لم يكن من المفترض أن يضيف الاقتصاد الأميركي أكثر من نصف مليون وظيفة في يناير (كانون الثاني) الماضي، إذ توقع استطلاع بإجماع 81 اقتصادياً أن تصل المكاسب الوظيفية إلى نحو 185 ألفاً، وفقاً لبيانات "رفينيتيف" بعد 11 شهراً من الارتفاعات الشديدة لأسعار الفائدة من جانب "الاحتياطي الفيدرالي"، وكان المتخصصون يتوقعون بطبيعة الحال تباطؤ مكاسب الوظائف في الاقتصاد بسبب ارتفاع كلفة الاقتراض في الاقتصاد، مما أدى إلى تباطؤ الاستثمار والنمو ودفع الشركات إلى التراجع عن الإنفاق والتوظيف.
وفي مذكرة بحثية حديثة ترى كبيرة الاقتصاديين في شركة "لايتكاست" لتحليلات الأعمال روشا فانكودري أنه على رغم أن ذلك بدا مستحيلاً فإن سوق العمل تزداد إحكاماً إلى حد ما. وأضافت، "أعتقد إلى حد كبير أن جميع اقتصاديي العمل في البلاد هذا الصباح مصدومون. كما أعتقد أن السؤال الذي يدور في أذهان الجميع هو كيف يمكن أن تستمر سوق العمل في أن تصبح أقوى وأقوى، وكيف يمكن أن يستمر هذا في الحدوث، بينما نرى الأسعار تنخفض في الوقت نفسه؟".
وبدلاً من إضفاء الصدقية على ما كان اعتقاداً متفجراً في هبوط ناعم، يبدو أن تقرير الوظائف الأخير يطرح مزيداً من الأسئلة ليس فقط حول حالة الاقتصاد، ولكن أيضاً حول محاولات "الاحتياطي الفيدرالي" خفض التضخم المرتفع.
إلى أين تصل الوظائف بـ"الاحتياطي الفيدرالي"؟
ويوم الأربعاء الماضي، اختتم بنك الاحتياطي الفيدرالي أول اجتماع له لوضع السياسات في عام 2023 من خلال الإضاءة الخضراء برفع سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة، وهو الأصغر منذ مارس (آذار) من العام الماضي، باعتباره انعكاساً للتقدم في معركته لخفض التضخم. وجاءت الزيادة معتدلة على رغم تقرير الوظائف الشاغرة ودوران العمل لشهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي الذي أظهر ارتفاعاً في عدد الوظائف الشاغرة إلى أكثر من 11 مليوناً.
وترى كبيرة الاقتصاديين في "لايتكاست" إليزابيث كروفوت أن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزالون يركزون على الأجور والتضخم، ويشهدون بعض التقدم هناك. وذكرت أنه "من المتوقع حدوث تقلبات في أي بيانات اقتصادية، ومن المهم دائماً أن نتذكر أن "شهراً واحداً لا يشكل اتجاهاً"، بخاصة بيانات يناير الماضي. وأضافت، "أعتقد أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي سيقولون دعونا نستمر في إبقاء أعيننا على البيانات، وسيظلون مستقرين حتى يروا أن معدل التضخم ينخفض".
وكشفت كبيرة الاقتصاديين في "ويلز فرغو" سارة هاوس عن أن تقرير الوظائف لشهر يناير الماضي لا ينبغي أن يؤدي إلى تغيير شامل لما يفكر فيه أعضاء "الاحتياطي الفيدرالي" أو ما كانوا يخططون للقيام به قبل هذا التقرير. وأضافت، "أعتقد أنه يشير إلى أن سوق العمل لا تزال قوية للغاية، ولا يزال هناك كثير من ضغوط الأجور القادمة من سوق العمل القوية التي يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي لمواجهتها إذا كان سيعيد التضخم إلى اثنين في المئة على أساس مستدام"، وأشارت إلى معدل التضخم المستهدف من بنك الاحتياطي الفيدرالي.
سوق عمل قوية في ظل اقتصاد متباطئ
وتشير البيانات المتاحة إلى أن جائحة "كوفيد" تسببت في صدمة هائلة للاقتصادات العالمية، ولا تزال القوى العاملة الأميركية تظهر آثار خسائر التوظيف التاريخية، والتحولات المفاجئة في سلوك المستهلك وسلاسل التوريد غير المتماسكة والجهود المبذولة للعودة إلى الحالة الطبيعية. وكان انتعاش التوظيف منذ عام 2021 قوياً وتاريخياً مع مكاسب الوظائف الشهرية أكبر من أي شيء شوهد في السجلات. وقد جاء تقرير الوظائف لشهر يناير مع مزيد من التعقيد، لأنه تضمن تحديثات سنوية لتقديرات السكان ومراجعات لبيانات مسح أصحاب العمل.
وفي بيان مشترك، قال الاقتصاديان في جامعة ميشيغان، بيتسي ستيفنسون وبيني دكتور، "نحن نعلم الآن أن كلاً من 2021 و2022 كان لهما نمو وظيفي أسرع مما كنا ندركه سابقاً. تظل الأنماط كما هي، تسارع نمو الوظائف في النصف الثاني من عام 2021 قبل أن يتباطأ في النصف الأول من عام 2022 ويتباطأ أكثر في النصف الثاني من عام 2022".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس وكبير الاقتصاديين في "آر أس أم" جو بروسولاس إن تقارير يناير تجلب معها أيضاً "ضوضاء موسمية". وأضاف، "أنصح صانعي السياسات والعملاء بتجاهل الرقم الأساسي للتوظيف والبالغ نحو 517 ألف وظيفة"، مشيراً إلى أنه من المحتمل أن تكون نتيجة التعديلات الموسمية وانعكاس التقلبات في نشاط التوظيف والتخفيضات التقليدية التي تحدث من منتصف ديسمبر إلى منتصف يناير. مع ذلك، حتى لو أزال التعديل التنازلي 200 ألف أو نحو ذلك من القمة، فإنك لا تزال جالساً عند نحو 300 ألف. من الواضح أن سوق العمل قوية للغاية في هذا الوقت لإعادة استقرار الأسعار. لذلك، سيتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي ليس فقط رفع 25 نقطة أساس في اجتماعه في مارس، بل سيتعين عليه القيام بذلك في اجتماع مايو (أيار) المقبل".
وخلال موسم الصيف الماضي حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول من أن "بعض الألم" المعروف أيضاً باسم ارتفاع معدل البطالة من المحتمل أن يكون محسوساً نتيجة الجهود الكاسحة التي يبذلها بنك الاحتياطي الفيدرالي لمعالجة التضخم.
ويقول كبير المحللين الاقتصاديين في "بانكرات" مارك هامريك إن "باول" لم ينطق مرة واحدة بكلمة "ألم" خلال مؤتمره الصحافي الأخير. وأضاف، "إذا كانوا سيضخون أموالاً عليها، أعتقد أن صانعي الاحتمالات في لاس فيغاس سيتضاعفون الآن في سيناريو الهبوط الناعم، ناهيك بأن هذه هي الحالة الأساسية، في حد ذاتها، ولكن يبدو أن الفرص آخذة في الازدياد". وتابع، "إذا كان هناك أي شيء، فقد سطع سيناريو الاقتصاد العالمي في الأيام والأسابيع الأخيرة، وحصلنا على شعاع كبير من أشعة الشمس مع تقرير التوظيف لشهر يناير، بما في ذلك جميع المراجعات، ولكن هذا لا يعني أن المستهلكين أو الشركات يجب أن يكونوا راضين فيما يتعلق بخطر حدوث ركود في نهاية المطاف".