تعرضت سورية عبر تاريخها الحديث والمعاصر إلى عشرات الهزات الأرضية، وكان أقواها #الزلزال الذي حدث فجر السادس من فبراير (شباط) الجاري، والذي يذكر بزلزال ضرب مدن #الساحل_السوري عام 1822 وبالقوة نفسها تقريباً، أي 7.5 درجة على مقياس ريختر، وحدثت زلازل عدة في منطقة #أنطاكية بين أعوام 458 و526 و528 و526 و859 ميلادية، وفاق عدد الضحايا وقتذاك مئات الألوف بحسب الموسوعة العربية في جزئها الـ 10.
وفي كل مرة كانت تتعرض فيها البلاد لهزات أرضية كان الدمار يلحق بالآثار والأوابد التاريخية والعمرانية، كما يقول الباحث والمؤرخ في مجال علم الآثار بسام جاموس متحدثاً إلى "اندبندنت عربية" إنه "حدثت زلازل كثيرة في بلاد الشام، ومنها زلزال شهير في حماة عام 1157 وسقطت وقتذاك قلعة شيزر، كما تأثرت حلب وأهلها من الزلزال وتهدمت قلعة الرحبة ومدينة عرقا وتصدعت مباني أنطاكية".
وبحسب المؤرخ جاموس فقد دمر زلزال عام 1170 مدناً كبرى في سورية، ومنها أنطاكية وجبلة واللاذقية وحلب وحماة وحمص وطرابلس، وضرب زلزال عام 1287 مدينة اللاذقية، فيما أدى زلزال عام 1403 إلى دمار أجزاء من قلعة المرقب وتأثرت جبلة واللاذقية وبعض القلاع، ومنها قلعة المهالبة، بينما ضربت زلازل مدمّرة مدينة اللاذقية في القرن الـ 19، وبخاصة زلزال عام 1872 الذي دمر عدداً من الأوابد التاريخية والأثرية في المدينة.
الطاحونة العثمانية
وتفيد التقارير الأولى الواردة من بعض المدن السورية المنكوبة التي تعرضت لزلزال الإثنين الماضي عن أضرار طاولت معظم المواقع الأثرية نتيجة الهزة الأرضية، فقد تعرضت قلعة حلب لأضرار طفيفة ومتوسطة، منها سقوط أجزاء من الطاحونة العثمانية وحدوث تشقق وتصدع وسقوط لأجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية الشرقية، كما سقطت أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي، وتضررت مداخل القلعة وسقطت أجزاء من الحجارة، ومنها مدخل البرج الدفاعي المملوكي، وتعرضت واجهة التكية العثمانية لأضرار.
كما تضررت بعض القطع الأثرية المتحفية داخل خزن العرض وظهرت تصدعات وتشققات على واجهة المتحف الوطني في حلب.
ونشرت المديرية العامة للآثار والمتاحف على حسابها الرسمي في "فيسبوك" معلومات أولى وصوراً عن الأضرار التي شملت السوق الأثرية القديمة في حلب، إذ يقوم الفنيون في مديرية آثار حلب بمعاينة المدينة القديمة التي تعرضت لأضرار وانهيارات وتصدعات في كثير من المباني السكنية الخاصة.
وتعرض حي العقبة التاريخي المتاخم لسور المدينة الغربي لأضرار وانهيارات، وهو غير بعيد عن باب أنطاكية، وكذلك الأمر في حي الجلوم التاريخي الذي تعرض بدوره لأضرار إنشائية بالغة منها سقوط أسقف وجدران وأجزاء من واجهات، كما تأثرت بيوت خاصة تاريخية في جادة الخندق بأضرار متوسطة وطفيفة وتفيد المعلومات بسقوط عدد من مآذن الجوامع التاريخية في حلب.
الواجهات التاريخية
وفي مدينة حماه تأثرت مبان تاريخية في المدينة مما أدى إلى سقوط أجزاء من بعض الواجهات التاريخية لهذه المباني، ومنها أجزاء من واجهة عقار تاريخي أثري على ارتفاع طابقين من شريحة الجلاء، إضافة إلى حدوث تشققات وتصدعات في الواجهات والجدران من مبان أخرى تاريخية، ففي حي الباشورة التاريخي تضررت واجهة العقار رقم (982) من المنطقة العقارية الثانية بسقوط أجزاء من واجهته الرئيسة وتصدعها، ومن مدينة السلمية أفادت التقارير التي نشرتها مديرية الآثار والمتاحف عن سقوط أجزاء من القسم العلوي لمآذن جامع الإمام إسماعيل مما أدى إلى تصدع واجهة الجامع، وشوهدت أجزاء متساقطة من الجدران الخارجية لقلعة شميميس التاريخية.
وفي طرطوس تضررت بعض المباني داخل قلعة المرقب، ومنها أضرار طفيفة ومتوسطة جراء سقوط أجزاء من حجارة بعض الجدران أو واجهات المباني، ومنها كتلة من برج دائري في الجهة الشمالية حيث الأبراج الدائرة الشمالية، كما أدت الهزة إلى سقوط الجرف الصخري في محيط قلعة القدموس وانهيار بعض المباني السكنية المتوضعة في حرم القلعة. ولا تزال أعمال المسح مستمرة كما يخبرنا نائب مدير مديرية الآثار والمتاحف في سورية همام سعد، لكنها تحتاج مزيداً من الوقت بسبب الظروف الجوية السائدة.
ويقول سعد في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية"، "لم يصلنا من مدينة حمص معلومات دقيقة عن أضرار في المواقع الأثرية والتاريخية وكذلك مدينة تدمر الأثرية، لكن المعلوم حتى الآن أن مآذن الجامع الكبير في القصير سقطت بالكامل".
البشر قبل الحجر
ويضيف سعد "سارعت المديرية العامة للآثار والمتاحف في اليوم التالي لحدوث الزلزال إلى معرفة حجم الضرر الحاصل على المواقع والمباني الأثرية، ووفقاً للمعلومات الأولى فهناك أضرار كبيرة في العديد من المواقع الأثرية تتفاوت ما بين الخفيفة والكبيرة، إلا أن حجم الكارثة والعدد الكبير للضحايا جعلانا نضع الإمكانات كافة في خدمة إنقاذ الناس، فالأولوية في هذه الحالات هي لإنقاذ المواطنين الذين عاشوا ونموا بين تلك المواقع الأثرية، والتي بلا وجود الإنسان فيها تبقى من دون روح، وكذلك لا ننسى أن الظروف المناخية السيئة حالت دون وصول فرق المديرية إلى المواقع البعيدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول سؤالنا عن خطة عمل تقوم عليها المديرية العامة للآثار في الأيام المقبلة بعد الانتهاء من إنقاذ المتضررين قال سعد "لدينا خطة تتمثل بإنشاء فرق في كل محافظة لمعاينة الأضرار وتوثيقها، والقيام بأعمال إسعافية للمباني الآيلة للسقوط، ولا ننسى بأن هناك مبان كثيرة كانت قد تضررت نتيجة الحرب وجرت ضمنها أعمال إسعافية سابقاً، لكن للأسف فإن الزلزال زاد الوضع سوءاً كما هو الحال في متحف معرة النعمان".
وفي حلب واللاذقية اللتين تعتبران الأكثر تضرراً تعاني كوادر مديرية الآثار والمتاحف من وضع سيئ جداً كما يخبرنا همام سعد ويضيف، "موظفو مديرية آثار حلب لا يزال العديد منهم ينام مع عائلته في متحف حلب خوفاً من حدوث هزة أرضية أخرى، لكننا نأمل في أن تكون الأمور خلال الأيام المقبلة أفضل، وأن تساعد الظروف المناخية في القيام بتلك الأعمال، لكن إمكانات المديرية محدودة وكذلك كوادرها مقارنة مع العدد الهائل للمواقع الأثرية، وذلك في ظل غياب أية مساعدة من الخارج بسبب العقوبات".
وهناك بعثات مجرية وإيطالية وروسية كانت تعمل على ترميم مواقع أثرية عدة في سورية تضررت بسبب المعارك، لاسيما في تدمر وعمريت وقلعتي الحصن المرقب، لكنها الآن متوقفة وتأتي للعمل في الربيع.
ولكن تظل اللجان الفنية للمديرية عاجزة عن الوصول إلى مواقع في شمال سورية وغربها بسبب سيطرة قوات المعارضة عليها، ومنها المدن المنسية وقلعة سمعان ومنطقة عين دارا والنبي هوري في عفرين، وقد تعرضت لسرقات كبرى قامت بها عصابات ومافيات لتهريب الآثار الدولية.