يشهد #القطاع_المصرفي اللبناني انتفاضة غير مسبوقة، إذ أعلنت #جمعية_المصارف إضراباً شاملاً ومفتوحاً، "إلى حين تأمين المعالجة السريعة للأزمة النظامية والوجودية لها ولمودعيها وللاقتصاد الوطني"، وذلك عقب تعميم صادر عن #مصرف_لبنان وأحكام قضائية طالت عدة بنوك في #لبنان.
وفي وقت تبرر المصارف خطوتها التصعيدية كنوع من الضغط على السلطة لإقرار الإصلاحات والتشريعات المطلوبة، تتهمها جهات معارضة بأنها تعتمد الإضراب غطاء للتهرب من الأحكام القضائية التي تلزمها تسديد مستحقات المودعين، إضافة إلى عدم تطبيق رفع السرية المصرفية عن بعض الملاحقين قضائياً.
فصول المؤامرة
وفي السياق يقول مصدر مسؤول في جمعية المصارف، "إن قرار المواجهة اتخذ بعد تحمل دام أربع سنوات ومحاولات ممنهجة لجهات سياسية تريد شطب القطاع المصرفي من الوجود"، مؤكداً عدم التراجع عن الإضراب قبل حلول جدية وليس بالوعود والتسويف كما كان يحصل طيلة المرحلة الماضية.
وكشف أن الإضراب حالياً هو جزئي باعتبار أن العمليات المصرفية الإلكترونية وعبر الصراف الآلي لا تزال مستمرة، إلا أنه وفي حال عدم التجاوب قد يتخذ قرار بوقف جميع العمليات المصرفية، لا سيما أنه بات واضحاً أن الجهات التي تستهدف القطاع المصرفي باتت تستخدم القضاء لإصدار أحكام قضائية كيدية، وقال إن "القضاء أصدر، أخيراً، حكماً يلزم فرنسبنك بدفع وديعتين نقداً قيمة كل واحدة منهما بحوالى 100 ألف دولار"، مضيفاً أن إصرار القضاء على رفض إيفاء الودائع عبر الشيك المصرفي والإصرار على الإيفاء النقدي، يعني دعوة صريحة لجميع المودعين لرفع دعاوى قضائية ضد جميع المصارف، الأمر الذي يؤدي تلقائياً لإفلاسها، مشدداً أنه "لا يوجد مصرف في العالم قادر على الإيفاء نقداً لمودعيه دفعة واحدة كون السيولة النقدية عادة لا تتجاوز 20 في المئة من قيمة الودائع".
ويرى أن المصارف باتت أمام مؤامرة متكاملة، إذ تتزامن تلك الأحكام القضائية مع تأخير متعمد في إقرار قانون "الكابيتال كونترول" الذي ينظم السحوبات والتحويلات الخارجية، إضافة إلى حملة واسعة من الدعاوى القضائية على المصارف وبعض المصرفيين والتذرع بشبهات تبييض أموال، مؤكداً أن كل هذه التقاطعات تشير بوضوح إلى نية إنهاء هذا القطاع المزدهر طيلة السنوات الماضية.
وانتقد التعميم 662 الأخير الصادر عن مصرف لبنان، الذي يلاقي برأيه الموجة القضائية برفض اعتبار الشيكات المصرفية، تحت ذريعة أن "المصارف تستخدمها للمضاربة على العملة الوطنية من خلال بيعها في السوق السوداء"، مؤكداً أن هذا الأمر غير صحيح.
السرية المصرفية
في المقابل تصر أوساط قريبة من التيار الوطني الحر أن هدف الإضراب هو حماية سبعة رؤساء مجالس إدارة لبنوك محلية متهمة بتبييض الأموال وإثراء غير مشروع، كاشفة عن ملاحقات قضائية وطلبات رفع السرية المصرفية عن نحو 500 شخص بينهم رؤساء مجالس إدارة ومديرون عموميون ومديرون تنفيذيون يعملون في عدة مصارف.
وبرأيها عودة المصارف إلى الإضراب يذكر المواطنين بما حصل عقب ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، إذ تبين حينها أن المصارف تفرغت لتهريب أموال النافذين إلى الخارج، معتبرة أن بدعة الإضراب الحالية هي تحد للقانون ولسلطة القضاء.
فوضى "الشيك"
ويلفت رئيس مؤسسة "جوستيسيا" المحامي بول مرقص إلى أن غرف الاستئناف المدنية في بيروت، وقضاء العجلة ومحاكم لبنانية أخرى سبق أن أصدرت قرارات عديدة اعتبرت فيها أن الشيك المصرفي لم يعد وسيلة إيفاء مُبرئة للذمة في ظل الأزمة الراهنة، وبالتالي لم يعد بإمكان حامله قبض قيمته أو فتح حساب مصرفي جديد لدى المصارف به من خلاله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح أن تداعيات الأزمة التي يعيشها لبنان منذ أربع سنوات أفقدت الشيك المصرفي قيمته الحقيقية حيث بات يباع بالأسواق غير الشرعية بقيمة تتراوح بين 15 و20 في المئة، لافتاً إلى أن هذا ما جعل المحاكم تعتبر أن "الشيك" لم يعد يحقق الغاية التي أُنشئ من أجلها، مشيراً إلى تنام متزايد في هكذا أحكام قضائية.
وبرأيه هذه الأحكام أثارت حفيظة المصارف التي تعتبر أنه بإمكان زبائنها إقفال حساباتهم في المصارف أو تسديد الديون بواسطة شيكات، كي تبرئ ذمتها من الوديعة التي تُمسكها لمصلحة العميل، مشيراً إلى أن القرارات القضائية كانت أحد أبرز الأسباب التي دفعت المصارف لاتخاذ مواقف تصعيدية.
ويشدد على أنه إلى جانب قضية "الشيك"، هناك سبب آخر أدى إلى اتخاذ المصارف القرار الحاسم بالإضراب ويتعلق بالملاحقة التي طالتها من قبل النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، إذ تعتبر المصارف أنه لا يمكنها العودة بمفعول رجعي وكشف الحسابات المصرفية، لأن قانون رفع السرية المصرفية الأخير لم يأتِ صراحة على ذكر المفعول الرجعي، ما قد يعرضها للملاحقة القانونية من قبل أي متضرر.
وكشف مرقص عن وجود مئات الدعاوى القضائية التي لا تزال عالقة أمام القضاء اللبناني تتناول مدى صحة وقانونية اعتبار أن الدين قد سقط نتيجة الإيفاء الحاصل بموجب الشيكات المصرفية، مؤكداً أنه للخروج من تلك المعضلة القانونية لا بد من إعادة "الشيك" كوسيلة إبراء كاملة لذمة المدين.
سببان للإضراب
وفي السياق، أكد المتخصص المالي والاقتصادي باتريك مارديني، أن المصارف اللبنانية أعلنت الإضراب لسببين، الأول تعميم مصرف لبنان المتعلق بالشيكات، والثاني تضامناً مع "فرنسبنك" الذي أصدر القضاء اللبناني أحكاماً قضائية بحقه.
واعتبر أن المسؤولية الأساسية في الأزمة المصرفية المستجدة تقع على عاتق الحكومة اللبنانية التي وعدت بإعادة هيكلة المصارف وإصدار قوانين إصلاحية لكنها لم تفِ بوعودها طيلة ثلاث سنوات وعلى مدى حكومتين متتاليتين.
خريطة طريق
بدوره يؤكد كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك "بيبلوس" نسيب غبريل، أن المصارف هي المتضرر الأول من الأقفال، لكنها اتخذت هذا القرار التصعيدي لمواجهة القرارات التعسفية تجاهها وانعكاساتها السلبية على المودعين. وانتقد غياب الإصلاحات الضرورية من جانبي الحكومة ومجلس النواب، لا سيما الإسراع في إقرار مشاريع القوانين المتعلقة بالقطاع المصرفي، ومنها قانون "الكابيتال كونترول" وإعادة هيكلة المصارف وإعادة التوازن إلى القطاع المالي، وعدم ربطها ببعضها، في وقت ترفض جمعية المصارف ربط هذه القوانين ببعضها.
وعن المدة التي سيستغرقها الإضراب، توقع أن تستمر لحين وضع خريطة طريق مشتركة للخروج من الأزمة بين جمعية المصارف والسلطة، مشيراً إلى وجود مباحثات لكنها لم تتوصل إلى تقدم ملموس حتى الآن، وتخوف أن تكون القرارات القضائية الأخيرة تستخدم للضغط المصارف.
ويؤكد أن ما وصلنا إليه من تشنج واضطرار للتصعيد هو عدم وجود إرادة سياسية بإصلاحات جدية تؤدي إلى إعادة الثقة وتدفق رؤوس الأموال إلى لبنان، موضحاً أن الحل ليس تقنياً فقط، بل من خلال الحوكمة والإدارة الرشيدة، واحترام استقلالية القضاء، وتطبيق القوانين، ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي، ومكافحة التهريب عبر الحدود بالاتجاهين، الأمر الذي برأيه يعيد الثقة، ومن بعدها تأتي الإجراءات التقنية وتتم بشكل سهل.
التهرب من التحقيق
من ناحيته أعلن المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان أن التحقيقات الأوروبية مستمرة والتحقيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سيحصل حتماً، مشيراً إلى أنه بعد المحاولات التي جرت سابقاً عبر قنوات دبلوماسية لتأخير تلك التحقيقات وعدم نجاحها، هناك اليوم محاولات من الداخل لعرقلتها.
واعتبر المرصد أن أحد الأهداف الأساسية لإضراب المصارف هو منع تنفيذ المذكرة التي تقدمت بها القاضية غادة عون، التي طالبت سبعة مصارف لبنانية برفع السرية المصرفية عن حسابات كبار العاملين من حاليين وسابقين في القطاع المصرفي بعدما اعتبرت أن الهندسات المالية التي حصلت سابقاً بين عدد من المصارف وحاكم المصرف لا تخلو من تبييض الأموال، مشدداً على أن قانون الإثراء غير المشروع وقانون مكافحة تبييض الأموال وقانون العقوبات تسقط السرية المصرفية عن الحسابات المشتبه بها. وعليه، يجب اللجوء إلى تطبيق القوانين سعياً إلى إظهار الحقيقة واستعادة الأموال التي هي حق للبنانيين.