العلاقة بين #إيران واليمن أو بين #القوى_اليمنية وحرس الثورة لا تعود إلى عام 2014، بل يمكن القول إنها تمتد لسنوات ماضية، إذ استطاعت أجهزة النظام بناء علاقات واسعة مع الحكومة اليمنية وشخص الرئيس علي عبدالله صالح، الذي استغل العلاقة التي تربط بين البيت الحوثي والنظام الإيراني، بخاصة أن هذا البيت استطاع الدخول على الحياة السياسية اليمنية بشكل واسع ومؤثر بعد قيام حسين بدرالدين الحوثي بتشكيل تجمع سياسي – ديني عرف بأنصار الله وقاعدته محافظة صعدة.
اغتيال حسين الحوثي (2004) وتحول الصراع السياسي بين الحكومة والحوثيين إلى صراع ديني - سياسي، لم يمنع أو يحول دون استمرار العلاقة بين طهران وصالح، على رغم الحروب التي خاضها مع الحوثيين، إذ استطاع الإيرانيون إرساء معادلة قائمة على المصالح، يحصل من خلالها علي عبدالله صالح على شحنة أسلحة مقابل كل شحنة من الأسلحة يرسلونها إلى الجماعة الحوثية، إضافة إلى تقديم مساعدات بأكلاف رمزية أو مجانية لحكومة صالح، الأمر الذي سمح بتسليح هذه الجماعة وتعزيز قدراتها وتدريبها بسهولة.
وقد لا يكون من باب المصادفة أن يتزامن الانقلاب الحوثي على السلطة في صنعاء، ديسمبر (كانون الأول) 2014، واجتياحهم كل المحافظات الشمالية والتوسع باتجاه المحافظات الشمالية والسيطرة على مدينة عدن، مع التوسع الذي قام به تنظيم "داعش" في سوريا والعراق وسيطرته على ثلث العراق وإعلان خلافته من مدينة الموصل، ما يخرج قرار الحوثي الانقلاب على الحكومة من دائرة الصراع الداخلي والمحلي على خلفية مطالب اقتصادية، ويضعه في دائرة الحاجة الاستراتيجية والجيوستراتيجية لطهران، التي سارعت إلى فتح جسر جوي بمعدل سبع طائرات شحن أسبوعياً لتزويد هذه الجماعة بما تحتاجه من أسلحة متطورة تساعدها في معركة تثبيت المواقع. وهنا عاد دور "حزب الله" اللبناني إلى الظهور مرة جديدة، وبالتنسيق والطلب من قائد قوة القدس في الحرس الإيراني قاسم سليماني، ليتولى عناصر من الحزب إلى جانب ضباط من قوة القدس مهمة التدريب التكتيكي والميداني ورسم خطط المعارك وأهدافها لعناصر الجماعة الحوثية.
وإذا كان الهدف المباشر للانقلاب الحوثي هو تهديد الأمن السعودي من خاصرته اليمنية، فإن الهدف الاستراتيجي يتركز في بعده الأول على الاتهام الإيراني للدولة السعودية بالعمل على إضعاف القبضة الإيرانية في عواصم المحور الذي تتزعمه من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان، وأن التحرك في اليمن يشكل عاملاً ضاغطاً على الرياض قد يجبرها إلى عقد تسويات مع طهران، أي الأمن السعودي مقابل التراجع على الساحتين السورية والعراقية وتخفيف الضغط عن لبنان.
أما البعد الثاني للاستراتيجية الإيرانية في اليمن، فيصبّ في إطار استكمال الرؤية أو العقيدة العسكرية أو الجيوسياسية والجيوستراتيجية للمؤسسة العسكرية الإيرانية وعلى رأسها حرس الثورة، التي تسعى وتهدف لفرض سيطرتها وهيمنتها على الممرات المائية الاستراتيجية الحياتية للاقتصاد العالمي، فإلى جانب سيطرتها على مضيق هرمز الذي يشكل الممر لأكثر من 40 في المئة من النفط إلى الأسواق العالمية، فإن السيطرة على مضيق باب المندب، يسمح لطهران بتعطيل قناة السويس المصرية من دون أن تكون بحاجة إلى الوجود المباشر عليها، فضلاً عن تحكمها بالتبادلات التجارية العالمية بين العمق الآسيوي باتجاه أوروبا الغربية، بخاصة أن إيران لن تكون بحاجة لاستخدام هذا الممر المائي باتجاه البحر الأبيض المتوسط بعد نجاحها بتكريس الطريق البري عبر العراق وسوريا باتجاه لبنان لتكون قادرة على تكريس وجودها بمحاذاة الحدود مع إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهذه الأهداف الاستراتيجية، وبحسب العقيدة الإيرانية، هي إيصال رسالة إلى دول المنطقة، بخاصة الدول الخليجية، أنها الجهة التي تمسك بالأمن وتحمل في يدها مفاتيح الاستقرار وتتحكم بمستقبل الاستثمارات الاقتصادية والتجارية وأسواق النفط، ما سيجعل من قواتها العسكرية البحرية والبرية، وتحديداً تلك التابعة لحرس الثورة، والتي تدار من قبل قوة القدس وسليماني، هي القوة القادرة على توفير هذا الأمن وتأمين مصالح هذه الدول. بالتالي، الدفع باتجاه بناء منظومة أمن إقليمية بمحورية أو قيادة إيرانية تشترط معها إخراج كل القوات الأجنبية، بخاصة القوات الأميركية وقوات حلف "الناتو" من هذه المنطقة، ويجعل من طهران اللاعب الأول في المعادلات الدولية المتعلقة بالشرق الأوسط بخاصة ومنقطة غرب آسيا عموماً.
الانفلاش العسكري الإيراني على مساحة الشرق الأوسط، وفي ظل انشغاله بالحرب السورية ومعركة تثبيت المواقع وترسيخ دعائم النظام الحليف له في دمشق، قد يكون السبب الذي دفع أو أجبر قائد العمليات الاستراتيجية للنظام الإيراني سليماني أن يبحث عن شريك له في معركته السورية بما يسمح له بالتفرغ لإدارة معاركه على الساحات الأخرى في العراق واليمن، وأن تكون خطوة التفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإقناعه بالدخول المباشر إلى سوريا، سبتمبر (أيلول) 2015، وبعيداً من الرواية التي قدمها وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف والتي تتحدث عن قرار روسي بالدخول لإضعاف الدور الإيراني ومشاركته بالمكاسب، قد تمت بموافقة وقبول المرشد الأعلى للنظام بعد عرض تضمن كل الأبعاد والمكاسب والخسائر التي قد تحققها إيران من هذه المشاركة، بخاصة أن الساحة اليمنية قد شهدت تطوراً دراماتيكياً لم يكن في حسابات قائد قوة القدس ومن ورائه القيادة في طهران، بإعلان السعودية البدء بعملية عسكرية في اليمن، مارس (آذار) 2015 لإعادة الشرعية وإنهاء هيمنة الحوثيين وإبعاد الوجود الإيراني عن الخاصرة السعودية وما يشكله من تهديد لأمن واستقرار ومصالح السعودية.