TV ، الجمعة الماضية.
ظهور سوناك على تواضعه، وجاذبيته ومنطقيته ذكرني برئيس الحكومة السابق جون ميجور. قدماء نواب حزب المحافظين يخبرونني أن سوناك يمكنه، تماماً مثل ميجور عندما خلف في المنصب مارغريت ثاتشر، أن يفوز تدريجاً باحترام الناخبين، خصوصاً وأن البلاد تمر بوضع اقتصادي صعب، وأن ينجح في تأمين فترة ولاية ثانية يستحقها عن جدارة. فقد كان حزب المحافظين قد فاز بولاية رابعة غير مسبوقة في عام 1992، لذلك لم لا ينجح سوناك في كسر ذلك الرقم القياسي من خلال تحقيق نصر خامس في عام 2024؟ [فاز المحافظون في الانتخابات الأربع السابقة التي أجريت في الأعوام 2010 – 2015 – 2017 – 2019]
زعيم حزب المحافظين السابق ويليام هيغ كان قد هلل لأعضاء الحكومة الذين اجتمعوا في يوم عمل بعيداً من مقر الحكومة [في داونينغ ستريت]، وعقدوا مباحثاتهم في منزل رئيس الوزراء الريفي في منطقة تشيكرز Chequers أخيراً، من خلال تأكيده على أن الانتخابات المقبلة ربما تكون إعادة لانتخابات عام 1992 عوضاً عن إمكانية كونها إعادة لانتخابات 1997. وقال هيغ للوزراء: "كان لدينا رئيس جديد للحكومة في حينه، يحظى بشعبية أكبر من حزب المحافظين [تماماً مثل سوناك حالياً]، ونجح في الفوز في انتخابات 1992، إننا نمر بظروف مشابهة للغاية [لما جرى في تلك الفترة]".
السؤال هو ما إذا كان ضجيج المحافظين هذا للمحافظة على روحهم المعنوية العالية فقط؟ وبما أن كاتب هذه السطور كان قد غطى حملات الانتخابات في كل من عام 1992 و1997، فأنا أميل للاعتقاد في أن بريطانيا تعيش اليوم ظروفاً أقرب إلى الأوضاع في عام 1997. ففي عام 1992، كان حزب العمال المعارض قد خسر انتخابات كان من المفترض أن يفوز بها، ناقضاً المتعارف عليه سياسياً في بريطانيا، وهو أن الحكومات عادة ما تخسر الانتخابات وأن أحزاب المعارضة لا تفوز فيها.
على رغم أن زعيم حزب العمال في حينه، نيل كينوك Neil Kinnock، كان قد حيد الجناح اليساري في الحزب وعدل سياسات حزبه لتجنح أكثر نحو الوسطية (تماماً كما يفعل كير ستارمر الآن) إلا أن الشكوك حول نيته وخطط حزب العمال لرفع مستوى الضرائب تم تحميلها مسؤولية خسارة الحزب في تلك المرحلة.
وعلى الطرقات خلال مرافقتي كينوك في جولاته الانتخابية طوال ثلاثة أسابيع في عام 1992، أنا أذكر تماماً أن بعض كبار شخصيات حزب العمال كانوا يعربون عن شكوكهم حيال نتائج استطلاعات الرأي، التي كانت تفيد بأن حزب العمال كان في طريقه للفوز.
عكست الاستطلاعات حينها ترحيب وسائل الإعلام بنجاح حملات حزب العمال الانتخابية وليس نوايا الناخبين. كان كينوك يلاحظ أن كثيراً من الناخبين الذين التقاهم، يتفادون التحديق في عينيه مباشرة. وكان كينوك زعيماً لحزب العمال طوال ثماني سنوات في تلك المرحلة، فيما كان منافسه ميجور وجهاً جديداً على الساحة السياسية. كينوك كان قد اعترف على محطة "تايمز" الإذاعية "أنا كنت شخصية معروفة على موائد البريطانيين تماماً كمعجون "مارمايت" Marmite، [نوع من دبس الخميرة المر والمالح نسبياً، يدهنه البريطانيون على الخبز مع الزبدة]، "أما منافسي فكان معروفاً كشخصية مربى قشر البرتقال marmalade" السكري".
لقد تعلم ستارمر من أخطاء حزبه التي ارتكبت في عام 1992، وتحديداً من خلال نشر الطمأنينة بخصوص مسألة الضرائب. فهو في الأغلب سيعيد إطلاق وعود الثنائي براون وبلير التي أطلقاها في عام 1997بخصوص "عدم رفع مستوى ضريبة الدخل"، بدلاً من اقتراح زيادة الضرائب كما كان حزب العمال قد وعد في عام 1992. وعلى ستارمر أن ينجح في امتحان "نظر الناخبين في عينيه" وأعتقد أنه سينجح حيث خسر كينوك.
لكن ستارمر "ليس توني بلير"، ومازال عليه إقناع الناخبين أنه تماماً الشخص الذي يقول أنه عليه، وكانت تلك مشكلة واجهت زعامة نيل كينوك، الذي صورته الصحافة اليمينية على أنه كان لا يزال يجنح نحو اليسار. حزب المحافظين سيجرب استخدام التكتيك نفسه ضد ستارمر، فرئيس الحكومة سوناك قد بدأ للتو باتهامه بأنه "يفتقر للمبادئ".
إن انتباه حزب العمال ينشد حالياً أيضاً نحو قضية "1992 أو 1997"؟ إنه طرح شائك. يود ستارمر أن يظهر أن لدى حزبه قوة دافعة، لكنه يعلم أن نقاط تقدم الحزب العشرين على حزب المحافظين هي هامش ربما سيضيق [مع اقتراب موعد الانتخابات]. فهو يتحفظ عن وجه حق على إظهار ثقته بنفسه، لأنه لا يمكنه أن يكفل دعم الناخبين لو تجرأ أن يحلم بتحقيق انتصار ساحق في الانتخابات. النائب والوزير السابق بيتر ماندلسون Peter Mandelson، الذي فاز بمقعده النيابي في انتخابات عام 1992، بعد عمله على تجديد مكتب الاتصالات في حزب العمال كان قد قال لمحطة "راديو 4" الإذاعية في برنامج "الأسبوع في ويستمنستر"، هذه مرحلة لا تشبه عام 1992 بالنسبة إلى حزب المحافظين، كما أنها ليست مرحلة تشبه عام 1997 بالنسبة إلى حزب العمال بعد".
هناك حدود أوجه الشبه بين سوناك وميجور في عام 1992. بالطبع بعض نواب حزب المحافظين لا يعترفون بالتفاؤل الحزبي الذي يتم الترويج له. وكان أحدهم قد وصف الوضع قائلاً: "أنا أخشى أن الوضع سيكون حتى أسوأ من نتائج انتخابات 1997".
في سنة 1990، شعر كثير من الناخبين بارتياح كبير لدى رؤية رئيسة الحكومة مارغريت تاتشر تغادر مقر الحكومة بعد أحد عشر عاماً، والأهم من ذلك شعورهم بأنهم قد شهدوا تغييراً حكومياً [حقيقياً] بعد تولي جون ميجور دفة القيادة، وكان المحافظون إلى حد ما متحدين في حينه، وهذا كان يشمل الوحدة حيال سياستهم الاقتصادية، فحربهم الأهلية حول الموقف من أوروبا كانت قد اندلعت [بعد ذلك] أي بين عامي 1992 و1997. لكننا شهدنا تولي خمسة رؤساء للحكومة السلطة منذ فوز حزب المحافظين في انتخابات عام 2010.
واليوم، يبدو حزب المحافظين منقسماً بشكل كبير على نفسه وتتنافس فصائله المختلفة على كيفية إدارة الاقتصاد، وخصوصاً في ما يتعلق بالاقتطاعات الضريبية التي يطالب جناح الحزب اليميني بتنفيذها. إنهم أبعد ما يكونون عن إظهار الوحدة. فدعمهم لزعيمهم الحالي، كما قال ويليام هيغ، غائب وهم يحتاجون إلى ذلك، بل هو ضروري إذا كانوا يرغبون في الفوز في انتخابات العام المقبل.
أما زعيما الحزب السابقان، بوريس جونسون وليز تراس، فيبدو وكأنهما شبحان عازمان على إفساد حفلة سوناك، من خلال مواصلة جونسون الحلم بإمكانية عودته لتولي المنصب، فيما تعد تراس العدة لاستئناف دفاعها عن استراتيجيتها "لتحقيق النمو"، مما يضخم من حجم الانقسامات في أوساط حزب المحافظين. وتماماً كما جرى في عام 1997، فقد المحافظون صيتهم المتعلق بكفاءتهم في إدارة الملف الاقتصادي، وهم أيضاً غارقون في اتهامات بالفساد، ولديهم زعيم يبدو أضعف من القدرة على مواجهة الثائرين من بين نوابه.
في عام 1997، أنا أتذكر كيف أن عديداً من نواب حزب المحافظين كانوا قد اقتنعوا بأنهم في طريقهم للخسارة، لكن ذلك لم ينف صدمتهم بحجم الفوز الذي حققه حزب العمال وأغلبية 179 مقعداً التي حققها. على رغم الجهود التي يبذلها الحزب لرفع معنويات أعضائه، يبدو بعض نواب حزب المحافظين كمن يعدون العدة للجلوس في مقاعد المعارضة.
في عام 1997، أبلى توني بلير بلاءً حسناً بعدما أنجز كينوك مهمته "الهرقلية" لترتيب أوضاع الحزب الداخلية، لكن الأمور استأنفت مسارها الطبيعي، إذ إنها كانت انتخابات خسرتها الحكومة بدلاً من أن تربحها المعارضة. وكما تبدو الأمور، فإن انتخابات عام 2024 ستكون ربما إعادة لما جرى في 1997.
© The Independent