Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا فاز "سيرك" أنيس الرافعي بجائزة القصة القصيرة؟

قصص ذات بعد تجريبي تدور على ألسنة الحيوانات وتنتقد البشر في العصر الراهن

عوالم القصة التخييلية (موقع القصة)

يبدو أن أنيس الرافعي (مواليد 1976) قد نال أخيراً جزاء جهده الدؤوب واعتكافه طوال ثلاثة عقود في ورشة #التجريب_السردي، فقد اختار منذ انطلاقته أن يكتب نصاً أدبياً يمتح من #مرجعيات_ثقافية كبرى، وينحاز إلى أحدث #تقنيات_الكتابة، قاطعاً علاقته مع الصيغ الكلاسيكية للقصة العربية. وقد راكم داخل ورشته التجريبية أكثر من 17 عملاً سردياً تدل عناوينها على منحاه التجديدي في الكتابة: "ثقل الفراشة فوق سطح الجرس"، "هذا الذي سيحدث في ما مضى"، "مستودع الأرواح البديلة"، "اعتقال الغابة في زجاجة"، "متحف العاهات"، "خياط الهيئات"، "مصحة الدمى"، "أشياء تمر من دون أن تحدث"، وغيرها من الأعمال التي يحس قارئها أن الرافعي يحمل القصة القصيرة أكثر مما يتوقع القارئ. إنها بالنسبة إليه ليست حكاية موجزة مفتوحة بين يدي القارئ ومتاحة له على النحو الذي ينتظر، بل هي مادة غامضة ومتمنعة، صنعت بذكاء وبمكر أيضاً، وهي تحتاج إلى أن يتعب قارئها قليلاً مثلما تعب كاتبها. إن التجربة الحياتية للإنسان الراهن بالغة التعقيد والعمق، وعلى النص الأدبي الجديد أن ينقل هذه التجربة بالتشعب ذاته.

هذه هي فلسفة الكاتب المغربي أنيس الرافعي الذي فاز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة في الكويت في دورتها الخامسة، والتي يترأسها الروائي والقاص طالب الرفاعي، عن مجموعته القصصية "سيرك الحيوانات المتوهمة" الصادرة عن دار خطوط وظلال - الأردن العام الماضي. وجاء تتويج الرافعي بعد منافسة شديدة ضمت 241 كاتباً وكاتبة من بلدان العالم العربي، وصل منهم عشرة أسماء إلى اللائحة الطويلة من العراق والمغرب ومصر والأردن وتونس، وهم إضافة إلى الرافعي، إنعام كجه جي وضياء جبيلي وعبدالله طاهر وياسر عبداللطيف وأماني سليمان داوود ويوسف ضمرة والأزهر الزناد ومحمد رفيع وياسمين حنوش، ثم تأهلت خمسة أسماء فقط إلى اللائحة القصيرة. وقد تشكلت لجنة تحكيم الجائزة من عبدالله إبراهيم رئيساً، وعضوية كل من عبدالقادر فيدوح وخالد رمضان ومريم خلفان السويدي وعادل ضرغام. وكان متوقعاً أيضاً فوز القاص الأردني الفلسطيني يوسف ضمرة، أحد رواد القصة القصيرة الجديدة في العالم العربي.

 

وفي كلمته التي ألقاها خلال حفلة التتويج بالجائزة التي ينظمها الملتقى الثقافي في الكويت، وترعاها جامعة الشرق الأوسط الأميركية، دعا الرافعي الكتاب إلى الإيمان بمشاريعهم الذاتية في الكتابة وقال عن عمله الفائز: "في هذا الكتاب، أردت أن أجد استعارتي الخاصة، كما يفعل الكتاب العالميون، أن أجد صورة للحياة والوجود في سيرك مقلوبة فيه الأدوار بين الإنسان والحيوان، هذا السيرك ينتهي بحريق كبير يخلف الكثير من الرماد، لكن بعد ذلك يأتي تجار الرماد ليعيدوا بيع هذا الرفات".

حيوانات تنتقد البشر

وفي كتابه "سيرك الحيوانات المتوهمة" الفائز بجائزة الملتقى اشتغل الرافعي على فكرة تخييل الحيوان، وتمثل حضوره العجائبي في التراث العربي، لكن وفق زاوية نظر راهنة. فالمونولوغات التي وظفها الكاتب تترجم نظرة الحيوان إلى البشر وما يرتكبه من حماقات وفظاعات في هذا الوجود. إننا أمام سيرك خيالي يؤدي فيه الإنسان بدل الحيوان أدواراً غريبة وغامضة تهيمن عليها البلاهة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشتغل أنيس الرافعي في أفق الجماليات النصية المفتوحة على قراءات متعددة ومركبة، والتي تحتاج إلى قارئ أريب له مرجعية معرفية بحقول فنية ودلالية متعددة. هذه الحقول التي يعمل الكاتب على إذابتها في صهارة إبداعية، كما لو أنه صائغ حلي يريد منها على الدوام أن تبهر من تقع في يده. فهو غالباً ما ينطلق في كتبه السردية من تيمة واحدة تتفرع وتتشعب وفق بناء نسقي متماسك ومعمار سردي شديد الدقة. إن كتابة الرافعي بقدر ما هي نقل لواقع متعدد الطبقات والثنايا، هي أيضاً دعوة إلى التأمل في ما آل إليه الإنسان الراهن في حياته الجديدة، بكامل غموضه وتفككه وعقده وهواجسه وأوهامه، الإنسان اللامطمئن والقادر في الآن ذاته على مواجهة أهوال الحياة الجديدة بسخرية.

منذ التسعينيات دخل أنيس الرافعي إلى حجرة القصة القصيرة، ولم يغادرها. ظل مخلصاً لهذا الجنس الأدبي من دون غيره، وقد كان له رأي متطرف في الموضوع، فقد وصف في تلك الفترة الكتابة في عدة أجناس أدبية بـ"التقافز الأكروباتي". غير أنه اتخذ لاحقاً موقفاً آخر مفاده أن الانتقال من جنس أدبي إلى آخر ينبغي أن تكون له مبررات فكرية وفلسفية. ومن كتاب قصصي إلى آخر يواصل الرافعي التجريب السردي بطرق مختلفة، متقاطعاً مع أشكال تعبيرية وحقول ثقافية وفنية عديدة مثل السينما والتشكيل والمسرح والفلسفة والتاريخ والسيميائيات والغرائبيات والفنون البصرية والمشهدية. وأبدع نصوصاً قصصية مركبة ومتشابكة، غايتها إدهاش القارئ وإقناعه بأن الأدب الجديد ينبغي ألا يكون بالضرورة امتداداً لأدب سابق، بل عليه أن ينتمي إلى عصره بما يحمله هذا العصر من تحولات وتعقيدات.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة